IMLebanon

جنبلاط ودياب… و”السكوت الحاقد”

كتبت مرلين وهبة في صحيفة “الجمهورية”:

ما سرّ الهجوم الشرس لرئيس حزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط على الرئيس حسان دياب؟ سؤال يطرحه كثيرون اليوم. فجنبلاط ساهم الى حد كبير بولادة حكومة دياب. اذ يتذكّر الجميع، انّه لولا مشاركة كتلة جنبلاط في جلسة الثقة في اللحظة الأخيرة لما اكتمل نصاب الجلسة النيابية. وكأنّ وليد بك كان متوجساً من “النزلة” الى ساحة النجمة، لكنه اراد الإيفاء بوعده لصديقه الرئيس بري فتمّم النصاب.

منح جنبلاط رئيس الحكومة الثقة، بالرغم من انّه لم يتسنّ له التعرف الى شخصية دياب بما فيه الكفاية. لكنه، وفق المقرّبين منه، منح وليد بيك ثقته لدياب مع فرصة ثلاثة اشهر قبل الحكم الاخير. إلّا أنّ “المهلة انتهت”، فطبّق جنبلاط المثل القائل “عند الامتحان يُكرّم المرء او يُهان”، وانتقل الى مرحلة التنفيذ، وهو الموصوف بجرأته، فأهان رئيس الحكومة، واصفاً إيّاه

المقرّبون من جنبلاط وحتى خصومه، يعترفون بأنّ جرأة جنبلاط لا تردعه عن توجيه رسائل مباشرة، فيما لو اراد ذلك. وهو لطالما فعل، والرجل ليس بحاجة الى “اهانة الجارة لتسمع الكنّة”. ولذلك، القول إنّ الهجوم على دياب كان لإيصال رسائل الى الرئيس عون او صهره جبران باسيل، يراه المقرّبون من جنبلاط بأنّه تحليل خاطئ…وإذا لم يكن حقيقة كذلك! لماذا شنّ وليد بك هجوماً عنيفاً وشخصياً على دياب، واصفاً إيّاه بالحقود وصفات أخرى؟ وهل من ملفات شخصية بين الرجلين؟

برأي اوساط مقرّبة من جنبلاط، انّ الأخير يئس من تكرار الهجوم على العهد وصهره، ومن توصيف الحالة العونية او الباسيلية، وهو كان يتأمّل من الحالة الإصلاحية التي توّجت هالة حسان دياب، والتي اعطاها جنبلاط فرصة لم تستحقها، بعدما اتضح علناً انّها مسيّرة، ليتفاجأ حنبلاط بعدم قدرة دياب على الحسم واتخاذ القرارات. وبعدما تبيّن له انّ ردات فعل دياب “الوطنية الوسطية” التي انتعش بها الناس، كانت ظرفية و”بنت ساعتها” ولم تُظهر سوى طباع دياب الشخصية، وليس مقدرته العملية الفعلية، “فغشنا وغش كثيرين” برأي مناصري الزعيم الدرزي، انّ دياب اليوم كشف عن نفسه. إذ لم يعد ينطلي على احد بأنّه مسيّر وليس مخيّراً. ويرى هؤلاء، أنّ جنبلاط دعم الحكومة وقال إنّه سيحاكمها وفق انتاجيتها، وتعاطى معها منذ البدء بإيجابية، ولكن فترة السماح انتهت اليوم بالنسبة لجنبلاط، بعدما كشفت هذه الحكومة عن خطتها الاقتصادية الفاشلة، وأثبتت بأنّها غير قادرة على الإنجاز، ولو كانت كذلك لكانت اقلّه اخذت بخطة “ماكينزي”، بعدما تكبّدت تكلفتها خزينة الدولة، او مثلاً كانت اخذت بالخطة الاقتصادية التي ناقشها الأطراف السياسيون في بعبدا. لكن، الحكومة الحالية فضّلت خطة فرض الضرائب و”الهيركات”.

الوزير السابق مروان حمادة يصف الهجوم على رئيس الحكومة بأنّه هجوم على سياسته وليس على دياب بالشخصي. مؤكّدا أن ليس لجنبلاط اي مشكلة شخصية مع دياب، ولكن سياسة حكومته تنمّ عن حقده الشخصي تجاه كل ما يرمز الى ما لا ينتمي اليه. والكل يعلم الى اي خط ينتمي دياب وارباب هذا الخط، أي الخط السوري وباسيل و”حزب الله”. وذكّر حمادة، انّ جنبلاط اعطى فرصة لدياب ولكن بكل بساطة “الفترة انتهت”، وتمّ تجاوز الخطوط الحمر، إذ ليس هناك من بادرة إصلاح واحدة من طرف حكومة دياب، هذا بالاضافة الى عدم الانفتاح على الخارج، وبالأخص اننا قادمون بعد شهرين على الاسوأ.

واضاف حمادة في حديث لـ”الجمهورية”: “اقنعونا بالسنوات الثلاث الاولى من عهد عون ان لا خير يُرتجى منه لا للبنان ولا للبنانيين، وكذلك اول ثلاثة اشهر من حكومة دياب اقنعتنا انّها ليست حكومة اصلاح ولا تكنوقراط، بل حكومة محاصصة درجة ثانية، تتأثر بمجموعة من المستشارين”، مكرّراً بأنّه ليس هناك خلاف شخصي بين جنبلاط ودياب و”ما بيحرز”، لكن بغطاء “السكوت الحاقد” وليس “السكوت الودّي” ظهر دياب على حقيقته.

ولفت حمادة، الى انّ المبادرات التي قام بها دياب تؤكّد الانقلاب الذي بدأ ناعماً ثم تحوّل شرساً ضد الدستور اللبناني، الطائف وسيادة لبنان. إذ لم يبادر بأي خطوة ايجابية باتجاه العلاقات العربية. وبالرغم من انّ صندوق النقد الدولي خفّض شروطه، فأيضاً دياب لم يقتنص هذه الفرصة، وخصوصاً انّ الطريق اليوم سالكة اكثر بوجود “اوتوستراد كورونا”، اي يمكن لدياب بسهولة الانضمام الى قافلة المستفيدين من هذا الجو، لكن الفيتو الايديولوجي ضدّ كل المؤسسات الدولية منعه من ذلك، كذلك الفيتو الاصلاحي على الكهرباء، والذي كان سابقاً على الاتصالات”.

الأوساط المعارضة لأداء جنبلاط تصفه بالانقلابي والغوغائي، وترى انّ تصريح جنبلاط يدل الى تخوّفه من عملية اقصاء او من اي قرار قد يصدر عن الحكومة اللبنانية، يطالب فيها بفتح الملفات المالية وعمليات التهريب التي ستطال جنبلاط شخصياً وتطال سواه من القيادات السياسية.

وأشارت الاوساط، إلى انّ الدليل على ذلك اتضح عند نزول التيار الوطني الى الشارع للاحتجاج على آداء المصارف، فلم تتصدّ له سوى مجموعة من انصار جنبلاط ،علماً انّ التظاهرة كانت متوجهة نحو مصرف لبنان وليس الى منزل جنبلاط، ولكن رئيس التقدمي كان بالمرصاد، فأراد الردّ بالمكان المناسب او بالأحرى بمكانه المناسب، ليقول ممنوع المسّ برياض سلامة وبمصرف لبنان، لأنّ هذا المكان هو الذي يحميه ويحمي مصالحه.

وتتابع الاوساط نفسها، أنّ جنبلاط اليوم مرتبط بمنظومة الطائف وبأتباعها، هو وآخرون يسيّرونه، وهم ايضاً مرتبطون بهذه المنظومة التي سبّبت بانهيار البلد، في وقت هم مصرّون على خوض معارك المقاعد والتعيينات واستعادة امجادهم في السلطة.

الّا انّ حمادة اصرّ على التعليق على تلك التحليلات، وكذلك على مطالبة الرئيس عون أمس بضرورة تضمين الخطة الاقتصادية استعادة الاموال الموهوبة، متوجّهاً الى الرئيس عون بالقول “فليبدأ بنفسه”. اما بالنسبة لجنبلاط، فذكّر حمادة بأنّ جنبلاط أعلن منذ اسبوعين بنفسه عن حصوله على هبات مالية من الدول العربية للاهتمام بالجبل وبجماعته، ولم يخجل من اعلان ذلك. مضيفاً: “بما انّ رئيس الجمهورية هو المثال، فليبدأ بنفسه بإعادة الاموال المنهوبة من الشعب اللبناني، التي اصبحت في مصارف باريس”. فيما اكّد حمادة انّ عهد ميشال عون انتهى بحسب رأيه مع بدء ثورة 17 تشرين، وانّ “وليد جنبلاط لو لم يساهم في إتمام النصاب لما كان هناك اليوم حكومة حسان دياب، الذي لم يدل أداؤه سوى على ردات فعل موقتة ظرفية فاشلة مناقضة لكل القرارات، والدليل تراجع الحكومة لأكثر من مرة عن مقرراتها في مجمل الملفات”. محذّراً الدولة اللبنانية ودياب من انّها مقبلة على الأسوأ بعد شهرين، ومتسائلاً: “لمَ الانتظار، وماذا يمنع دياب من التحدث فوراً مع صندوق النقد عوض تأليف اللجان وتوجيه الاتهامات، فهل ينتظر الانهيار الكامل”؟