IMLebanon

عن فضيحة المساعدات الحكومية.. واستعادة الأموال المنهوبة!

كتب عمّار نعمة في “اللواء”:

يشكل الإصلاح الشعار الأهم اليوم بالنسبة الى اللبنانيين، ويأمل كثيرون أن يكون عنوان إستعادة الأموال المنهوبة الذي رفعه أركان في الحكومة المفترضة «تكنوقراطيتها»، خطوة أولى تجاهه، بينما لم تُبشر الفضيحة الحكومية عبر لائحة تنفيعات الأسر الأكثر فقرا الواجب مد يد المساعدة إليها، بتفاؤل على هذا الصعيد قد يخرق ليل الفساد الطويل في البلاد.

مع إعلان وزارة الشؤون الإجتماعية عن برنامجها لتقديم يد العون الى الأسر الأشد فقراً، تفاءل اللبنانيون بحذر بأن لا تشابه هذه الحكومة نظيراتها السابقة. وكان حذرهم في محلّه، وقبل ساعات من تقديم تلك المساعدات أعلنت الحكومة عن تجميد لهذا الأمر. وكان يمكن للمسألة أن تمر مرور الكرام لولا اعتراضات أطلقها سياسيون منافسون لبعض المستفيدين من تلك المساعدات التي كان من المنتظر أن تشمل الأسر المحتاجة حسب لوائح الحكومة، وهي الشريحة التي تحتاج أكثر من أي وقت مضى للمساعدة في ظل ظروف صعبة جدا نتيجة تراكم الأزمات الإقتصادية والإجتماعية والإنسانية التي تُسأل الطبقة السياسية عنها. فكان أن انكشف الأمر عن لائحة تضم الكثير من غير ذوي الحاجة من المهمشين والمنسيين الذين حلّ وباء «كورونا» ليقصم ظهرهم، في الوقت الذي تطلع هؤلاء الى الحكومة على أمل التعويض اليسير لهم من دون أي وهم لإنصافهم.

والواقع أن لوائح الحكومة حددت بعض الفئات المحتاجة والتي يبلغ عديد أفرادها نحو 27 ألفا وهم السائقون العموميون، أهالي الطلاب المسجلين في ​المدارس الرسمية وجرحى الألغام، وذلك عبر مبلغ رمزي لا يتخطى الـ400 ألف ليرة، وفي ظل التراجع المطرد لليرة قد تتعدى هذه القيمة الـ100 دولار بقليل!

يشير متابعون للملف الى أن هذه اللائحة تعود لعامين ماضيين، وقد أشرف عليها رؤساء البلديات والمخاتير، لكن ذلك لا يعفي من فضيحة حصلت بعد اعتراضات عليها دفعت المؤسسة العسكرية الى التدخل وتجميد الأمور وتلقي كرة النار بينما كان على الوزارات المعنية مثل الشؤون الإجتماعية والتربية والنقل وحتى الجيش التدقيق مسبقا بالموضوع.

وقد دفع هذا الأمر الى حالة غضب ممزوج بالألم عند مختلف الفئات حتى تلك غير المعنية بالمساعدات، بسبب تناتش مساعدات من جيبة الفقراء، ونتيجة التنفيعات التي اتسمت بها اللائحة الموضوعة والزبائنية السياسية التي اعتقد كثيرون أن الحكومة الجديدة ستكون بمنأى عنها كونها حكومة شكلت، كما تم الترويج لها، من خارج الطبقة السياسية!

ويسأل البعض: كيف يمكن لحكومة تنتقد السياسيين السابقين أن تحذو حذوهم في الفساد؟ أين هي شعارات الإصلاح والنيّة بمكافحة السرقات؟ لا بل أين هي حكومة الإنتفاضة التي لولاها لما استقر هؤلاء الوزراء على كراسيهم؟!

ما يبعث على الإشمئزاز تضَمُن لائحة المساعدات الأولية أشخاصاً من مرتاحي الدخل ومن الموظفين الرسميين في القطاع العام المتضخم أصلاً وصاحب الفضل الكبير في فراغ ميزانية الدولة وهشاشتها، لا بل تضمنت تلك اللائحة متعاطين للمخدرات وأمواتاً كانوا سيتلقون المعونات المخصصة للفقراء! ويشير متابعون للملف الى أن الأمر لم يخل أيضاً من سمسرات عبر محاولة تحويل المساعدات لقاء حصة فيها وذلك كله يعني نيّة لتفريغ «جيبة» المحتاجين والمسحوقين في المجتمع!

ومع ارتفاع الصرخة إضطر المعنيون الى إيقاف العملية مؤقتا للتدقيق باللائحة بإشراف الجيش اللبناني ورئاسة الحكومة. ويشير متابعون رسميون للملف الى أن الحاجة كانت كبيرة لتفعيل برنامج التكافل الاجتماعي، فتم الامر على عجل وشملته «شوائب»، لكن هاجس مراعاة الشفافية سيراعى هذه المرة لتخطي «الثغرات» السابقة والوصول الى المستفيدين الحقيقيين. على أن هؤلاء يقرون بصعوبة الوصول الى البيانات الدقيقة للمحتاجين، مع التشديد على أن كثيرين على اللائحة الأولى كانوا يستحقون تلك الإعانات في الأصل.

ومهما كان الأمر، يلفت مراقبون لعمل الحكومة الى أن هذه الفضيحة دلّت على أن بعض من فيها لا زال أسيراً لدى السياسيين الذين عملوا لمصالح انتخابية لاستقطاب المناصرين من دون الإلتفات الى حاجة الناس. ويبدو أن الحكومة التي أتت تحت شعار محاكاة الانتفاضة الشعبية لا بل عدّها البعض ترجمة لها، باتت تراكم الأخطاء وأصبح عليها إثبات إستقلاليتها عن السياسيين.

بالنسبة الى المعارضين للحكومة، فالأمر لن يعدو كونه اصطيادا لعثراتها لإطلاق النار عليها، لكن المحك الأهم سيكون تقييم المزاج الشعبي لها. وفي الإنتفاضة هناك من قرر توفير الفرصة للحكومة لكي تعمل، بينما أفسحت بعض الملفات أمام راديكاليي الحراك الشعبي لرفع الصوت والتهديد بالعودة الى الشارع الذي حال وباء «كورونا» دونه.

وبين هؤلاء من يحذّر من تراكم التململ الشعبي في وجه الحكومة قبل تفجره على شكل انتفاضة شعبية متجددة كما حدث مع فعل ضريبة الواتساب التي فاض بها كأس التبرّم الشعبي لتطلق إنتفاضة 17 تشرين الأول. وقد تكون إرهاصات انتفاضة كهذه قد بدأت بالظهور عبر حملات شعبية ضد الحكومة على غروبات الواتساب وستترجم بتحركات ستتخذ أشكالاً متعددة بدءا من مسيرة سيارة ستحاصر قصر العدل صباح اليوم للمناداة بمطالب تجاهلتها السلطة وتتعلق باستقلالية السلطة القضائية وبالسجون.

وفي موازاة تخبط الحكومة وعدم لجوئها سريعاً الى محاسبة المدانين باللائحة الفضائحية للمساعدات وهو ما ينذر ببتر للإصلاح المنشود وعدم النيّة بمكافحة الفساد إنطلاقاً من استعادة الأموال المنهوبة الذي يُخشى أن يذهب أدراج الرياح، يدرس المنتفضون خطواتهم بسريّة تامة وبتأنٍ، والجميع يعلم أن ظروف الإنتفاضة لا زالت قائمة لا بل ستتفاقم مع الوقت في ظل كارثة إقتصادية مقبلة على البلاد ستواكب استشراء «كورونا» وستليه!