Site icon IMLebanon

رسالة عون محلية وخارجية: دفاع عن الحكومة وإنذار بخطوات تنفيذية

كتبت غادة حلاوي في صحيفة “نداء الوطن”:

مع مرور المئة يوم من عمر الحكومة، اتخذت المواجهة شكلاً حاداً لتقدّم مشهداً سياسياً فيه من التموضعات ما ينبئ بإمكانية الدخول في اشتباك سياسي أخرت مواجهة وباء كورونا ظهوره وتجليه. مئة يوم بلا مساءلة ولا محاسبة، والأجهزة القضائية والرقابية لا تتحمل مسؤولياتها. واقع وجد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أن السكوت عليه لم يعد ممكناً، واضعاً الحكومة وأجهزة الرقابة والجهات القضائية أمام مسؤولياتها.

أما على المستوى السياسي فقد فتح رئيس الجمهورية سجل الحساب من دون مهادنة معلناً بدء مرحلة جديدة في التعاطي. مكتفياً بالتلميح، من دون الخوض بالتسميات، توقف رئيس الجمهورية في مستهل جلسة مجلس الوزراء عند “بعض السياسيين الذين يستهدفون في الإعلام عمل الدولة ومؤسساتها”، ليقول إنهم “أنفسهم من فتك بالدولة على مر السنوات وارتكبوا المخالفات المالية وغير المالية حتى تراكم الدين العام، وهم اليوم يحاسبوننا على ما ارتكبوه هم من ممارسات أوصلتنا الى الوضع الحالي”. هو “تجنّ متصاعد لا يجوز السكوت عليه”، ولذا “لا بد من وضع الحقائق امام الرأي العام بكل تجرّد حتى يكون الشعب هو الحكم”. كلام شكل بمضمونه أكبر عملية دفاع عن الحكومة من قبل رئيس الجمهورية في وجه ما قاله رئيس الحزب “الاشتراكي” وليد جنبلاط، وقبله رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، و”المرتكب الثالث” ولو بوطأة أخفّ هو رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع. هي إذا “اوركسترا او معارضة ثلاثية تتوزع الأدوار في ما بينها لتشنّ هجومها على رئيس الحكومة والحكومة”، وفق توصيف مصادر قصر بعبدا التي قالت إن “رئيس الجمهورية لو أراد أن يسمي لفعل، لكن الجهات المقصودة من كلامه واضحة ولا تحتاج الى تسميات”.

في أبعاده، يحمل ما قاله عون تأكيداً على وجود اصطفافات سياسية قاسية قرّر رئيس الجمهورية أن يدخل على خطها بشكل مباشر، دفاعاً عن الحكومة ورئيسها، خصوصاً وأنه يعتبر ان حكومة دياب جاءت بمثابة اول انتظام حقيقي لعمل المؤسسات ومحاولة وضع عناوين إصلاحية يؤمن بها، وفي محاولة لإسترجاع هيبة الدولة بعد “17 تشرين”. والكلام واضح بمضمونه على انه اصطفاف مقابل الثلاثي الذي لا يهادن في مهاجمة الحكومة اي الرئيس سعد الحريري ورئيس “الاشتراكي” وليد جنبلاط ورئيس “القوات اللبنانية” سمير جعجع، لكن يبقى أن داخل الأكثرية الممثلة في الحكومة نزاع سياسي داخلي لم يسلم من سهام رئيس الجمهورية ورسائله المتشعبة الأبعاد، أي أننا أمام تحديات داخل الحكومة وخارجها، يقف “حزب الله” على ضفاف المنطقة المرنة في ما بينها ليشكل جسر التقارب بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة و”التيار الوطني الحر”، وبين الثنائي الرئيس نبيه بري ورئيس “المردة” سليمان فرنجية.

وفي ما يتعلق بالخطة الاقتصادية شدّد عون على وجوب “ان تأخذ في الاعتبار استرداد الأموال المنهوبة والموهوبة، والأموال المحوّلة الى الخارج ومكافحة الفساد والإثراء غير المشروع على ان يترافق ذلك مع تحريك القضاء”. كرئيس للسلطات بادر رئيس الجمهورية الى توصيف الواقع معتبراً ان على هذه السلطات ان تبادر، كل في مجال عملها، ويشجع عون رئيس الحكومة على فضح الحقائق المالية كما هي، والإعلان على الملأ أين أخطأ حاكم مصرف لبنان وأين تجب المحاسبة.

ليس حديث عون عن المحاسبة والمساءلة مستجداً، وهو الذي يعتبر أن لا الجهات القضائية ولا الرقابية أكملت سيرها في ملفات الفساد. تفتح الملفات ثم تعود فتحفظها من دون مساءلة ولا تحميل المسؤولية لأي جهة. كل الأجهزة المنوطة بالمحاسبة وكشف الفساد والمفسدين حمّلها عون مسؤولياتها.

وطالما أن هذا الكلام صادر عن رئيس الجمهورية في مجلس الوزراء، فهذا يعني أنه يضع السلطة التنفيذية أمام مسؤولياتها لا سيما على مستوى تأمين الآلية التنفيذية لكلامه، ومثل هذا الكلام لا يقال عادة من دون وجود اتفاق مسبق مع رئيس الحكومة حول مثل هذه الآلية.

ويفترض أن يحدث كلامه تحريكاً في اتجاهات عدة على مستوى المحاسبة والرقابة واستعادة الاموال المنهوبة. وعُلم في هذا الاطار ان هناك اتجاهاً للضغط على المصارف لاسترداد الأموال الموهوبة بالهندسات من مصرف لبنان، وضغط قضائي لاسترداد الاموال المهرّبة بعد السابع عشر من تشرين خلافاً للقانون، واسترداد جزء من الاموال المنهوبة ولو كانت خطوة صعبة التحقيق.

ويأتي في سياق الخطوات التنفيذية تكليف مجلس الوزراء لوزيرة العدل تحديد الخطوات التنفيذية السريعة لكشف الفساد ومحاسبة المسؤولين، لا سيما قانون الإثراء غير المشروع وحماية كاشفي الفساد، خصوصاً أن وزيرة العدل كانت ترأست قبل يومين اجتماع فريق العمل المتخصص بمكافحة الفساد بعد توقف قسري فرضته مواجهة أزمة وباء كورونا، والذي يضم قضاةً ومحامين من الوزارة وممثلين عن المجتمع المدني، يتركز عمله على إعداد المشاريع والتدابير الملموسة والسريعة والفعّالة لمواكبة أفكار وعمل الحكومة على صعيد خطتها للإصلاح المالي والاقتصادي.

وإلى ما تقدّم من أسباب داخلية ثمة أسباب خارجية كانت دافعاً لرفع رئيس الجمهورية صوته، وتردّد في هذا الاطار ان رسالة بعثت بها السفيرة الاميركية في لبنان عبر صديق مشترك التقته أخيراً تستفسر خلالها عن بنود الخطة الإصلاحية، وكيف أن لبنان لم يبادر بعد على مستوى الإصلاح فيما عامل الوقت لم يعد في صالحه. وفق الرسالة الاميركية إن مواجهة كورونا لم تعد عذراً مقبولاً للتأخير في بتّ الخطة، والمطلوب خطوات إصلاحية ملموسة وقريبة محذّرة لبنان من المسّ بأموال المودعين. وتوقعت المصادر التي تحدّثت عن الرسالة الأميركية أن تشهد الأيام القليلة المقبلة تطورات بالغة الحساسية وإجراءات على مستوى المصارف، وفي مقدمها المصرف المركزي وحاكمه رياض سلامة من دون إعطاء تفاصيل إضافية.