Site icon IMLebanon

السنيورة: ما زلنا قادرين على قول “لا” في وجه تصفية لبنان

كتبت رلى موفّق في صحيفة “اللواء”:

رغم أن الرئيس فؤاد السنيورة يُدرك إدراكاً تاماً أن ليس من شيء إلاّ و«يُقرَّش» بالسياسة، فإنه يُصرّ على مقاربة زيارة رئيس الحكومة حسان دياب التي كانت مقررة إلى صيدا السبت الماضي، من زاوية الفرصة التي لاحت في الأفق لتشغيل المستشفى التركي التخصصي للحروق والصدمات في المدينة، من دون الالتفات إلى الكلفة السياسية لذلك.

المستشفى الذي قدّمه الأتراك هبة للدولة اللبنانية عام 2006، وافتتحه رجب طيب أردوغان عام 2010، لم يتم تشغليه مطلقاً حتى اليوم. تسأل عن السبب وما إذا كان سياسياً؟ فتسمع رواية أن الأرض ملك البلدية والبناء بتجهيزاته ملك الدولة ممثلة بوزارة الصحة، وقد آل الخلاف بين الجانبين على الجهة التي ستدير المستشفى والمصاريف التشغيلية، غير البعيد عن الحسابات السياسية، إلى بقاء المستشفى متوقفاً عن العمل.

مع أزمة كورونا، وجد السنيورة أن ثمة فرصة قد لا تتكرّر ثانية. فتحت ظلال الاستعدادات لمجابهة «فيروس كورونا» يمكن تمرير تشغيل المستشفى من خلال قرض مُيسّر من البنك الدولي حُوِّل للتعامل مع الجائحة. تواصل السنيورة مع دياب عبر مستشار الأخير محمد علم الدين، فكان له ما أراد من رصد بضعة ملايين من الدولارات (7.5 مليارات ليرة لبنانية) مقابل حلّ إشكالية إمرة التشغيل التي ذهبت لوزارة الصحة لعشر سنوات عبر اتفاق شفهي. في الأساس، لا قطيعة بين الرجلين، وإن كان رئيس الحكومة الأسبق معترضاً على ما أُحيط بعملية تسمية الرئيس الحالي وتأليف حكومته. فمن منظار السنيورة، دياب هو في نهاية الأمر رئيس حكومة، وهو يلبس لبوس المعارض حين يتم التواصل بينهما.

«هيدا الغطى مش لهيدي الطنجرة» فالحكومة والعهد غير قادرين على استنهاض البلد
غابت حقيقة عن بال الرجل، أو تعمّد تغييبها، وهي أن كل خطوة تُحتسب أولاً وأخيراً في السياسة. كان مقرراً أن يزور وزير الصحة حسن حمد المحسوب على «حزب الله» المستشفى، قبل أسبوع، ويُعلن عن استلام المستشفى ورصد المبلغ لإعادة صيانتها وتشغيلها، ولكن دخل رئيس الحكومة أو أُدخل على خط أن يقطف هو ثمار الحدث الصيداوي. فبين رئيس الحكومة وممثل «حزب الله» في مدينة السنّة، عاصمة الجنوب، فليكن دياب. ولكن أيضاً سقط السنيورة في خطأ تجاهل الحسابات السياسية الأكبر. يروي أنه عشية السبت، تمّ فجأة إدراج شرطين لإتمام الزيارة: الأول شرط تقني وهو أن يُوقع رئيس بلدية صيدا محمد السعودي اتفاقية مع الدولة (وزارة الصحة) في شأن أرض المستشفى لمدة 50 عاماً. أما الشرط الثاني، فهو عدم الاكتفاء بوجود وزير الصحة، بل وجوب دعوة ممثلين عن «أمل» و«حزب الله» والشيخ ماهر حمود (حليف الحزب) لحضور المناسبة، رغم أن دعوات لأي من القيادات السياسية الأخرى في المدينة لم تُوجَّه.

نقل علم الدين إلى السنيورة ما استجد من شروط. فكان جوابه، أنه لن يُرافق دياب. وكان موقف السعودي أنه لا يستطيع أن يوقع هكذا اتفاقية من دون العودة إلى المجلس البلدي. فهم السنيورة أن الهدف تطويع صيدا، فرفض. لكن هذه المحاولة – المغامرة جاءت كلفتها عالية عليه. بعناده لا يُقرّ بذلك. يعتبر أنه بعد سنوات، حين يمرّ الناس ويرون أن المستشفى المتخصص لا يزال متوقفاً، سيلعنون من كان السبب في إيقافه، ويدركون أنه كان يسعى لإخراجه من براثن التعطيل وصراع الديوك من أجل مصلحة أبناء صيدا والجوار، لا بل الجنوب برمته.

غريب مسار هذه الشرذمة الحاصلة في قلب صيدا، بين أهل البيت الواحد. مَن كان يظن أن العلاقة ستهتز بين السنيورة، الذي خرج إلى السياسة من رحم مشروع رفيق الحريري، وبين «أخت الشهيد» الساكن في وجدان مدينته؟ أهي مفاعيل الخطأ الكبير في التسوية الرئاسية وصوابية موقف السنيورة منها أم أنها حسابات أضيق على الضفتين؟! سؤال يستدعي أن يُطرح، في وقت أن المطلوب رصّ الصفوف بين القوى التي ترى أن هناك خطراً محدقاً يدق باب النظام الاقتصادي في لبنان ومن بعده السياسي.

هذا الخطر يُعبّر عنه السنيورة بقوة. يقول: «إن المقاربة الجارية في التعامل مع المأزق المالي – النقدي على أن البلد هو شركة يمكن تصفيتها، هي مقاربة خاطئة لن تؤدي إلاّ إلى مزيد من الهلاك، ونكون أجهزنا على الاقتصاد اللبناني ووضعنا لبنان مرّة جديدة في قلب مخططات تصفيته وإحداث تغيير بنيوي في نظامه. الكلام الجاري اليوم عن توزيع الخسائر وتحميل المودعين قسماً منها هو ضد الدستور والقانون والعدالة، وهدفه تحوير الانتباه عن المشكلات الأساسية التي يعاني منها لبنان وعمّن يمسك السلطة في البلد».

برأي السنيورة أن المسؤولية في ما وصلنا إليه من عجز وديون وخسائر لا تقع على عاتق جهة واحدة بل يتشارك فيها كثيرون. فالحكومات المتعاقبة ومجلس النواب وعرقلة إقرار الموازنات، ومصرف لبنان والمصارف كلها مجتمعة تتحمّل المسؤولية، إضافة إلى تأثيرات الحروب الإسرائيلية وتمديد الفترات الرئاسية وتعطيل البلد والتجاذبات الداخلية. لا أحد يتوهم أن هناك حلولاً سحرية، وأننا سنصحو على عجيبة. الحلول ستكون مُوجعة والدرب سيكون صعباً، إنما ليس منطلقها نظرية تقاسم الخسائر وكأننا في شركة، بل التفتيش عن السبل الناجعة لإعادة استنهاض البلد، واسترجاع قدرة الدولة، عبر التزام بقواعد الدستور و«الطائف» لجهة احترام التوازن الداخلي، وإعادة الثقة باقتصاده واسترجاع ثقة العرب والخارج به بعودة لبنان إلى الشرعيتين العربية والدولية.

في المحصلة والخلاصة: «هيدا الغطى مش لهيدي الطنجرة». ويقصد الحكومة والعهد. هؤلاء الناس غير قادرين على المعالجة. في لبّ موقفه أن ساعة الحقيقة قد دقت: إما أن ننحني ونوافق ونمشي ونقبل أن يُوضع السيف على رقابنا وإما أن نقول لا، لربما يأتي أحد ويزيحه عنا. ولكن لا بد من رؤية وإرادة وتصميم. الآن ما زال بإمكاننا أن نقول لا للاختلال الكبير في التوازنات الداخلية التي انعكست على البلد، غير أنه إذا استمررنا في المسار ذاته، فنحن ذاهبون إلى تصفية البلد وتغيير نظامه الاقتصادي والسياسي وتسليمه بالكامل لـ «حزب الله» وإيران وحلف الأقليات.