كتب عمّار نعمة في صحيفة “اللواء”:
حصل ما كان كثيرون يخشون منه وحذروا منه على صعيد وباء «كورونا» في لبنان بعد وصول الأمر لكي يطال المخيمات الفلسطينية.
وبعد تسجيل حالة إيجابية لسيدة في مخيم الجليل في البقاع، وإن كانت قدمت من سوريا الى المخيم، تم تشخيص إيجابية إصابتها لمرتين حسب مصادر في وزارة الصحة اللبنانية، لم يعد الموضوع في إطار المخاوف بل بات واقعا يمس الوجود الفلسطيني والمطالب المُوجهة منه الى العالم خاصة والى لبنان معه.
وتكمن المشكلة الفلسطينية أساسا في علاقتها مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» التي لم تتعامل بالجديّة المطلوبة مع وضع اللاجئين في المخيمات وهو أمر دأبت عليه. وقد ناشدت الفصائل الفلسطينية، على اختلافها، المنظمة الدولية التحرك بجديّة حيال مخاوفهم، خاصة وأن الوضع الديموغرافي للمخيمات يشي بما هو خطير ولا يسمح بالارتخاء.
وقد أرسل الفلسطينيون النداء تلو الآخر الى «الأونروا» التي تعاني من تراجع حاد في ميزانيتها نتيجة الحصار الأميركي عليها والذي فرضه الرئيس دونالد ترامب، على طريق محاولة تصفية قضية اللاجئين وهي جوهر القضية الفلسطينية. رفعت الفصائل منذ بدء تفشي الوباء في لبنان صوتا موحداً للتحذير من مخاطر أن يطال «كورونا» المخيمات، وبرغم الوعود الدولية المتعاطفة، فإن شيئاً لم يتغير ما يثير أسئلة كثيرة.
يوجه أمين سر حركة «فتح» وفصائل «منظمة التحرير الفلسطينية» في لبنان فتحي أبو العردات النداء عبر «اللواء» للمانحين الدوليين للالتفات الى محنة الفلسطينيين المتعاظمة في لبنان والتي تفاقمت مع «كورونا». والواقع أن اللجنة التي شكلت من الفصائل كافة والهيئات الصحية الفلسطينية تقوم بما تيسّر لمجاراة ما يحصل قدر الإمكان، ويشير القيادي الفلسطيني الى أن المسألة قد بُحثت مع «الأونروا» على مستوى قيادات رئيسية ولم تؤد الى ما هو مطلوب، وما تزال الوعود حبراً على ورق في ظل تباطؤ المنظمة الدولية وتذرعها على الدوام بنقص الأموال على الرغم من تعهدات أطلقتها بالمساعدة.
تتمثل المشكلة في أن ولوج الوباء المخيمات المكتظة سيؤدي الى انتشاره سريعاً، وفي حال تسجيل إصابات فيها فلا أمكنة للحجر الصحي، في الوقت الذي يُعمل فيه على تجهيز «مركز سبلين للتدريب المهني والتقني» في إقليم الخروب لاستيعاب المصابين، لكن نقص الأموال أدى الى تقصير في الجهاز الطبي فيه برغم العمل على تجهيزه بالمعدات، ما يعني عدم قدرته على العمل حتى الآن، وهو مآل مركز اقترحته «فتح» في صور لا يبدو أنه سيعتمد قريباً.
ويعطي أبو العردات مثالا على دقة الموضوع بالحديث عن سيدة اشتبه في إصابتها بالمرض في مخيم المية ومية وقد حضرت إليه من دولة إفريقية، وبرغم عدم تسجيل إيجابية الفيروس في الفحوصات التي أجريت عليها «فإننا تمكنا من حفظها في منزل لوحدها ريثما نتأكد من حالتها». لكن هذه الحالة قد تتكرر لعشرات غيرها وربما أكثر في حال استفحال المرض، حسب أبو العردات.
وقد أحالت الفصائل عشرات الحالات بالتعاون مع وزارة الصحة الى مستشفى رفيق الحريري علما أن الوزارة قد أعلنت قبولها تحمل تكاليف على هذا الصعيد بالتعاون مع «الأونروا»، علماً أن الأخيرة لجأت الى الاقتطاع من ميزانيتها اللبنانية الحالية للمساعدة من دون تخصيص مبلغ للطوارئ من الخارج لهذا الأمر، وهو أمر دأبت عليه في مراحل سابقة مختلفة شهدت أزمات بالنسبة الى اللاجئين، علما أن البعض يريد مثلاً من المنظمة الدولية الشروع سريعاً ومن دون أي إبطاء، بتوفير أجهزة الفحص للوباء وفتح عيادتها الطبية، بدلاً من تقليص الدوام في عيادات المخيمات، لا بل تقليص الطاقم الطبي!
وبرغم وعي الفصائل وتنسيقها مع الحكومة اللبنانية والبلديات المعنية ديموغرافياً بالمخيمات، فإن المخاوف كبيرة. ويلفت أبو العردات الى أن الفلسطيني في لبنان يعمل في شكل عام على «اليومية»، وبالتزامه إجراءات الدولة اللبنانية فإنه بات من دون مدخول مادي، وهنا باتت مشكلته مزدوجة.
والحال أن الفصائل في المنظمة و«تحالف القوى الفلسطينية» تعمل عبر لجان عمل معنيّة مع المؤسسات الصحية والاجتماعية والأندية في المخيمات، باللحم الحيّ مرحلياً على صعيد المساعدات والتعقيم كما على صعيد الإجراءات على مداخل المخيمات، لكن في ظل صعوبات على هذه الأصعدة بسبب الاكتظاظ الشديد في المخيمات.
حماية العودة
.. وفي انتظار أن تتحقق الوعود الدولية، بات على الجميع إيلاء الموضوع الأهمية اللازمة في سبيل صمود المخيمات التي يحذر أبو العردات من وصولها الى انفجار إجتماعي لن يكون مستغربا مع استمرار «الأونروا» في حالة الإرباك هذه.
هذا مع العلم أن التحذيرات الكبيرة في الماضي كانت تتمحور حول الاهتمام بالوضع الاجتماعي والاقتصادي والمعيشي في المخيمات خشية تفلت الأمور لصالح تيارات تريد العبث باستقرار المخيمات، تتقاطع في غاياتها مع رغبة إسرائيلية وخارجية في وضع خاتمة لقضية العودة عبر توريط الفلسطينيين والمخيمات في الصراعات الداخلية من ناحية، وفي النزاع مع لبنان كدولة مضيفة من ناحية أخرى.
وإزاء كل هذه المخاطر، ثمة مخاوف عميقة لدى الفلسطينيين الذين يكررون مطالبهم المزمنة من لبنان للتعاطي مع قضية اللاجئين من جوانبها المتعددة، وأن لا يقتصر ذلك على العامل الأمني الذي برهنت الفصائل الفلسطينية المعنيّة عن نية جديّة في التعاون مع لبنان، وحققت معه إنجازات كبيرة.