كتبت مريم سيف الدين في صحيفة “نداء الوطن”:
دخلت إنتفاضة تشرين الحجر المنزلي، وتوحي الاحداث بأنها لن تخرج منه في القريب العاجل، وكأنها تنتظر خطوات الحكومة وتلتزم بقراراتها خوفاً من “كورونا”. ما جعل الأحزاب والحكومة اللاعب الممسك بالأرض والساحات من دون منافس. إذ قدّمت الجائحة فرصة ذهبية للسلطة، فأنهت أشكال الاحتجاج على الأرض، وخففت منه في العالم الافتراضي. وبذلك منح الفيروس الحكومة إمكانية تمرير القرارات واتخاذ ما شاءت منها من دون مواجهة مع مجموعات الانتفاضة، وأزالت ما تبقى من خيم للمعتصمين. ويبدو وكأن الحكومة وإعلامها نجحا في خرق صفوف قسم من المنتفضين الذين باتوا يؤخذون بدعايتها، متناسين أنها حكومة ما بعد 17 تشرين وبأنها وجدت لإنهاء انتفاضتهم.
وفيما من غير المعلوم متى تنتهي التعبئة العامة وطبيعة إجراءاتها المقبلة، ولا ما ستمرّره الحكومة من قرارات جديدة، تبدو مجموعات الانتفاضة في حالة ترقّب، وفي وضعية المتلقي من دون قدرة على الفعل. تنتظر قرار الحكومة بإنهاء الحجر لتعود إلى الشارع. ما يطرح السؤال عما تفعله هذه المجموعات في هذا الوقت، وعن الآلية التي قد تلجأ إليها لخوض مواجهة تتناسب وضرورات المرحلة، وكيفية استعادة ما أفقدتهم إياه الظروف الصحية التي انتصرت لخصمهم.
لبعض المنظّمين في المجموعات نظرة مختلفة للأمور، إذ يؤكد ماهر أبو شقرا، من “لحقي” لـ”نداء الوطن” بأن الثورة مستمرة، ويتوقّع قدوم “موجة ثورية ثانية أعظم مما شاهدناه في 17 تشرين”. وعلى الرغم من التفاؤل، تنظر “لحقي” بقلق إلى إجراءات الحكومة اللبنانية: “مقلق استغلال السلطة للجائحة لتمرير إجراءات ظالمة، ورأينا أداء وزارة الداخلية وإزالة الخيم والإعتقالات”. وعلى الرغم من إعطاء المجموعة الأولوية اليوم لمواجة الوباء، غير انها تشعر أيضاً بالقلق من استغلال الأزمة من قبل السلطة، “إذ دمرت قوى المنظومة الحاكمة الدولة بشكل كامل حتى تقوم هي خلال الأزمات مكان الدولة التي دمرتها، وتقيم إدارة بديلة تجعل الناس تعتقد بحاجتها إليها وبأن لا غنى عنها في هذه الظروف. وهو أمر خطير”. وإذ ترى “لحقي” أن “الناس متروكة بين خياريّ حكومة تابعة بشكل غير مباشر للنظام من جهة وقوى محلية حاكمة من جهة أخرى” ما يصعّب عملها، اختارت “لحقي” الانخراط مع الناس عبر العمل المحلي في مناطق تواجدها، وفق أبو شقرا. كذلك تعمل المجموعة على تنظيم أفرادها استكمالاً لمشروع مواجهة السلطة، وتتحضّر لإجراء انتخابات داخلية.
من جهتها تؤكد دارين دندشلي لـ”نداء الوطن” بأن “كورونا خفّف من أثر الثورة واستفادت منه الأحزاب لتعزيز الزبائنية، وبدأت بتوزيع حصص غذائية ومواد تعقيم مرفقة بشعاراتها”، لكن تلفت دندشلي إلى قدرة الناس على رؤية ممارسة الأحزاب، وتؤكد استمرار مجموعات والثوّار بالتنسيق في ما بينهم، “لكن هناك احترام لحالة التعبئة العامة”. وتشير الناشطة إلى حملات تضامن وتكافل ومبادرات صغيرة في مختلف المناطق يقوم بها الثوار ويتجنبون تمنين الناس بها كما تفعل الأحزاب.
وفي حين يتوجه مشاركون في الإنتفاضة بالشكر لبعض الوزراء، ويمنحونهم شرعية من خلال الطلب من الحكومة فرض حالة طوارئ تمنحها صلاحيات استثنائية، تبرر دندشلي الموقف بوضعية الخوف وتعلق الأفراد بأي شيء يعطيهم الأمل. لكنها تشير إلى تراجع ناشطين عن مطالبتهم بالأمر بعد أن فهموا ما يعنيه فرض الطوارئ وعواقبه. أماّ “ما حصل في 17 تشرين سيعود ولو تأخر، فهناك جيل لن يرضى بما رضينا به”.
كذلك يؤكد الناشط شربل قاعي لـ”نداء الوطن” بأن محاولة الحكومة الاستمرار في مشروع سد بسري لن تنجح، “فالمشروع لن يمرّ إلا فوق جثثنا، بمجرد أن نرى حفاّرة بدأت بالعمل سنتّجه إلى المكان ونمنعها”. ويعترف المنتفض بأنهم أخطأوا كثوار عندما خفّ نبضهم في الشارع بعد استقالة سعد الحريري. ويعد قاعي بالعودة بنبض أقوى، “سيرون ثورة جياع”. ويبدو الناشط مرتاح إلى أن الحصص التي توزعها الأحزاب على الناس لاسترجاع ولاءاتهم لن تؤدي الغاية منها، “فنحن نتلقى اتصالات من مواطنين يقولون لنا بأنهم لا يؤيدون الأحزاب لكن لن يرفضوا تلقي المساعدات”.