كتب عمر البردان في “اللواء”:
يعكس تخبّط حكومة الرئيس حسان دياب في ما يتصل بالخطة الاقتصادية التي تعدها لإخراج لبنان من أزمته، غياب الرؤية السديدة التي بإمكانها أن تشكل خشبة الخلاص، لتجاوز المأزق الاقتصادي الذي يمر به البلد، من دون حصول توافق داخل مجلس الوزراء على آلية واضحة قادرة على محاكاة عوامل الخروج من هذا المأزق الذي ينذر بمضاعفات بالغة الخطورة في المرحلة المقبلة، إذا لم تتوحّد وجهة النظر الحكومية بشأن المخارج التي يجب اعتمادها من أجل التخفيف من حدة الأزمة القائمة. فبعد طَي صفحة «الكابيتال كونترول»، على ما أراد رئيس مجلس النواب نبيه بري، وجدت الحكومة نفسها مجدداً أمام الحائط المسدود، بفعل الحملة الشرسة التي واجهتها، ما دفعها إلى التراجع عن فكرة «الهيركات» التي كانت ستضعها في مواجهة مفتوحة مع الرأي العام، فيما لو أصرت على هذه الخطوة، من دون الأخذ بالاعتبار لعواقبها المتوقعة والتي كانت ستتخطى كل الحدود.
وإذا كانت الحكومة جادة فعلًا في وضع خطة اقتصادية توحي بالثقة، فإنها ستجد نفسها ملزمة باتخاذ إجراءات تقنع اللبنانيين والمجتمع الدولي، وبأنها ستحقق أهدافها ومن شأنها تعزيز الثقة الداخلية والخارجية بالمؤسسات اللبنانية التي فقدت الكثير من مصداقيتها في السنوات الأخيرة، جراء الممارسات السياسية والاقتصادية والمالية التي كانت متبعة. ومن أبرز هذه الإجراءات كما تؤكد لـ«اللواء» أوساط نيابية بارزة، «معالجة ملف الكهرباء الذي يشكل العبء الأكبر على صعيد الدين العام، باعتبار أنه يشكل ثلثه تقريباً، ما يطرح علامات استفهام كبيرة عن أسباب الاستمرار الدوران في الحلقة المفرغة على هذا الصعيد منذ سنوات طويلة، من دون أن تتمكن الحكومات المتعاقبة من إيجاد حل جذري لهذه المعضلة التي هي السبب الأساسي في استمرار العجز المالي، في موازاة تعمد تجاهل تشكيل الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء التي تعتبر أمراً أساسياً لا بد منه لإصلاح القطاع. عدا عن ضرورة التصدي للفساد المستشري في مؤسسات الدولة وأجهزتها، وكذلك وقف الهدر في الجمارك والحد من التهرب الضريبي الذي ازداد بشكل غير مسبوق في السنوات الأخيرة، فيما لم تنفع كل المحاولات في ضبط المعابر غير الشرعية حتى الآن، ما زاد الأزمة تعقيداً أكثر فأكثر».
الحكومة مُلزمة باتخاذ إجراءات تُقنع اللبنانيين والمجتمع الدولي
وتشير مصادر سياسية في معرض تقويمها للأداء الحكومي، إلى أن «القوى السياسية التي تمسك بالزمام في مجلس الوزراء، الرئيس بري و«حزب الله» والعهد، ليست لديها قدرة على ترجمة القرار الذي يمكن أن تتخذه على أرض الواقع، في ظل الثقل الذي تمثله هذه القوى داخل الحكومة، على وقع الأزمة المالية الصعبة التي يمر بها البلد، ما يعني أن هناك غياباً للقرار السياسي بكيفية إيجاد أسس الحل للأزمة المالية. فلغاية اللحظة لا زالت الأمور تراوح في إطار أفكار عامة لا تعكس الإرادة الفعلية للناس لمواجهة الأزمة. ولذلك فإن هذا التخبّط الحكومي القائم، مرده إلى عدم وجود قرار وعدم وجود رؤية ولغياب الوضوح السياسي لمجلس الوزراء. وقد ظهر بوضوح أن الثلاثي الذي يتحكم بالحكومة قد صادر قرارها، بحيث أن الرئيس دياب لا يبدو قادراً على التأثير في القرارات الحكومية التي تواجه برفض واسع من قبل المعارضة والشرائح الشعبية. ما يشير إلى أن لبنان سيدفع فاتورة باهظة الثمن لهذا الإرباك الحكومي، وغياب الرؤية الواضحة إلى كيفية الخروج من النفق، وسط تساؤلات مقلقة عن مدى قدرة الدول المانحة على مساعدة لبنان بعد الخسائر الكارثية التي خلفتها جائحة «كورونا» على صعيد الاقتصاد العالمي».
وقد بدا لافتاً استمرار حملة «الحزب التقدمي الاشتراكي»، ضد الحكومة ورئيسها الذي تعرض لانتقادات قاسية وشخصية من جانب النائب السابق وليد جنبلاط، وهو أمر مرشح للتصاعد في المرحلة المقبلة، في إطار شعور جنبلاط بأنه مستهدف من قبل العهد وحكومته. ولهذا فإنه قرر أن يتخذ القرار في المواجهة، باعتبار أن أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم، من خلال السير في تسجيل موقف اعتراضي، رفضاً للممارسة القائمة، وإن كان رئيس «الاشتراكي» يدرك بحسب المصادر السياسية، أن «المواجهة مع العهد ومن يقف خلفه، ستكون مكلفة إذا سار لوحده على هذا الطريق، وبالتالي فإنه لا بد من وجود معارضة واسعة عابرة للطوائف تأخذ على عاتقها تحمل أعباء هذه المواجهة، تتشكل من مجموعة أحزاب وقوى سياسية، وصولاً إلى تأليف جبهة سياسية قادرة على الدفع باتجاه تقديم البدائل، إذا ما كان هناك توجه لإسقاط الوضع الحالي».
وانطلاقاً مما تقدم، لا ترى المصادر، ورغم ما تواجهه الحكومة من اعتراضات سياسية، من جانب «الاشتراكي» أو «القوات اللبنانية» أو «المستقبل»، فإنه «لا يمكن لأي فريق أن يحقق التغيير الذي يريد، إلا من خلال إيجاد مثل هكذا جبهة تستبق تشكيلها بالاتفاق على مرحلة ما بعد التغيير في حال حصوله. لأنه لا يكفي التوافق على حصول هذا التغيير، ولكن ينبغي أيضاً أن يحصل توافق على الخطوات التي ستلي. ولذلك فإنه ومن خلال المعطيات القائمة، فإن الأمور ليست بهذا الوارد حالياً، وهو ما يدركه جنبلاط بالذات، ولا سيما أن الظروف الراهنة مختلفة عن مرحلة ما بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري، عندما تشكلت قوى الرابع عشر من آذار، وخاضت حينها مواجهة شرسة مع النظام الأمني اللبناني السوري، أسفرت عن انسحاب الجيش السوري من لبنان».