أنطون الفتى – “أخبار اليوم”
إذا أخذنا في الاعتبار كلّ ما يحصل في الآونة الأخيرة، نجد أمامنا أن التحدّيات القادمة أمام الحكومة اللبنانية كبيرة جدّاً، ولا تنحصر بما يحصل على المستوى الداخلي فقط.
من المتاعب التي تنتظرها، والتي لا يُمكن وضعها جانباً أبداً، هي تلك الإقليمية. فوزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف التقى الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق اليوم، على وقع تسارُع كبير في الأحداث، بين استفزازات إيرانية بحرية للولايات المتحدة الأميركية في مياه الخليج، وأنشطة إسرائيلية عدوانيّة على الحدود، وفي الأجواء اللبنانية.
ضرب الإتّفاق…
بعض المعلومات تشير الى رغبة إيرانية متصاعدة في الآونة الأخيرة، بتغيير الـ “ستاتيكو” المرتبط باتّفاق وقف النار في إدلب الذي حصل بين روسيا وتركيا، عشيّة انشغال العالم بحَجْر فيروس “كورونا”، ومحاولة ضربه (الإتفاق) ميدانياً، انطلاقاً من أنه لم يمنح طهران مكاسب، خصوصاً أنه انحصر بين الطرفَيْن الروسي والتركي. وهذه الرّغبة الإيرانية تأتي على وقع استغلال لانشغال أنقرة بتفشّي فيروس “كورونا”، وبتعاطي الإدارة التركية مع هذا الأمر.
فضلاً عن أن بعض التقارير أشارت الى توتّرات أمنية تحصل في ريف إدلب الشمالي الغربي، في شكل يهدّد بصدام عسكري في مناطق إدلب ومحيطها، كلّه.
ما يهمّنا لبنانياً، هو الى أي مدى يُمكن لإعادة تحريك الملف السوري ميدانياً، إذا حصل بعد زيارة ظريف، أن ينعكس على لبنان، من خلال دَفْع إيراني معيّن لـ “حزب الله”، عندما تنضج الحاجة الى ذلك؟ والى أي مدى يُمكن لتلك الأمور أن تُفاقِم الأزمة “الكورونية” لدينا أيضاً؟ وهل ان التحرّكات الإسرائيلية التي تحصل على الحدود الجنوبية، وفي الأجواء اللبنانية، تعني أن شيئاً معيّناً يُحضَّر، ويُمكن معرفة حقيقته في الفترة القادمة؟
بيد الروس
لفت مدير “المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات”، العميد الركن خالد حماده، الى أن “زيارة ظريف تأتي على وقع متغيّرات كثيرة حصلت على الساحة السورية، خلال الفترة الماضية، أبرزها إتّفاق وقف إطلاق النار بين موسكو وأنقرة دون أن تكون طهران طرفاً فيه، وهو ما استفزّها. ولكن الجواب على ذلك، ليس لدى (الرئيس السوري) بشار الأسد، بل بيد الروس. فإذا أرادت موسكو إقصاء طهران، فلا يمكن لدمشق إعادتها الى الميدان السوري”.
وأشار في حديث الى وكالة “أخبار اليوم” الى أن “الجيش السوري حاول أن يعبث بمعادلة وقف إطلاق النار في وقت سابق، عبر الإيرانيين، تحت عنوان أنه لا تزال هناك فصائل متطرفة ناشطة. فكانت زيارة لوزير الدفاع الروسي (سيرغي شويغو) الذي اجتمع بالأسد على انفراد، مؤكداً له أن العبث بالإتّفاق ممنوع. فتركيا تشكّل ميدان شراكة لروسيا، أهم من النظام السوري ومن إيران، ولا سيّما على مستويات مشاريع الغاز، والملفات الإقتصادية”.
ورأى أن “زيارة ظريف قد تسعى أيضاً الى ترميم وضع الأسد من جهة، ووضع إيران في سوريا من جهة أخرى، بعد التقارير التي نشرتها “وكالة الأنباء الفيدرالية” الروسية منذ أيام، والتي اتّهمت فيها النظام السوري بالضعف والفساد. كما عبّرت “الوكالة” الروسية عن أن مساعدات موسكو لسوريا تذهب هدراً”.
تدفُّق البضائع
واعتبر حماده أن “الإيرانيين قد يحاولون حالياً إعادة ترسيم علاقاتهم مع النظام السوري. ولكن لا يمكن لدمشق وطهران أن تحيدا عن الخط الصّارم الذي ترسمه موسكو، والذي يقوم على أن روسيا لا تقبل شراكات معها في سوريا، إلا بالحدود التي تريدها”.
وردّاً على سؤال حول انعكاسات كلّ ما يُمكنه أن يحصل هناك، على لبنان، سواء على مستوى ارتفاع منسوب حركة التدفّق “الأمني” عبر الحدود اللبنانية – السورية، أو على مستوى تعقيد خرائط استيراد فيروس “كورونا”، لا سيّما أن البيانات السورية غير شفّافة في هذا الملف، أجاب:”الشقّ العسكري يتجاوز دور الحكومة اللّبنانية في التعاطي مع الملف الحدودي”.
وأوضح:”نحن أمام حكومة لا علاقة لها بما يجري على الصُّعُد الأمنية الإقليمية. وما سيُطلَب منها هو أن تضبط الحدود لجهة التهرّب الجمركي، فضلاً عن أن الحركة التجارية، وعمليات تدفُّق البضائع والسّلع بين لبنان وسوريا، هي التي ستحتلّ الحيّز الأكبر والأهمّ من الإهتمام الدولي مستقبلاً، أكثر من المقاربة العسكرية أو الأمنية لهذا الملف”.
“قانون قيصر”
وشرح حماده: “يتوجّب النظر الى الحدود اللبنانية – السورية، في المرحلة القادمة، من خلال “قانون قيصر” الذي يضع قيوداً على كل الدول والجهات التي تتعامل مع النظام السوري، والذي يفرض عقوبات على أي نشاط قد يُطيل عُمْر النظام في سوريا، أو يقدم له مساعدات”.
وأضاف: “في هذا الإطار، ستُصبح الدولة اللبنانية جزءاً من منظومة الدول التي تقدّم خدمات للنظام. وسيزداد الحصار الدولي علينا، وقد تُفرَض في تلك الحالة عقوبات على مطار “رفيق الحريري الدولي”، وعلى مرفأ بيروت، بسبب انفلات الحدود اللبنانية – السورية”.
وتابع: “تطبيق “قانون قيصر” على لبنان، سيمنعه من شراء الكهرباء من سوريا تحت طائلة فرض عقوبات معينة، لأن تلك العملية تشكل مورداً إقتصادياً للنظام السوري”.
وقال: “أما بالنّسبة الى خطر استجلاب “كورونا” الى لبنان أكثر، فمن يعرف كيف تتمّ معالجة جمهور “حزب الله” أصلاً؟ ومن يُمكنه معرفة ترتيبات “الحزب” في هذا الإطار، والتي لا تعرفها الدولة اللبنانية نفسها؟”.
القوات الدولية
وحول الخروق الإسرائيلية المتكرّرة، وإمكانية أن تكون تحضيراً لعمل عسكري مرتقب، رأى حماده أن “تلك الخروق لا تتجاوز العمليات الإستطلاعية، وهي لن تتطوّر الى أي اشتباك، وذلك بحسب المعطيات التي تنسجم مع واقع أن الأهداف الإسرائيلية يتمّ ضربها خارج الحدود اللبنانية، فضلاً عن أن المعادلة الموجودة بين “حزب الله” وإسرائيل لم تتغيّر حتى الساعة”.
وختم:”بعد أشهر، سنكون أمام استحقاق التجديد لقوات الأمم المتّحدة الموقّتة جنوباً. فإذا أرادت الإدارة الأميركية إدخال هذه الورقة ضمن منظومة أوراق الضغط، عندها ستقف الحكومة اللبنانية أمام مسألة جديدة، قوامها رغبة أميركية بتخفيف عدد هذه القوات، أو تغيير مهامها، أو ربما إلغاء مهامها بالكامل، بحجة أن لا قيمة لعملها الذي يُنفق الكثير من الأموال بلا قيمة فعلية، ولا سيما أن كل الميزانيات الدولية تتقلّص في مرحلة ما بعد أزمة “كورونا”.