كتبت مريم سيف الدين في “نداء الوطن”:
في السلم وفي الحرب، في الانتفاضة ومواجهة الوباء، يتقدم متطوعو الصليب الأحمر إلى الصفوف الأمامية لتأدية مهامهم، جاهزين لكل الاحتمالات. وفي زمن “كورونا” كان الصليب الأحمر أول الحاضرين للحد من انتشار الجائحة، وعلى تماس معها. فرفع المتطوعون جهوزيتهم وعملت فرقهم على نقل المصابين والمشتبه بإصابتهم إلى المستشفيات، متحدّين مخاوفهم. ومنهم من دفعت به المسؤولية للتفرغ للعمل التطوعي في ظل توقف أشغالهم، ومنهم من زاد ساعات تطوعه على الرغم من استمراره في عمله. وفي مقابلة مع “نداء الوطن” تحدثت متطوعتان في الصليب الأحمر عن تجربة التطوع في زمن الكورونا هذا.
متطوعون غيّروا نمط حياتهم وواجهوا خوفهم
بعد إقفال المدارس، وتوقف رئيسة مركز الإسعاف والطوارئ للصليب الأحمر اللبناني في الكورة، سعاد أبي اسحق (26 عاماً)، عن عملها كمعلمة مسرح، زادت من ساعات تطوعها، وباتت تقضي معظم وقتها في المركز.
وبعد سبع سنوات من التطوع، لا تنفي أبي اسحق أنهم كمتطوعين واجهوا الخوف عند بداية الأزمة المستجدة في العالم، “بالنهاية نحن بشر، ولدينا أهل نخاف أن ننقل لهم العدوى ويخافون علينا”. وتميز المتطوعة بين الخوف والتردّد، “بالتأكيد لم نواجه التردد في أية مرة، ندرك أن هدفنا مساعدة المريض وأننا وجدنا في الصفوف الأمامية لأنه واجبنا، ودخلنا الصليب الأحمر ونحن على علم برسالتنا الإنسانية”.
وكما هي الحال بالنسبة إلى كل الناس، ازدادت الأمور صعوبة بالنسبة إلى المسعفين، “كبرت مسؤوليتنا، فنحن نواجه أزمة جديدة. تغيرت طريقة تعاطينا مع بعضنا البعض في المركز ومع المريض. وبات علينا إرتداء معدات الوقاية”، تقول أبي اسحق.
كذلك فرض الوباء على المتطوعين أسلوبا جديدا في التعامل مع عائلاتهم في المنزل. تروي المسعفة أنها لدى وصولها إلى منزلها، الذي ما عادت تزوره إلا لساعات قليلة، تسارع إلى دخول غرفتها، وتطلب من أفراد أسرتها أن يحافظوا على مسافة آمنة بينهم وبينها، “عندما تقترب أمي مني أقول لها ابقي بعيدة”.
وأثناء نقل الحالات يواجه المسعفون بين صرخات الألم ونظرات الأمل والخوف مواقف صعبة. تحكي أبي اسحق أن الموقف الأصعب واجهه فريقها لدى نقل أول حالة اشتبه بإصابتها بالفيروس، “توجه الفريق لإسعاف سيدة صغيرة في السن تعاني من ارتفاع في الحرارة وضيق في النفس، كانت تصرخ من شدة الألم، ساد الخوف في منزلها وبدأ أطفالها البكاء والصراخ بأنهم يريدون أمهم، ما سبّب حزناً للمتطوعين”. قلق المسعفة على صحة الناس يدفعها للتعبير عن انزعاجها مما فرضه الوباء عليهم من إجراءت وقائية ضرورية تؤخرهم لبضع دقائق بعد تلقي اتصالات طارئة. “فارتداء ملابس الوقاية يحتاج إلى نحو خمس دقائق إضافية قبل التوجه لنقل الحالات الطارئة”. وتنفي أبي اسحق وجود أي تمييز بين المصابين بالوباء، “فمهما كانت حالة المريض نقدم له واجب الإسعاف والمساعدة والدعم المعنوي من دون تمييز”.
قرارات صعبة في المراكز
في جبيل شهد الوضع تدهوراً، قبل ضبط الأمور، وبعد انتشار الوباء وجدت سالي بكاسيني (32 عاماً) نفسها أمام مسؤولية إضافية، خصوصاً أنها رئيسة مركز الإسعاف والطوارئ للصليب الأحمر اللبناني في المنطقة. فازدادت مدة تواجد بكاسيني في المركز دعماً للمتطوعين. على الرغم من أن عملها كموظفة في شركة تأمين لم يتوقف.
وتؤكد المتطوعة منذ العام 2008، بأنها لم تتردد ولم تخف من خوض المواجهة ضد كورونا، “فعندما تطوعنا في الصليب الأحمر كنا نعلم أننا سنلبي أية مهمة في السلم وفي الحرب، بل وفي الحرب يزداد الاندفاع والحس الإنساني، والرسالة التطوعية هي مساعدة المريض والمحتاج وفي هذا الوقت، فلا يمكننا التراجع.
وعندما شهدت جبيل انتشاراً للوباء، انتشرت حالة من الذعر والخوف في المنطقة، وفق بكاسيني، “وبطبيعة الحال نحن بشر ومن الطبيعي أن يقلق بعض الاشخاص في هذه الفترة، خصوصاُ وأننا نواجه فيروساً مستجداً. فازدادت مسؤوليتنا في التعامل مع المتطوعين خاصة في منازلهم ومع عائلاتهم، واطلعنا على مخاوفهم وعملنا على معالجتها”.
وفي حين تنفي بكاسيني أن تكون كمتطوعة قد واجهت صعوبة في التعامل مع الأزمة، تشير إلى صعوبة واجهتها كمشرفة، إذ اضطرت أحياناً إلى اتخاذ قرارات تصفها بالصعبة. “اضطررنا إلى خفض عدد الأشخاص في المركز، على الرغم من عدم اعتياد المتطوعين على البقاء بمفردهم. ومنعنا الزيارات، وهو قرار مزعج للمتطوعين إذ يمنعهم من التواجد في مراكزهم قبل الدوام. ونقوم بالتعقيم عند التبديل بين فرقة وأخرى”.
وفي وقت ينظر فيه البعض للعاملين على تماس مع المصابين على أنهم عرضة للإصابة ونقل العدوى، لا تشعر بكاسيني بخوف الناس من كونها مسعفة، وتعيد السبب إلى مبادرتها لاتخاذ إجراءت الوقاية والحذر. ومن حظ بكاسيني أنها كبرت في منزل يعمل أفراده في القطاع الطبي، ويملكون وعياً للموضوع.
كذلك لم تتغير نظرة المسعفين للمرضى، وفق يكاسيني، “فلا يجب أن يعامل المريض على أنه منبوذ ولا أن نتجنب لمسه. بل نقوم بأي تدخل طبي لازم، لكننا نتعاطى بحذر، فحتى في الأيام العادية كنا نتعامل مع أشخاص معزولين ويمكن أن ينقلوا عدوى”.
ووفق المتطوعتين يتطلب التحضير قبل نقل مصاب بالكورونا إلى نحو 60 دقيقة، المدة اللازمة لارتداء ملابس للحماية الشخصية المتقدمة (PPE) وهي بدلة بيضاء. وقبل الانطلاق بالمهمة يتصل المتطوعون عبر الفيديو بالإدارة للتأكد من كل الإجراءات. كما يصار إلى خفض التجهيزات الموجودة في سيارة الإسعاف. وعند الوصول إلى مكان المريض يصار إلى إلباسه هو أيضاً البدلة البيضاء.
وعند نقل الحالات الصحية العادية والطارئة نعتمد نوعية ملابس مختلفة هي الثوب الأبيض أو الأزرق (INTERMEDIATE) والنظارات والقناع وفق تعميم منظمة الصحة وذلك لحماية المسعفين، ويحتاج ارتداؤها إلى نحو 5 دقائق.