كتبت سمر فضّول في صحيفة “الجمهورية”:
لم يعتد اللبناني على «الحصرة»، هو بطبعه يحب الحياة، ولكن فيروس «كورونا» القاتل، أرغمه على سلوكيات جديدة بعيدة من قاموسه اليومي. عقود مرّت واللبناني يمارس عاداته وطقوسه الحياتية في الحرب كما في السلم، ولكننا اليوم، وفي زمن التعبئة العامة، طغت مقولة «خليك بالبيت» على تقاليدنا وعاداتنا، وحرمنا «كورونا» فرحة «عيد القيامة».. سنتألّم مع المسيح اليوم أمام شاشات التلفزة، وسنحتفل الأحد في العالم الافتراضي أمام مذبح صغير في زاوية المنزل..!
هذا العام مغايرٌ تماماً للاعوام السابقة، فقد علّقت الكنائس المسيحيَّة في سوريا ولبنان هذا العام «كافة الخدمات والصلوات العامة، بما فيها القداديس، حتى إشعار آخر، وضمناً أسبوع الآلام وأحد القيامة، وذلك بناءً على التطورات الأخيرة لانتشار فيروس «كورونا»، والتعليمات الجديدة الصادرة عن الحكومات المحليّة للوقاية من هذا الوباء».
لا تخفي مصادر بكركي لـ «الجمهورية»، أنّ البطريرك الكاردينال مار بشاره بطرس الرّاعي «لا يحبّذ غياب المؤمنين عن الكنائس، ولكنّه متمسّك بالمحافظة على صحّة وسلامة الناس، وعلى الإلتزام بكافة التعاميم والقرارات الرسمية في هذا الإطار».
وجرت العادة أن يشارك الرئيس ميشال عون برتبة دفن المسيح الى جانب الرهبان في «الكسليك»، ليشهد القيامة يوم الاحد في بكركي، مشاركاً في القداس الذي يرأسه البطريرك الراعي.. كل هذا سيغيب هذه السنة. وتشير مصادر الصرح، الى أنّ «قداديس العيد ستُنقل مباشرة على شاشات التلفزة، فقدّاس الجمعة العظيمة سيُبثّ اليوم في تمام الـ11 ظهراً، كما ستُبثّ رسالة الفصح السبت عند التاسعة، وسيُبثّ قداس العيد نهار الأحد في تمام الساعة الـ 11 ظهراً، كي يتمكّن المؤمنون من المشاركة بصلوات العيد من منازلهم».
على الصعيد الإجتماعي
للتعبئة العامة في ظلّ هذه الظروف تأثيرها الاجتماعي والنفسي الكبير على الأفراد. وتقول فاديا، وهي ربّة منزل، إنّها «تشعر بوحدة كبيرة في هذا العيد، فالعائلة لن تكون مجتمعة كعادتها على مأدبة الغداء يوم العيد، وإبني لم يتمكن من العودة من الولايات المتحدة ليكون معنا، حتّى إننا محرومون من الصلاة في الكنيسة التي تتزيّن بأبهى حللها يوم قيامة المسيح».
والى الحالة المعنوية والنفسية البعيدة كلّ البعد عن أجواء العيد، تلفت فاديا، الى أنّ «الوضع المادي ليس بأفضل، لن نشتري ملابس جديدة، ولن نصنع الحلويات المنزلية.. فالوضع متأزّم، العيد لا يشبه العيد، وفيه غصّة كبيرة هذا العام».
وتبدي البروفسور والباحثة الإجتماعية سناء صبّاح لـ «الجمهورية» تفاؤلها في هذا الجو المتشائم، وفي حين تؤكّد أنّ «العيد سيكون حزيناً، لأننا اليوم مأزومون نفسياً وإجتماعياً، والعلاقة ليست على ما يرام مع إنتشار فيروس كورونا وإستتباعه بعزل منزلي، حيث دخل الفرد بصراع نفسي من أجل البقاء، وبات يشعر بقلق كبيرعلى حياته، وحرمانه فرحة العيد والجمعة واللّقاء وسماع صوت أجراس الكنائس..». لكنّها ترى أنّ «المجتمع اللّبناني قادر على تخطّي هذه الأزمة فور إعلان إنتهاء الخطر الصحي، وسيعود الى حياته الطبيعية». وتقول: «تاريخياً، تتأثر العلاقات الإجتماعية كثيراً بعد الأزمات الكبيرة كالطاعون والإنفلونزا.. وخصوصاً في الغرب، وذلك لأسباب عدّة. لكنّ نحن شعب محبّ للحياة، وأثبتت التجارب صحّة الأمر، فطبيعتنا وعقليتنا وعاداتنا وتقاليدنا ومناخنا وإيماننا مختلفة، ونحن شعب محب للروابط الإجتماعية وحافظنا عليها في مجتمعنا».
على الصعيد الإقتصادي
عادةً، تحرّك الأعياد العجلة الإقتصادية نوعاً ما، وخصوصاً على الصعيدين السياحي والتجاري. إلّا أنّ التعبئة العامة، التي أقفلت الحدود والمطار والمحلات، حالت دون ذلك.
ليال، هي صاحبة إحدى محلات الألبسة الكبرى للأطفال تقول، انّ «الواقع الإقتصادي فرض نفسه العام الماضي على محلّات الألبسة، فإضطّرت الى تخفيض أسعارها قبل الأعياد لتتمكّن من تحديد خسائرها، لكن ورغم إنتقالها إلى البيع «أونلاين» كحلّ بديل للإقفال «إلّا أنّ المبيع إنخفض الى أكثر من 85 %..، مع أنني أعمد الى إستعمال كافة منصّات التواصل الإجتماعي وأقوم بإرسال صور الملابس الى الأهالي، ولكن التفاعل يبقى خفيفاً جداً».
أمّا القطاع السياحي، فتلقّى «ضربته القاضية»، وهذا ما يؤكّده رئيس نقابة أصحاب الفنادق بيار الأشقرّ لـ «الجمهورية»، معلناً أنّ «مدخول الفنادق اليوم هو صفر».
وأشار الأشقر، الى أنّ «نسبة الأوتيلات التي تستقبل المغتربين العائدين لا تتخطّى الـ 1% من القطاع، وبالتالي لا تأثير إيجابياً يُذكر على القطاع».
وعمّا إذا كان من خطة لدعم هذا القطاع، للصمود أمام «الواقع الكوروني»، لفت الى انّ «الصحف والمجلات العالمية تتحدّث عن ضربة عالمية تلقّاها القطاع السياحي، لذلك تعمل الدول اليوم على دعم طيرانها الوطني ومن خلفه المؤسسات السياحية، أمّا نحن، فحكومتنا تحاول رسم خطّة إنقاذية لتخلّص نفسها، وإن تمكّنت من ذلك فلبنان سيكون بحاجة الى نحو 5 سنوات أقلّه ليزدهر من جديد»، لذلك، نحن نطالب الحكومة بأن تنظر الى واقعنا مع المصارف، فلا تعلن إفلاسنا، كما نطالبها بالنظر في الفوائد العالية التي تتراكم علينا، لأنّنا لن ننهض من أزمة قبل سنة من بعد انتهاء أزمة كورونا».