لم يكن ينقص لبنان الذي يُصارِعُ “كورونا” ويحاولُ الصمودَ عند أرقامِ إصاباتٍ تقي نظامَه الصحي “تسونامي مدمّراً” سوى ارتسام ملامح تَفَشٍّ يشي بتداعياتٍ خطيرة لـ “وباء” الصراع السياسي المتعدّد الجبهة الذي يستعيد وهجَه ويدور على “حُطام” واقعٍ مالي بات بمثابة “حقل ألغام” بوليتيكو – اقتصادي – اجتماعي.
وفيما كانت الأنظارُ على معاودةِ عدّاد الإصابات بـ “كوفيد – 19” مساره التراجعي مع تسجيل 10 حالات جديدة (بعد 27 إصابة الجمعة) ارتفع معها العدد الإجمالي إلى 619 واستكمال رحلات إجلاء لبنانيين من دول الانتشار والتي شملت الأحد وصول أول طائرة من الكويت، بدا أن مسارَ الإنقاذ المالي الذي يفترض أن يتم على “حمّالة” خطةٍ إصلاحية وزّعت الحكومة مسودّتَها يصطدم بصواعق عدة تَكمن لمسيرةٍ تُسابِق أصلاً الزمن والمؤشرات الانحدارية في الوضع النقدي والمعيشي الذي يشي بـ “انفجار” شعبي جاءت الأكلاف الاقتصادية الباهظة لـ “كورونا” لتصبّ الزيت على نيرانِه الكامنة.
وعَكَس تَزاحُم المخاطر على هذين الصعيديْن الأفقَ القاتم للواقع اللبناني الذي يسترجع غداً الذكرى الـ 45 لحربِ العام 1975 التي مزّقتْ البلادَ على مدى 15 عاماً، والتي تصادف في 2020 مع سنة “مئوية لبنان الكبير” الذي وُلد من رحم تراجيديا 1915 – 1918 التي طبعتْها المجاعة النادرة – التي أتت على خُمس سكان لبنان حينها (نحو 200 ألف شخص) – ووباء الحمى الاسبانية والكوليرا.
ولم يكن عابراً أن تحلّ ذكرى 13 نيسان 1975 فيما البلادُ لا تزال مكشوفةً على “لعبةِ الأممِ” واستقطاباتِها وعلى صراعاتٍ سياسيةٍ تتّخذ لبوساً طائفياً ومذهبياً ذاتُ صلةٍ بالتوازنات الداخلية بامتدادتها الاقليمية، وهي الصراعاتُ التي خفتتْ في أبعادها “العميقة” بفعل “الواقعية” التي اعتمدتْها أطرافٌ وازنة في مقاربتها المسائل الخلافية الجوهرية المرتبطة خصوصاً بسلاحِ “حزب الله” وأدوارِه الخارجية.
وترى أوساطٌ واسعة الإطلاع في هذا الإطار أن “تَورُّم” الخلافات حيال خطة الإنقاذ المالي لحكومة الرئيس حسان دياب، ورغم تَركُّزه على الجوانب التقنية وحدود ردْم الفجوة المالية بـ 83 مليار دولار و”مِن جيْب مَن”، إلا أنه يُجانِبُ حقيقة أن المشكلة المالية لا يمكن حصْر مسبّباتها بأخطاء يُعمل على تحميلها للقطاع المصرفي وخياراته، ذلك أن الانهيار المالي لا يمكن فصْله عن الأكلاف الباهظة لمسارٍ سياسي مدجّج بالأزمات على مدار الأعوام الـ 15 الماضية، وشكّلت وضعية “حزب الله” وانخراطه في حروب المنطقة نقطةً محورية فيه لما رتّبتْه من خروج لبنان من الحضن العربي إلى الإيراني.
ولاحظت هذه الأوساط أنه على تخوم هذه الحقيقة، اندلع التراشقُ السياسي حيال خطة الإنقاذ التي بدت محاصَرة بـ “نيران صديقة” لقوى مشارِكة في الحكومة كما بمعارضةٍ من الأطراف غير المشاركين فيها، تحت عنوان الـ haircutالمفترض للودائع ونسبته (لا تقلّ عن 50 بالمئة)، وسط اعتبار قوى في “البيت الحكومي” أن المساسَ بالودائع خط أحمر وهي من “المقدّسات” (كما يُنقل عن الرئيس نبيه بري)، ودعوة آخَريْن للذهاب أولاً “إلى قص رؤوس ناهبي الدولة وأموالها” وهو ما يُشتمّ منه مسار يُخشى أن ينزلق إلى “الانتقام السياسي” من الخصوم الذين خرجوا من السلطة.
وتَدَحْرَجَتْ هذه الوقائعُ الصاخبةُ فيما كان ملف “كورونا” على خطورته، وسط رصْدٍ لما سيُبنى عليه بعد انتهاء الجولة الأولى من إعادة مَن يرغب من المغتربين اللبنانيين الاثنين، في ضوء الحصيلة النهائية للإصابات بين العائدين والتي كانت رست (حتى رحلات الخميس) على 25 حالة إيجابية بين 1348 لبنانياً، بينهم 13 راكباً كانوا على طائرة واحدة جاءت من لندن ما استوجب إلزام العائدين من العاصمة البريطانية على الخضوع لفحوص pcr قبل موعد رحلة الاثنين على أن تعيد فقط مَن ثبت أن نتائجهم سلبية.