قبل فترة، كانت احتياجات معظم الدول الواقعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجال الطاقة متواضعة نسبيا. لكن الأمر تغير ولم يعد كما كان عليه في السابق حيث تسببت التنمية الاقتصادية السريعة والنمو السكاني المتزايد في هذه المنطقة الصاعدة بزيادة الاحتياجات للطاقة بصورة كبيرة.
ويحفز بشكل خاص الطلب المتنامي على تكييف الهواء وتحلية المياه، إلى جانب التوسع الصناعي، الاحتياجات المحلية للطاقة.
وحسب تقديرات الشركة العربية للاستثمارات البترولية (أبيكورب) ستحتاج منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لزيادة قدراتها على إنتاج الطاقة بنسبة 7.4% سنويا بشكل متوسط، أي قرابة 138 جيغاواط إجمالا.
ومع تزايد الطلب على الطاقة الكهربائية، تسعى دول المنطقة إلى التخلي عن الاعتماد على الوقود الأحفوري في محاولة للتخفيف من آثار تغير المناخ التي كما يتوقع، سيكون لديها تأثير ملحوظ على البيئة في منطقة تتسم أصلا بمناخ ساخن وجاف.
ويعد نصيب الفرد من انبعاثات الغازات الكربونية في كل من قطر والكويت والإمارات، أحد الأعلى في العالم. وبالتالي، ستحظى مصادر الطاقة منخفضة الكربون بأهمية حيوية، حيث يمكن لمصادر الطاقة المتجددة، خاصة الطاقة الشمسية، أن توفر القدر الأكبر من الكهرباء في المنطقة بفضل توافر أشعة الشمس على مدار السنة. مع ذلك، يشدد بعض خبراء الطاقة على أن تعزيز إمدادات الطاقة وتحسين مستوى الأمان لإنتاج الكهرباء محليا لا يمكن تحقيقه بالاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة وحدها بسبب طابعها المتقطع الخاضع للتقلبات. لذلك، سيكون تنويع قطاع الطاقة مفتاحا للاستقرار الاقتصادي والازدهار في جميع أنحاء المنطقة.
يُنظر إلى التكنولوجيا النووية المتقدمة أكثر فأكثر على أنها بديل قابل للتطبيق للوقود الأحفوري يمكن دمجها ضمن المزيج الوطني للطاقة إلى جانب الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وخلافا لمصادر الطاقة المتجددة التي تتميز بالمستوى المنخفض من القدرة والكثافة، تتوفر لدى الطاقة النووية وسائل تتيح زيادة قدرتها بصورة كبيرة وسريعة دون أن يؤثر ذلك على موثوقية الإمداد. ولكي تنال الطاقة النووية مكانتها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يجب أن توفر الحكومات المحلية الظروف المواتية في السوق التي ستتيح لها الاستفادة من فوائدها. وتتطلب التكنولوجيا النووية تكاليف أولية كبيرة لكن مع مرور الوقت، يمكن أن تصبح استثمارا مربحا إن كان التعامل معها سليما. وقد أظهرت الدراسات أن النفقات العامة المترتبة على الطاقة النووية تنخفض كلما ترتفع حصتها في السوق، فيما تميل تكاليف الطاقة المتجددة إلى الزيادة.
وقالت ليلى بنعلي، عضو اللجنة الملكية الخاصة بالنموذج التنموي في المغرب، وكبيرة الخبراء الاقتصاديين ورئيسة قسم الشؤون الاستراتيجية في الشركة العربية للاستثمارات البترولية، إن “الاعتقاد بأنه يمكن المقارنة بين جميع التكاليف العامة والتشغيلية لهاتين التقنيتين، ليس إلا تبسيط مفرط، خاصة أن مصادر الطاقة المتجددة وكذلك الطاقة النووية قد استفادت بطريقة أو بأخرى في مراحل تطورها الأولى، من الدعم الحكومي الهائل الذي حصلتا عليه، ولهما مراكز مختلفة على “منحنى الجدارة” (من ناحية الفوائد والمزايا).
وأضافت: “خلال السنوات العشر المقبلة، قد يغير انتشار حلول لتخزين الطاقة الكهربائية على نطاق واسع الديناميكية الحالية تماما، خاصة في ظروف انخفاض نمو الطلب”.
لكن في الوقت الراهن، تسعى عدة دول في المنطقة للاستفادة من مزايا التكنولوجيا النووية لتوليد الكهرباء من خلال مشاريع تقدر الاستثمارات المخصصة لها بمئات المليارات من الدولارات. وتأتي تركيا في صدارة تلك الدول، حيث أطلقت مشروع “أكويو” لإنشاء أول محطة كهروذرية وطنية بالتعاون مع شركة “روساتوم” الحكومية الروسية للطاقة النووية. ومن المتوقع الانتهاء من بناء وحدة الطاقة الأولى بالمحطة في العام 2023، وتخطط أنقرة لتركيب عدة مفاعلات أخرى في السنوات القادمة.
في غضون ذلك، تأمل الإمارات التي تعد الدولة الرائدة إقليميا على صعيد إنتاج الطاقة، بتغطية قرابة ربع احتياجاتها من الكهرباء بواسطة محطة طاقة نووية تبنيها حاليا في إمارة أبو ظبي وستتكون من أربعة مفاعلات نووية من نوع APR-1400 تبلغ قدرتها الإجمالية 5600 ميغاواط. ويعمل الأردن على إنشاء محطة للطاقة النووية تضم مفاعلات صغيرة سيتم تبريدها من خلال غاز الهيليوم. ويتوقع أن تكمل البلاد تشييدها بحلول منتصف العقد الثاني من القرن الحالي. وتتطلع السعودية التي تمتلك خمس احتياطيات النفط في العالم، إلى بناء عدد من المفاعلات النووية لتوليد الطاقة. وكذلك أعربت عدة دول أخرى في المنطقة عن رغبتها في إطلاق برامج طاقة نووية خاصة بها.
مع ذلك، يجب أن يتم تمويل مثل هذه المشاريع النووية الطموحة في المنطقة بحكمة. وفي نوفمبر 2015 وقعت روسيا ومصر اتفاقية حول تمويل بناء محطة طاقة نووية وتشغيلها. وبموجب الاتفاقية، ستغطي روسيا 85% من تكاليف المشروع البالغ قيمته 25 مليار دولار عبر قرض مدعوم من الدولة، بينما ستقدم مصر الجزء المتبقي عن طريق الاستثمارات الخاصة.
وقد وصفت مشاركة القطاع الخاص بشكل أنشط في تمويل مشاريع الطاقة النووية كنموذج محتمل للمنطقة، وليس فقط في مجال إنتاج الطاقة. وقالت بنعلي بهذا الصدد: “صحيح أن قطاع الطاقة النووية كان افتقر تاريخيا إلى التمويل الخاص”، موضحة أن “أحد التوجهات الواعدة في المنطقة هو استخدام الطاقة النووية في تحلية المياه، ويمكن أن يجذب هذا المجال اهتماما أكبر من قبل رأس المال الخاص إذا رأينا عدة مشاريع تنمو بنجاح في المنطقة”.
وأكدت بنعلي أن التكنولوجيا النووية تتطلب في نهاية المطاف، ليس التغيرات الاقتصادية فحسب، بل بعض التغييرات المجتمعية أيضا. وقالت: “نظرا إلى النسبة الكبيرة من الشباب في التركيبة السكانية للعديد من بلدان المنطقة حيث يمثلون أكثر من 70%، يجب الإدلاء بالقدر الأكبر من الاهتمام للقطاعات التي تستند إلى الأبحاث العلمية التكنولوجية والتطبيقية التطويرية”. وأضافت: “من المهم أيضا أن تدعم السلطات الدورة الكاملة للبرنامج النووي بما في ذلك البحوث التكنولوجية المصاحبة المتعلقة بالطاقة النووية والتي تشمل الطب النووي ومشاريع تحلية المياه”.
ومن الواضح أنه إذا كانت دول المنطقة راغبة في المضي قدما على الطريق النووي السلمي فعليها أن تكون جاهزة لضمان استخدام تكنولوجيا الطاقة الذرية على نحو آمن وموثوق.
وقالت بنعلي مشددة: “إن استعداد دول المنطقة للالتزام بمتطلبات الأمان الرئيسة بشأن التخصيب ومعالجة الوقود النووي، يعد عامل حاسما للتعاون في المجال النووي، إن أرادت فعلا دمج الطاقة النووية ضمن مزيج الطاقة الوطني”.
(مترجم من موقع ساستاينبيليتي تايمز)