Site icon IMLebanon

من نهب أموال اللبنانيين؟

كتب طوني أبي نجم في “نداء الوطن”:

ثمة من يحاول جاهداً أن يُقنع اللبنانيين بأن المصارف في لبنان هي “الشيطان الأكبر”، وبأنها هي من نهبت أموالهم ومدخراتهم.

فجأة أخذت القوى السياسية، التي حكمت البلد وتربّعت على عرش الحكم في السلطتين التنفيذية والتشريعية منذ “الطائف” وحتى اليوم، ترجُمُ المصارف على أنها “شيطان رجيم” تسبّب بكل كوارث البلد بعد أن اقترف كل الموبقات.

المضحك – المبكي في الاتهامات التي تُساق ضد القطاع المصرفي تتركز على محورين: الأول أنها حققت أرباحاً هائلة في الأعوام الماضية، والثاني أنها استمرت في سياسة إقراض الدولة اللبنانية من أموال المودعين!

فهل باتت تهمة للمصارف، وهي مؤسسات تجارية بأن تسعى إلى تحقيق الأرباح، وخصوصاً أنها تعلن أرباحها وتدفع ضرائبها؟ ولماذا لم تقم الحكومات ومجالس النواب بالعمل على إقرار قوانين ترفع نسبة الضرائب على أرباح المصارف لتتلاءم مع حجم تلك الأرباح؟ من منع القوى التي ترجم المصارف اليوم من رفع نسبة الضرائب على أرباحها؟ أما في موضوع الاستمرار في إقراض الدولة، فهل تخيّل أحد للحظة لو أن المصارف توقفت منذ اعوام عن إقراض الدولة، أي سيناريو كان ليقع، وكيف كان الانهيار الذي نعاني منه اليوم وقع قبل أكثر من 10 أعوام وأكثر وكيف كانت توقفت الدولة، لولا تمويل المصارف، عن دفع رواتب كل القطاع العام بمن فيهم الموظفون والأساتذة والأسلاك العسكرية، ولكانت توقفت عن تأمين الاستشفاء عبر وزارة الصحة لجميع اللبنانيين غير المضمونين؟ وكيف أنه لو انهار القطاع العام لكان سقط حكماً القطاع الخاص وانهار البلد؟! فهل خطيئة المصارف بقيادة من مصرف لبنان أنها راهنت على إعطاء المزيد من الأوكسيجين للاقتصاد اللبناني في انتظار الطبقة السياسية علّها تبدأ الإصلاح؟

ولكن الأهم يبقى في طرح السؤال الأساس: هل فعلاً سرقت المصارف أموال اللبنانيين؟ للإجابة على هذا السؤال لا بد من الإجابة على سلسلة أسئلة مماثلة، كمثل: من سرق أموال الضمان الاجتماعي الذي تدين له الدولة بحوالى ملياري دولار أميركي؟ وماذا عن الأموال التي استثمرها مجلس إدارة الضمان في سندات الخزينة التي تمتنع الدولة عن دفعها؟ أليس هذه أموال المضمونين ومدخراتهم التقاعدية؟

من سرق أموال المستشفيات الخاصة المهددة بالإقفال تباعاً اعتباراً من منتصف أيار المقبل، والبداية مع مستشفى سيدة لبنان؟ المستشفيات الخاصة التي لها في ذمة الدولة ما يفوق الملياري ليرة لبنانية…

من تواطأ على إهدار أكثر من 45 مليار دولار من الخزينة الفارغة في قطاع الكهرباء من دون أي حلّ حتى اليوم؟ ومن ارتكب كل الموبقات في قطاع الاتصالات حيث الاتهامات المتبادلة بالفساد والهدر تشبه الأفلام الخيالية؟

من سرق أموال المتعهدين الذين لهم في ذمة الخزينة مليارات الليرات؟

من يمتنع عن دفع 120 مليون دولار من المستحقات عليه لمصلحة شركة طيران الشرق الأوسط؟ وهل من يملك الجرأة ليحدثنا عن مجموع أرقام ديون الدولة من دون استثناء لجميع مدينيها؟

ونصل إلى السؤال الذي بدأنا منه: من سرق أموال اللبنانيين والمودعين في المصارف؟ هل هي المصارف أم الحكومات المتعاقبة، وبتغطية قانونية من مجالس النواب المتعاقبة، التي بذّرت أموال اللبنانيين لتكديس ثروات المسؤولين وتمويل ماكيناتهم الحزبية والزبائنية، وقررت أخيراً عدم دفع السندات المستحقة عليها للمصارف نتيجة إمعانها في سياسات الاستدانة؟ إذا كانت الحكومات المتعاقبة، بالشراكة والتواطؤ مع المجالس النيابية، لم تقم بأي خطوة إصلاحية منذ مؤتمرات باريس وحتى اليوم، فهل تتحمل المصارف المسؤولية؟ وإذا استمرت سياسات الفساد في الكهرباء والاتصالات والمرفأ وفي التهرب الجمركي والضريبي ما أغرق الخزينة وجعل الحكومات تدمن الاستدانة… فهل تتحمل المصارف المسؤولية؟

إن من أمعن في سرقة أموال اللبنانيين ونهبها طوال الأعوام منذ ما بعد “الطائف” يبحث اليوم عن “كبش محرقة”، لا بل ويسعى للتغطية على سرقاته الموصوفة والمتمادية بطرح بيع أصول الدولة وقطاعاتها وممتلكاتها، عوض المباشرة فوراً بالإصلاحات البنيوية والجذرية المطلوبة!

يبدو أن ثمة ما يمكن نهبه بعد في البلد المفلس حتى مؤسساته…