كتب ايلي الصائغ في صحيفة “الجمهورية”:
منذ فترة والقطاع التعليمي في لبنان يواجه بعض التحديّات، فالتلامذة محجورون في المنازل وغير معروف مصير العام الدراسي. والاساتذة منهم مَن ساهم بالتعليم عن بعد ومن بينهم من لم يتمكن، ومنهم من تقاضى قسماً من راتبه ويطالب بالقسم الباقي. ونقابة المعلمين تطالب بكامل الاقساط وتدعو المدارس الى الاستدانة من المصارف لدفعها.
والمدارس لم تتمكن من تسديد رواتب الاساتذة والمستحقات عليها وتجد نفسها عاجزة عن الاستمرار. ووزارة التربية لم تتخذ أي قرار بعد، وتعاونية موظفي الدولة تحاول تغيير تعاملها السابق مع المستحقين وفُرَص إيجاد مصادر تمويل شبه معدومة. وفي النهاية الدولة متأخرة عن تسديد مساهمات المدارس شبه المجانية.
كل طرف من هؤلاء الاطراف يرمي المسؤولية على الآخر، ولا يرضى تنازلاً عن جزء من حقوقه لإيجاد مخرج لهذه الازمة.
واقتناع الفرقاء الأربعة بأنّ مركب التعليم سيغرق بهم جميعاً فيما لو تمسّك كلّ منهم بمطالبه، في هذا الزمن غير العادي هو بداية الحلّ. أمّا تمسّك كلّ منهم بمطالبه لعلّه ينجو بتحقيقها منفرداً فلا طائل منه طالما أنّ هذا الأمر لن يتحقّق له بحسب المعطيات المتوفرة.
بداية المشكلة
كما انّ نظرة قانونية على الموضوع يمكن ان تساعد في تَقبّل فكرة التنازل عن جزء من المطالب لأجل إيجاد الحلول المناسبة للجميع.
انّ اطراف الجسم التربوي تعاني معضلة خطيرة تهدّد كيانه وديمومته والجميع متضرر وكلّ منهم يتحمل وزر مشاكل مادية وضائقة اقتصادية لم يكن له دور في ظهورها او تفاقمها:
فمن اللحظة التي بدأ فيها أولياء التلامذة يتقاضون نصف راتب او انهم أضحوا بدون عمل وقد تمّ صرف قسم كبير منهم نتيجة إقفال المؤسسات التي كانوا يعملون فيها وباتوا غير قادرين على تسديد الاقساط المدرسية بالكامل، بدأت المشكلة تتفاقم.
المعلمون
على المعلمين أن يدركوا أنّ الحفاظ على مدارسهم يصبّ في مصلحتهم أولاً، ومن باب ثان يحفظ لهم مستقبلهم ومستقبل اولادهم، وانهم من بين شرائح هذا المجتمع التي تحمّلت جميع فئاته وزر هذا الوباء وهذه الضائقة الاقتصادية بشكل او بآخر، فلا يعقل ان يكونوا غرباء عن هذا الأمر وتلك التضحية المؤقتة والمحصورة ويمتنعوا عن المشاركة في تحمّل تلك الاعباء ولو بجزء ضئيل منها.
كما انّ اللجوء الى المحاكم ليس بالامر اليسير، ولا يضمن بحسب واقع الحال علاقة حسنة مستقبلاً مع المدرسة.
لجان الأهل
وعلى لجان الأهل أن تتروّى في إطلاق مزايداتها لجهة دعوة اولياء التلامذة، ليس فقط للامتناع عن دفع القسط الثالث بكامله وإنما ايضاً عن حسم جزء من القسط الثاني او عدم دفعه بالكامل، لأنّ استمرار المدرسة ودفع رواتب الاساتذة مسؤولية الأهل أيضاً، إضافة إلى أنّ الوضع القانوني في مثل هذه الحالة ليس الى جانبهم خلافاً لما تمّ تداوله في بعض الدراسات والاستشارات التي اعتبرت انّ عنصر القوة القاهرة يلغي العقد القائم بين اولياء التلامذة والمدرسة، وبالتالي بحسب تلك الدراسات يصبح اولياء التلامذة في حِلّ من التزاماتهم… الامر الذي لا يصحّ قانوناً مطلقاً.
الدولة
وعلى الدولة أن تَعي أنّ إغفال تسديد مساهمتها الى المدارس شبه المجانية وتحديد مساهمة نقدية عاجلة للمدارس الخاصة عن كل تلميذ من شأنه ان يُفاقم الازمة ويجعل من الصعب ايجاد حلول لها من قبل باقي الاطراف منفردين.
كما على تعاونية موظفي الدولة تسديد المنح عن الموظفين من دون أي استثناءات، فلا تخالف طريقة التعامل السابقة المستمرة منذ عشرات السنين. وعلى وزارة المالية تسديد منح العسكريين مباشرة الى المدارس اختصاراً للوقت ومنعاً للمساومة على أي حسومات.
إدارات المدارس
وعلى المدارس ان تعترف بأنّ الواقع الحالي يفرض اعادة النظر بموازناتها والإقدام طوعاً ورضائياً وبكلّ ارادة حسنة بحسب رسالتها وتوجيهات البطريرك مار بشاره بطرس الراعي، وذلك لإجراء حسومات فعلية ومريحة للأهل.
انّ المساعدة المطلوبة من قبلنا لوصول كل هذه الاطراف الى هذه القناعات يفرض علينا البحث ببعض المسائل القانونية التي تجعل موافقة كل طرف من هذه الاطراف يقرّ بمشروعية توزيع الخسائر، او الاقرار بأنّ التضامن في تحمّل بعض الاعباء يمنع غرق المركب ويبقى جميع الفرقاء سالمين.
القوة القاهرة
سارعَ العديد من مُعلني الرأي بأنّ أحكام القوة القاهرة تنطبق على مثل حال المدارس، وبالتالي فإنّ اولياء التلامذة اصبحوا في حِلّ من التزاماتهم نتيجة مفاعيل القوة القاهرة، وبالتالي أطلقوا الدعوات – بدون وجه حق- لعدم دفع الاقساط المدرسية… الامر الذي لا يصح قانوناً. فأحكام القوة القاهرة (force majeur) بحسب ما أوردتها المادة ٢٥٤ موجبات وعقود تُبقي المتعاقد مسؤولاً عن عدم تنفيذ الموجب الا اذا اثبت انّ التنفيذ اصبح مستحيلاً في الاحوال المبينة في المادة ٣٤١ موجبات وعقود لأنه فقط في هذه الحالة تُبرّأ ذمته لاستحالة التنفيذ.
انّ نص المادة ٣٤١ موجبات وعقود قد قضى بسقوط الموجب اذا كان بعد نشأته قد اصبح موضوعه مستحيلاً من الوجه الطبيعي او الوجه القانوني بدون فعل او خطأ من المديون.
انّ الآراء والاستشارات التي تم إطلاقها بهذا الشأن والخصوص، والتي انتهت الى القول بعدم دفع القسط المدرسي لأنّ الموجب قد سقط، لا تصح بتاتاً. لأنّ الموجب المُلقى على المدرسة لا يسقط الا بإعلان انتهاء العام الدراسي من دون إكمال العام الدراسي بشكل او بآخر ومن دون ترفيع التلامذة ومن دون إجراء امتحانات ومن دون توزيع افادات مدرسية.
وكيف لنا ان نتبيّن نطاق تطبيق احكام القوة القاهرة في هذا السياق؟
انّ تحديد القوة القاهرة يمكن ان يكون وارداً في العقد او النظام مع او بدون استثناء الوباء من ضمن التحديد، وانه في حال عدم وجود أيّ منهما فإنه يُصار الى تقدير ذلك بحسب كل حالة… الّا انّ الامر يبقى غير محسوم، وذلك بحسب ما ستؤول اليه الايام القادمة من نتيجة.
فإذا كانت السنة الدراسية ستتم متابعتها بشكل او بآخر قبل العطلة الصيفية أو بعدها، وانّ الافادات المدرسية سيتم توزيعها بعد تقديم الامتحانات او بعد الأخذ بما تيسّر من معطيات سابقة، وبالتالي ترفيع التلامذة الناجحين الى صف أعلى وإنهاء السنة المدرسية… فلا يعود معها من إمكانية لتطبيق احكام القوة القاهرة والتحجّج بها لعدم دفع القسط المدرسي.
ما هو الحلّ الأنسب؟
اذا بقي افراد العائلة التربوية على الحالة التي هم عليها بشكل يؤدي الى رمي كل منهم المسؤولية على غيره ومطالبته بحقوقه كاملة، فلا مَناص من غرق المركب بجميع ركابه، اي المدرسة والاستاذ والتلميذ، أمّا الدولة فهي غارقة أصلاً في ديونها.
أمّا الحل: فبالاضافة الى ضرورة وقف السجالات والمزايدات، يكمن في توزيع الخسائر، أي بمعنى عملي آخر:
1- تسدد الدولة مساهماتها للمدارس شبه المجانية.
2- تسدد تعاونية الموظفين مساهماتها كما في السابق.
3- تسدد وزارة المالية مساهماتها عن العسكريين مباشرة الى المدارس.
4- يقتطع من رواتب الاساتذة بشكل نهائي ما نسبته ٢٥% عن فترة 6 اشهر يتم احتسابها وحسمها من الاقساط المدرسية، وتسدّد لهم باقي رواتبهم من دون تأخير.
5- تتحمّل المدرسة ما بين 20 الى 25% بحسب ارقام ميزانية كل مدرسة من نسبة 35% من ميزانيتها لهذه السنة، ويتم احتسابها وحسمها من الاقساط المدرسية.
6- يسدد أولياء التلامذة الاقساط المستحقة عليهم نتيجة اعادة الاحتساب هذه فوراً، وينظر الى وضع من هو حسن النية ومتعثّر في إعطائه مهلة اضافية للتسديد مع كامل الضمانات اللازمة.
7- تتعهّد المدارس علناً بإنهاء العام الدراسي وتسليم افادات وإتمام البرنامج وفق ما تخطّط له حفاظاً على مستواها التعليمي، ويمكن لمن لا يجد من اولياء التلامذة في التدابير المتخذة من المدارس ما يقنعه بالمستوى التعليمي نَقل أولاده من المدرسة، وهذا الامر يكون متحقّقاً لمن يرفض او يمتنع عن التسديد.