Site icon IMLebanon

الجسم الطبي على الجبهة الأمامية.. مُعاناة وخوف وألم

أصبح الأطباء والممرضون والعاملون في الرعاية الصحية أبطالاً يحاربون الوباء في الصفوف الأمامية، وقد صفّق لهم سكان العالم. ويتعامل المتخصّصون في مجال الرعاية الصحية في المستشفيات مع تدفّق هائل من المرضى المصابين بفيروس كورونا المستجد، وهم يواجهون نقصاً في المعدات والخوف من الإصابة بالفيروس.

وفي أحيان كثيرة، يواجهون قرارات مفجعة أثناء معالجة المرضى. ولمعرفة ماذا يعني أن تكون في خط المواجهة في المعركة ضد «كورونا»، تحدّث عدد من هؤلاء لوكالة فرانس برس.  في إيطاليا، واحدة من أكثر البلدان المتضررة، توفي العشرات من الأطباء والممرضين بسبب الفيروس، وأصيب الآلاف من العاملين في القطاع، وشدّدت سيلفانا دي فلوريو، وهي منسّقة التمريض في وحدة العناية المركزة المخصصة للمصابين بالفيروس في مستشفى تور فيرغاتا في روما على أهمية وضع الأقنعة الواقية والقفازات وارتداء البدلات الطبية لتجنّب الإصابة بالعدوى.

 حرب بلا أسلحة!

وفي مدينة غواياكيل الساحلية في المحيط الهادئ في الاكوادور، لا تحاول ممرضة مريضة إخفاء غضبها.. فقد أُصيب 80 من زملائها وتوفي خمسة منهم. الاكوادور هي واحدة من أكثر البلدان المتضررة في أميركا الجنوبية، حيث تتمدّد مئات الجثث داخل المنازل بسبب امتلاء المشارح. وقالت الممرضة (55 عاما)، التي لم ترغب في الكشف عن هويتها: «لقد ذهبنا إلى الحرب من دون أسلحة». وأضافت الممرضة، التي تتعافى في المنزل، إذ لا توجد أماكن شاغرة في المستشفيات: «المعدات اللازمة لم تكن جاهزة عندما كان هذا الوباء ينتشر ويدمّر أوروبا». ولفتت إلى أن المرضى الذين عانوا «أعراضاً حادة» كانوا يصلون إلى قسم الطوارئ، «لكن بسبب نقص الاختبارات، عولجوا كما لو كانوا مصابين بالإنفلونزا، ثم أرسلوا إلى منازلهم».

وأشارت إلى أنه «لم تكن لدينا معدات وقاية شخصية، لكننا لم نستطع رفض معالجة المرضى». وفي الولايات المتحدة، اشتكت جودي شيريدان-غونزاليس رئيسة جمعية الممرضات في ولاية نيويورك من نقص معدات الحماية للعاملين الطبيين. وقالت في احتجاج خارج أحد المستشفيات: «ليست لدينا الأسلحة والدروع لحماية أنفسنا من العدو».

وأخبر بيني ماثيو ــــ وهو ممرض (43 عاماً) في نيويورك ــــ أنه أُصيب بالفيروس بعدما قام برعاية أربعة مرضى على الأقل من دون ملابس طبية واقية. وبعد ذلك بقليل، عندما انخفضت حرارته، طلب منه المستشفى أن يعود إلى العمل. وأضاف: «قيل لي ان أضع قناعا وآتي إلى العمل. ليس لدينا ما يكفي من الموظفين؛ لذلك أعتقد أنه كان واجبي أن أعود. لكنني كنت قلقاً من أن أنقل المرض إلى زملائي والمرضى الذين ليسوا مصابين به». كابوس أخذ القرارات اعتاد الأطباء في مستشفى سان لازارو في مانيلا، وهو مركز مخصص للأمراض المعدية، على محاربة أشد الأمراض المعدية، لكنهم لم يروا أي شيء مماثل لفيروس كورونا. وقال الطبيب فيرديناند دي غوزمان (60 عاماً)، ويعتبر من الفئات الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس: «إننا نعيش كابوسا حقيقيا».

ومع وجود عدد محدود من غرف العناية المركزة وأجهزة التنفّس الصناعي، يضطر الأطباء إلى اتخاذ أحكام مروّعة؛ كاختيار المريض الذي سيوضع على جهاز التنفّس. خوف شديد وتضامن ويخشى كثُر من العودة إلى المنزل بعد انتهاء المناوبة، خوفاً على عائلاتهم. ويعترف روجيه إيتوا ــــ وهو طبيب ومدير مركز للرعاية الصحية في دوالا عاصمة الكاميرون ــــ بأن الخوف من الإصابة بالمرض يؤثر أيضا في العاملين بمجال الرعاية الصحية. وقال إيتوا (36 عاماً): «أعيش مع زوجتي وأولادي. عندما أصل في المساء أهرع إلى الاستحمام، ومن الصعب جدّاً أن تمنع الأطفال من القفز عليك».

وكإجراء وقائي، بدأ إيتوا بتناول عقار الكلوروكين الخاص لمعالجة الملاريا. وتابع: «نحن خائفون مثل بقية السكان. نخشى ألا نكون قد ارتدينا أقنعتنا وبدلاتنا بشكل صحيح عندما نتعامل مع مريض تظهر عليه أعراض الفيروس». توماس كيرشنينغ ــــ طبيب ومنسّق للعناية المركزة في مدينة مانهايم الألمانية قرب الحدود مع فرنسا ــــ يشعر، بدوره، ببعض التوتّر عند العودة إلى المنزل لزوجته وابنتيه. وأوضح: «أفعل كل ما بوسعي للتأكد من عدم نقل أي عدوى عندما أعود إلى المنزل». وتابع: «قد لا يقترب بعضنا من بعض مثلما كنا نفعل عادة قبل هذا الوباء. نحن قلقون بعض الشيء، عائلتي قلقة بشأني، وأنا قلق أيضاً على عائلتي». مرضى بمفردهم ممرض في وحدة العناية المركزة في «فال دي هيبرون»، أكبر مستشفى في برشلونة، يصف المهمة اليومية المفجعة المتمثلة في الاتصال بأحد أفراد العائلة لوداع أحبائهم من وراء الزجاج الواقي.

ويقول انه من الصعب رؤية مرضى وحيدين وليست لديهم عائلة معهم. وأضاف «إنهم يودعونهم من الباب، وقد تكون هذه المرة الأخيرة التي سيرى بعضهم بعضاً فيها» بعد حظر إقامة مراسم الجنازة. ساحة معركة مدير كلية سيرابباسا للطب في جامعة إسطنبول، نوري أيدين، قال: إن الجميع يعملون بشكل جنوني، وكأنها حرب! وأضاف خلال زيارة للمستشفى: «الجو هنا ليس مثل مكان عمل عادي، بل كأنه ساحة معركة». وينام كثيرون من العاملين في مجال الرعاية الصحية في الفنادق أو عنابر نوم مخصّصة للطلبة؛ خوفاً من إصابة أسرهم بالفيروس. ولفت أيدين إلى أن «ما يفعلونه هو عمل جبّار»