كتب يوسف دياب في صحيفة الشرق الأوسط:
لا يزال مرسوم التشكيلات القضائية في لبنان عالقاً لدى المرجعيات السياسية، وينتظر توقيعها عليه ليبصر النور بعد أكثر من شهر ونصف الشهر على إنجازه من قبل مجلس القضاء الأعلى وإحالته إلى وزيرة العدل ماري كلود نجم، ويبدو أن هذه التشكيلات باتت أمام معضلتين، الأولى تحفّظ قوى سياسية عليها «لعدم مراعاتها مصالحها»، والثانية تسجيل وزيرة العدل سابقة في تاريخ التشكيلات منذ العام 1993 حتى الآن، عبر تحويل المرسوم إلى مرسومين: الأول يتعلّق بالقضاة العدليين في المحاكم الجزائية والمدنية، والثاني بالقضاة المنتدبين إلى المحكمة العسكرية، وذلك لاعتبارات سياسية، أهمها، أن التشكيلات «لم تراع مطالب الفريق السياسي الذي تتبع له وزيرة العدل، لتصل إلى مرحلة التعطيل المتعمّد»، على حدّ تعبير مصادر قضائية معنية بالملف، والتلويح بـ«عدم السكوت على هذا الأسلوب في التعاطي مع مسيرة الإصلاح داخل السلطة القضائية»، في وقت نفت فيه مصادر في وزارة العدل عرقلة التشكيلات لأسباب سياسية، وأكدت أنها «ستصدر في القوت المناسب، وبما يراعي مصلحة القضاء».
وأمام التعقيدات التي تفاقم أزمة التشكيلات، يلتئم مجلس القضاء الأعلى في جلسة طارئة، اليوم الثلاثاء، لبحث هذه التطوّرات واتخاذ القرار المناسب. وأشار مصدر قضائي لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن مجلس القضاء «غير مقتنع بكل الأعذار التي تبرر تعطيل التشكيلات». ولفت إلى أنه «يرفض مبدأ فصل التشكيلات إلى مسارين، لأن ذلك يؤسس لأعراف جديدة غير مألوفة تفتح الباب واسعاً أمام التدخلات السياسية في عمل القضاء، بما يؤدي إلى نسف كلّ محاولات الدفع باتجاه استقلالية السلطة القضائية».
وكانت وزيرة العدل أعلنت الأسبوع الماضي أنها وقّعت مرسوم التشكيلات الخاص بالقضاء العدلي، وأحالته على وزير المال غازي وزني الذي وقّعه وأحاله على رئيس الحكومة حسان دياب الذي وقعه بدوره، في حين أحالت نجم المرسوم المتعلّق بقضاة المحكمة العسكرية على وزيرة الدفاع زينة عكر لدراسته وإبداء ملاحظاتها عليه. وأفادت مصادر مواكبة للملف بأن «مرسوم القضاء العدلي لم يصل إلى قصر بعبدا، وبالتالي لم يطلع عليه رئيس الجمهورية ميشال عون لاتخاذ القرار المناسب بشأنه».
وتتعدد الأسباب التي تعطّل التشكيلات القضائية، لكنها كلّها تتقاطع عن مصالح القوى السياسية، وبرأي المصدر القضائي، فإن «معضلة التشكيلات القضائية أنها المرّة الأولى التي تحصل من دون تدخل المرجعيات السياسية، خصوصاً وأن رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، أعلن منذ اليوم الأول لوصوله إلى هذا المنصب، أنه لن يسمح للسياسة بالتلاعب بالقضاء، كما نصح القضاة بعدم مراجعة السياسيين لنيل هذا المنصب أو ذاك»، لافتاً إلى أن «صيغة التشكيلات جاءت ثمرة ثلاثة أشهر من النقاش، ودراسة ملفّ كل قاضٍ على حدة، وبتوافق كامل بين القاضي سهيل عبود والنائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، وكلّ أعضاء مجلس القضاء الأعلى».
وعلى الجانب الآخر، أوضحت مصادر في وزارة العدل لـ «الشرق الأوسط»، أن الوزيرة «لم تخالف القانون في موضوع فصل تشكيلات القضاة العدليين عن القضاة المنتدبين إلى المحكمة العسكرية». ولفتت إلى أنها «طبقت نصّ المادة 13 من قانون القضاء العسكري التي تنص على أنه (يعيّن القضاة العدليون في المحكمة العسكرية بناء على اقتراح وزير الدفاع)، وهذه المرّة الأولى التي يطبّق فيها مضمون هذه المادة 13 ويكون هناك نقاش حولها، وبالتالي فإن وزيرة العدل التزمت تطبيق القانون وليس الاعتبارات السياسية».
إلى ذلك، أكد مرجع قانوني لـ«الشرق الأوسط»، أن «التشكيلات القضائية ستصدر خلال أيام أو الأسابيع، ولا أحد يرغب بتطييرها أو يتحمّل عواقب تطييرها، لكنها تنتظر الإخراج اللائق الذي يثبّت يكرّس دور مجلس القضاء الأعلى فيها، ولا يكسر موقف وزيرة العدل». وشدد على أن «لبنان بلد التسويات في كلّ شيء، ولا يمكن أن تصدر تشكيلات يَظهرُ فيها فريق مهزوم (رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه)، وأن يظهر فريق إصلاحي جرت مكافأته، وآخر فاسد جرت محاسبته». وإذ نوّه المرجع القانوني بأن هذه التشكيلات «هي الأفضل بتاريخ القضاء، لأنها راعت إلى حدّ كبير معيار الرجل المناسب في المكان المناسب». اعتبر أن «المشكلة تكمن في أنها أجريت خلف أبواب مغلقة وعصية على الاختراق، واستندت إلى مبدأ الثواب والعقاب، في حين أن التشكيلات السابقة كانت تأتي معلبّة بحيث إن كلّ مرجعية سياسية تزكي القضاة المحسوبين عليها للمناصب المهمة، ويترك لمجلس القضاء الأعلى بعض التفاصيل».