كتب محمد دهشة في “نداء الوطن”:
كشفت تداعيات أزمة “كورونا” عن ظاهرة “التكافل الاجتماعي” في مدينة صيدا، عشرات المبادرات الجماعية والفردية انطلقت في مختلف الاحياء والاتجاهات لتسد رمق الفقراء والعائلات المتعففة، والذين تقطعت بهم سبل العمل مع اقفال المؤسسات والمحال التجارية التزاما بـ “التعبئة العامة” و”حال الطوارئ الصحية” لمنع تفشي “الفيروس”.
غير ان نمطاً جديداً في “التكافل الاجتماعي” بدأ يأخذ أصداء ايجابية بعيداً من الاعلان والاعلام، ويتمثل بقيام أشخاص ميسورين وغير معروفين، بتسديد نفقات الفقراء المتراكمة على “دفاتر الديون” في الدكاكين والمحلات التجارية في صيدا وخاصة في الاحياء الشعبية، حيث يتفأجا اصحابها عند شراء احتياجاتهم، بأن “فاعل خير” سدد ما يتوجب عليهم وبات “رقم الدين” صفراً، وسط فرحة لا توصف.
وتقول هند النقوزي التي تملك دكاناً صغيراً في منطقة “الفيلات” في صيدا لـ “نداء الوطن”، “الظاهرة تكررت أكثر من مرة في الاشهر القليلة الماضية، بدأت مع اندلاع “الثورة الشعبية”، حيث عانت العائلات من “الفقر المدقع”، نتيجة الانهيار الاقتصادي والضائقة المعيشية ولم يعد بمقدورها تسديد ديونها، وتواصلت اليوم مع إستفحال أزمة “كورونا” وارتفاع نسبة البطالة بسبب وقف العمل وصرف الموظفين والالتزام بالتعبئة العامة”.
وأوضحت ان “أحد الاشخاص الميسورين أراد المساعدة بطريقة مختلفة عن المبادرات الخيرية، فقصد الدكان وسأل عن العائلة الأفقر، والأكثر ديناً، وقام بتسديد ديونهما، من دون ان يعرّف عن نفسه، وعند إبلاغ العائلتين بالامر، كانت فرحتهما لا توصف”.
وتعتبر “الفيلات” واحدة من المناطق الشعبية التي تقطنها عائلات من ذوي الدخل المحدود مثل “التعمير وصيدا القديمة، وأحياء “الهمشري والفوار والزهور ودلاعة والحاج حافظ وصولاً الى البراد”، وقام رجل اعمال صيداوي من عائلة النداف، حيث كان يقطن سابقاً، بتقديم مساعدات مالية الى كل عائلة في المنطقة مقدارها مئتي الف ليرة لبنانية، من دون ضجة اعلامية بهدف دعمها معيشياً.
وفيما ترددت أصداء المبادرتين في أرجاء المنطقة ولاقت إستحساناً، تمنى ابناؤها تعميمها على باقي الاحياء، وتوسيع نطاقها لتشمل ايضاً “ايجار المنازل والمحال، واشتراك مولد الكهرباء والادوية لاصحاب الامراض المزمنة وغيرها من ضروريات الحياة، ودعا نائب رئيس المكتب السياسي لـ “الجماعة الاسلامية” بسام حمود، الى تعميم المبادرات الخيرية المشابهة، على قاعدة نحن “كالجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له الجسد كله بالسهر والحمى”. بينما اعربت النائبة بهية الحريري عن ارتياحها لجهود المجلس البلدي برئاسة محمد السعودي وبالتكافل الذي تعبر عنه المدينة، بالتضامن بين بلديتها وفاعلياتها ومجتمعها المدني والأهلي، فيما اكد السعودي اننا “سنقوم بما يتوجب علينا لدعم العائلات، وتوزيع المساعدات عبر القسائم الشرائية وسيبلغ عددها نحو 30 الف قسيمة تباعاً، بقيمة نحو 3 مليارات ليرة لبنانية.
وفي ظاهرة متناقضة، فإن التلاعب بالاسعار في ظل غياب الرقابة الفعلية، وجد اصداء ساخطة من التذمر وخاصة داخل بعض المراكز التجارية المعروفة “السوبرماكت”، بعدما تخطى هامش الربح الطبيعي المعقول، وسط شكاوى متزايدة من الاحتيال، إذ تسجل على البضاعة أسعار، وعند قسم المحاسبة تتفاجأ بأسعار أخرى أكثر ارتفاعاً، ما دفع بالدكتور عبد الرحمن البزري الى مطالبة وزير الإقتصاد اللبناني بالإستقالة، إذا لم يكن قادراً على مواجهة تحديات هذه المرحلة”، متسائلا عن “الغياب التام لمُراقبي وزارة الإقتصاد عن مُتابعة أسعار السلع وخصوصاً المواد الغذائية التي تضاعفت أسعارها من دون مُبرر”. وبين المبادرات والشكاوى، بدأت في أروقة المدينة وبين حراكها الشعبي وناشطيها وعمالها وحتى صياديها، ترتفع أصوات الغضب، تحذر من انفجار اجتماعي قريب، اذا ما استمر الحال على ما هو عليه من الاقفال والغلاء، وقال الناشط في “حراك صيدا” علاء عنتر، ان “الطريق نحو الحرية متعب وطويل وصعب، لكن الأصعب الإستسلام لنمط عيش لا يناسبنا، ان نتنازل عن احلامنا، وان نتخلى عن مستقبلنا”، مضيفاً: “هذه الامور أجبرتنا على الإستمرار بـ “ثورة 17 تشرين”، خاتماً: “هيدا الكابوس رح يخلص بإذن الله ورح نرجع اقوى من قبل من اجل لقمة العيش، والإنتفاضه مستمرة”.
ولا يقتصر الامر على الانفجار الاجتماعي، اذ بدأت الازمة الاقتصادية تضرب التجار انفسهم، وفق ما قال رئيس “جمعية تجار صيدا وضواحيها” علي الشريف”، مؤكداً لـ “نداء الوطن”، اننا “نسير بأقدامنا الى “منصة الاعدام”، اذا استمر الوضع هكذا، واذا لم تبادر الدولة الى خطوات انقاذية سريعة، بعد الضربة القاضية الذي تلقاه القطاع التجاري لجهة الانهيار الاقتصادي وانعكاس الحراك الشعبي واليوم انتشار “كورونا”.