IMLebanon

لكي لا تضيع البوصلة المالية.. رؤية إقتصادية تنقل لبنان نحو الإنتاجية

كتب د. ذكريا حمودان في “الجمهورية”:

تعمل الحكومة اللبنانية اليوم على طرح خطة إقتصادية مستقبلية لإنقاذ الوضع، وهي كانت قد بدأتها في المراحل السابقة، عبر التخلّف عن دفع سندات «اليوروبوندز»، ثم أتت أزمة «الكورونا» الحالية لتعطي وقتاً إضافياً لهذه الحكومة، قبل أن تطلق خطتها. أما أخيراً، فقد تسرّبت ما سُمّي بـ»الخطة الإقتصادية» بفعل فاعل أو بغرض دسّ نبض الشارع وتلقفه لهذه الخطة!!!

الحكومة التي ولدت على وقع الحراك الشعبي، ثم الإنقسام السياسي بين بعض الأفرقاء، والتمسّك بالرئيس سعد بالحريري ثم تفلّته من المسؤولية، أتت بحسان دياب كمنقذ للمالية العامة، وهو الآن يعمل على تقديم خطته التي تسرّبت، إذا ما كان هذا التسريب صحيحاً. لذلك، هذه القراءة الدقيقة، ومن وحي أرقام موازنة العام 2020.

بداية، مع الرسم التوضيحي الأول، والذي يوضح نفقات الموازنة العامة للعام 2020 والتي وصلت إلى 18231 مليار ليرة، كما تظهر النِسَب المئوية، فإنَّ نسبة الإستثمار وصلت إلى 2.7 %، كأدنى نسبة موجودة في النفقات، في وقت وصلت الرواتب والأجور إلى 54.5 %، في وقتٍ يشكّل جزء كبير من هذه الرواتب والأجور عبئاً كبيراً على كاهل الدولة اللبنانية واللبنانيين عموماً، ونسبة 18% ممّا يُسمّى بالنفقات الأخرى.(رسم توضيحي 1).

لذلك، قد يكون النظر في كيفية تعزيز إنتاجية هذه الأرقام أهم بكثير من الإستدانة أو محاولة أخذ أموال المودعين رهينة، عبر عملية إقتطاع أو مصادرة، عبر تحويل الأموال إلى ديون أو غير ذلك. أما عن كيفية تعزيز هذه الإنتاجية، فقد نترك هذا الأمر لدراسات لاحقة.

في التفصيل الآخر من ضمن النفقات، نأتي على 8.2 % كعجز لقطاع الكهرباء، الذي من المفترض أن يقدّم للدولة لا ان يأخذ منها. فهل نحن بحاجة لصندوق النقد لكي نعلم أننا يجب أن نخصّص قطاعاً منتجاً، ولكن في كياننا المهترئ هو غير منتج؟ أم أننا بحاجة فقط لقرار سياسي لإنهاء هذه الآفة، ولننقل قطاع الكهرباء من نفقات الموازنة العام إلى وارداتها؟

أما نسبة الـ18 % من مصاريف أخرى، فهي أمر غير مقبول، ويجب توضيحه ومعالجته، كما من الضروري التوضيح، أنَّ هذه النسبة كذلك هي منتجة، وأكثر من ذلك مُبهمة.

أما في الدين العام، فهنا يمكننا القول إنَّ هذا الدين، وفي جزء كبير منه هو بالعملة الوطنية 62 % تقريباً، وحتى الجزء الآخر منه في العملة الأجنبية يعود لمصارف تجارية داخلية بالشراكة مع مصرف لبنان. بالتالي يمكن أن تتعاون مع الدولة لكي لا تسقط، خصوصاً أنَّ جزءاً كبيراً منها شريكة للطبقة السياسية أو تعود لسياسيين، ولأنّ بقاءها مرهون ببقاء هذه السلطة، وبقاء هذه السلطة مرهون ببقاء ديون هذه المصارف. كما أنَّ الجزء المهم من الدين العام يعود لمصرف لبنان (قرابة 35 % من إجمالي الدين العام) الذي يتعاون كذلك الأمر مع الدولة، لبقاء الجميع على قيد الحياة. هذه النسب المئوية الظاهرة في الرسم التوضيحي الثاني، تثبت أنَّ الدين العام يمكن له أن يتبلور ليُعاد تشكيله من جديد على هيئة متأخّرات مالية مستحقة لهذه المصارف ومصرف لبنان، ولكن يجب تأخيرها إلى بداية العام 2023 وبفائدة 0 %. (رسم توضيحي 2: توزع الدين العام).

أما بالنسبة للواردات المالية التي تتضح لنا في الرسم التوضيحي رقم 3، فهي أرقام واعدة بالرغم من أنّها تقريبية. وكما تظهر الأرقام، فإنَّ العجز (الفارق بين النفقات والإيرادات) 4836 مليار ليرة، ما يشكّل نسبة 36.1 % من الواردات، وهذا الرقم منطقي جداً ومقبول، في ظلّ كل تلك الثغرات التي رأيناها في نفقات الموازنة في لبنان.

أما مقارنة مع خدمة الدين العام، فالعجز في موازنة العام 2020 يوازي تقريباً خدمة الدين العام، ما يعني أننا في عجز، أحد أسبابه تراكم الدين العام. (رسم توضيحي 3: إيرادات الموازنة العامة المتوقعة للعام 2020).

وإذا ما أردنا المقارنة مع الرواتب والأجور، فالعجز هو قرابة نصف الرواتب والأجور، وبالتالي علينا أن نرفع الإستفادة من إنتاجية الرواتب والأجور. (الجزء غير المنتج منها).

 

كيف تُقرأ الحلول؟

إذا ما أردنا أن نقرأ في الحلول الأساسية للموازنة، علينا أن ننظر في شكل واردات ونفقات الموازنة الجديدة، التي نقترحها كحل مرحلي للبنان، لينشأ من بعدها الإستقرار، وهي كما يظهر الرسم التوضيحي رقم 4 و5، ففي الرسم رقم 4، الواردات، والرسم رقم 5 النفقات، وهي على الشكل التالي:

بداية، تشكّل الإيرادات الإفتراضية بكل بساطة، الإيرادات العادية التي شرحناها سابقاً، تُضاف اليها إيرادات كهرباء لبنان، وإيرادات إستثمارية بقرابة 3000 مليار ليرة، وهي ستأتي من خلال عائدات إستثمارية وضعناها في النفقات الإستثمارية في الرسم التوضيحي رقم 5. (رسم توضيحي 4: الإيرادات الإفتراضية للمرحلة الإنتقالية).

هذه الإستثمارات تأتي في الشق الزراعي الجاهز، والذي يحتاج الى حلّ واحد (عام واحد على أكبر تقدير) ليكون منتجاً، بالإضافة إلى الشق الصناعي الذي بات ضرورة ملحة لا خيار أمام الدولة اللبنانية، وجزء من مبلغ الـ6459 مليار ليرة هو كفيل للنهوض بالصناعة اللبنانية، التي أثبتت أنّها تمتلك اليد العاملة التقنية خلال أزمة «الكورونا» وما قبلها، وهي جاهزة لما بعدها.(رسم توضيحي 5: النفقات الإفتراضية للمرحلة الإنتقالية).

أما في النفقات الإفتراضية التي نقترحها، فهي ليست بالإفتراضية، بل هي فقط تتضمن خدمة دين عام للديون الخارجية، وهي خالية من مصروف الكهرباء لتصبح الكهرباء مدخولاً وليس مصروفاً. في المقابل دمجنا المصاريف الأخرى مع الشق الإستثماري، وإعتبرنا أننا أمام موازنة متوازنة، أي النفقات تساوي الإيرادات.

وإذا ما وضعنا قرابة الـ4.3 مليارات دولار للإستثمار وللمصاريف التي أمنّتها الحكومة بالمصاريف الأخرى (بعد التدقيق بها)، سنجد أنفسنا أمام فائض يُستخدم في الإستثمار الصناعي.

في الخلاصة، قد تقوم الحكومة بتحضير خطط إقتصادية متعددة، كما يمكنها أن تعتمد على موجوداتها من الذهب وغيرها من الحلول، لكن لا أحد يستطيع أن يمسّ بأموال المودعين. في المقابل، بهذه الخطة الحقيقية، والتي تعتمد الشفافية الرقمية والعقلية، تستطيع الحكومة أن تخرج بلبنان خلال 3 سنوات نحو الإنتاجية الحقيقية، التي تسمح لها بسداد الديون المترتبة عليه، خلال 10 سنوات إبتداءً من العام 2023.