كتبت جنى جبّور في صحيفة “نداء الوطن”:
وضع جبيل جيد جدّاً. هكذا تُقَيّم مدينة الحرف اليوم بعد أن سجلت أعلى نسب إصابات مع بداية انتشار كورونا في لبنان. فمن أصل 48 حالة شفي 40 بانتظار نتائج الـ 8 حالات المتبقية الاسبوع المقبل. واذا اتت نتائجهم سلبية يكون قضاء جبيل قد حرر نفسه من الوباء. ولكن مهلاً، هذا لا يعني عودة جبيل الى حياتها الطبيعية، إذ يُطلب من أهالي المنطقة التحلي بالصبر قليلاً بعد، وتأجيل نشاطاتهم أقلّه لشهر.
تبدل المشهد في جبيل، عمّا كان عليه قبل 15 يوماً. فمن يَتنقل في المدينة، يشعر وكأنّ الحياة تعود فيها الى طبيعتها شيئاً فشيئاً. المحال التجارية التي لا تبيع السلع الاساسية ما زالت مقفلة، الّا أنّ هذا لم يمنع أصحابها من توفير خدمة توصيل بضائعهم الى بيوت من يطلبها. خدمة، لم تقتصر على مأكولات المطاعم فحسب، بل شملت سلعاً أخرى، كألعاب الأطفال، و”صبغة” الشعر التي يوفرها المزينون ” delivery” الى من يطلبنها، فمثل هذه الأمور تحمل صفة العجلة. كذلك، يعمد البعض الى إغلاق باب محله على نفسه ولا سيما اصحاب محال الـ”1$”، مع ترك منفذ صغير لاستقبال الزبائن الذين يعلمونهم مسبقاً بأوقات وجودهم في الداخل. أمّا البعض الآخر، ففعّل صفحة محله على مواقع التواصل الاجتماعي ليعرض بضائعه، ويسمح للزبائن بالاطلاع عليها إفتراضياً، وشرائها بارسال رسالة بالمنتج الذي يريده، على أن يحدد له صاحب المحل موعداً بعد أن يكون قد جهّز له “طلبيته”، فيقصده “الزبون” وتتم عملية البيع والشراء في الخارج. وعند سؤال أحد أصحاب هذه المحلات عما اذا كانت هذه العملية تعتبر خرقاً لقرار التعبئة العامة، يجيب “شو منعمل، بدنا نعيش”، مضيفاً “نحن لا نعرّض أنفسنا أو احداً لخطر العدوى، ولا نستقبل عدداً كبيراً من الزبائن، بل ننظم المواعيد الواحد تلو الآخر”.
في المقابل، يتذمر بعض أهالي جبيل، من تنقل جابي الكهرباء من منزل الى آخر، ما يشكل خطراً عليهم وخصوصاً مع عدم التزام بعض الجباة بالطرق الوقائية اللازمة، وكانوا قد تمنوا على صاحب امتياز شركة كهرباء جبيل ايلي باسيل، لو أنه يؤجل هذه العملية الى حين الانتهاء من مشكلة كورونا. ويؤكد أحد المعنيين في جبيل الذي تلقى عدداً من الشكاوى في هذا الموضوع أنّ “كل جابٍ ملتزم بالشروط الصحية وباللباس الوقائي من ناحية ارتداء القفازات والكمامات وفي حوزته المطهرات. وتعمل الشركة على تأمين استمراريتها والتزود بالمازوت من خلال جباية فواتيرها، ولا سيما أنها عمدت الى تأمين ساعات اضافية من الكهرباء للمواطنين تزامناً مع أزمة اكورونا”. ويضيف: “كذلك، قدمّت الشركة عينها التسهيلات بالنسبة للأشخاص غير القادرين على تسديد الفواتير، من خلال تأجيل الدفع من دون أي غرامات مادّية بحقهم”.
هل بدأ موسم البحر؟
على الطريق البحرية في جبيل، يمارس البعض الرياضة؛ منهم من يركض بمفرده، ومنهم من “يتمشّى” برفقة آخرين. كذلك الأمر، على بولفار عمشيت، حيث اختار أب أن يخرج أطفاله الى الهواء الطلق بنزهة قرب البحر… هو لا يعتبر أنه يعرضهم لأي مخاطر، لا بل على العكس يموه عنهم، ويقول ” طق قلبهم في البيت”. مع الاشارة، الى أنّ الأعداد في هذه الأماكن ليست كبيرة، والمشهد لا يشبه أبداً يوماً عادياً فيها.
نُكمل جولتنا باتجاه الشواطئ، ونحن نعلم أنّ الطقس الجميل والشمس الساطعة، تعني توجه أبناء المنطقة الى البحر للسباحة وتسمير بشرتهم. في عمشيت، ما زال الشاطئ الشعبي المعروف بالـ”البشاش” مغلقاً، وتمنع البلدية أي أحد من دخوله. كذلك، لم يقصد أحد شاطئ “البولفار”. بالانتقال الى جبيل، لم يتمدد أي شخص على شاطئ “الرمل”، عكس الاسبوع الماضي، حيث قصده البعض للاستجمام، فلاحقتهم شرطة البلدية في المنطقة، كما حصل مع “رانيا” التي فرّت هاربةً مع صديقتها. وإن كان “الرمل” خالياً من الناس، فشاطئ “البحصة” قرب الميناء الأثري، استقبل اعداداً قليلة من محبي البحر على طول امتداده. فهل يعتبر ذلك، خرقاً لقرار التعبئة العامة؟ يجيب رئيس اللجنة الصحية في اتحاد بلديات جبيل، رئيس بلدية عمشيت الدكتور طوني عيسى أنّ “الماء لا ينقل العدوى، ولكن هذا لا يعني بالطبع فتح المجال للتجمعات على الشواطئ.
ويوجد من توجهوا عشوائياً الى البحر في الأيام الأخيرة، ولو بأعداد بسيطة، مع محافظتهم على مسافة آمنة بين بعضهم البعض، وهذا يجنّبهم خطرالإصابة أو انتقال العدوى. وعلى الرغم من ذلك، تلاحق عناصر البلدية كل المخالفات والتجمعات فور ملاحظتها. وبكل صراحة، لم نتطرق بعد الى هذا الموضوع، لأنّ “الموسم” لم يفتتح بعد، الّا أننا سنتخذ الاجراءات اللازمة للحد من التجمعات من خلال نشر شرطة البلديات على طول الشواطئ في القضاء. وأتمنى على أهلي في المنطقة، الالتزام بالتوجيهات والارشادات التي نقدمها، والصبر قليلاً الى حين القضاء على الوباء نهائياً في لبنان. مع الاشارة الى أنّ الشواطئ العامة وحتّى الخاصة ستبقى مغلقة (أقله لشهر) حتّى انتهاء التعبئة العامة، مع تحرير محاضر ضبط بحق المخالفين”.
في المرتبة السادسة
في العودة إلى بورصة اكورونا حلّ قضاء جبيل في المرتبة السادسة لجهة عدد الحالات المصابة في الأقضية اللبنانية، بعد المتن، بيروت، كسروان، بشري، وبعبدا بحسب تقرير الغرفة الوطنية لادارة الكوارث. وتظهر الخريطة البيانية لنسبة الحالات المُصابة من سكان أقضية جبيل أنّه لتاريخ الأربعاء شكّلت نسبة المُصابين 48 حالة فقط، وهذا العدد ثابت منذ أكثر من 15 يوماً بعدما كان الوباء قد دخل الى المنطقة بواسطة مصدرين: الأول من ابن بلدة عبيدات الجبيلية جان خوري العائد من مصر والذي توفي لاحقاً، بعد أن نقل العدوى الى أفراد الطاقم الطبي والتمريضي في مستشفى سيدة المعونات الجامعي. والثاني من خلال شابة”عمشيتية” آتية من لندن، نقلت العدوى الى والدها والى عدد من الموظفين في الشركة التي يملكها. ويشير د. عيسى الى أنّ “وضع جبيل اليوم جيد جدّاً، وأنّ كل المصابين في مستشفى المعونات تماثلوا للشفاء التام. أمّا في عمشيت، فسُجل شفاء 14 حالة من أصل 22، وما زال يوجد 8 أشخاص في الحجر المنزلي، نتيحة فحصهم ايجابية ولكن من دون عوارض، على أن يخضعوا الاسبوع المقبل لفحص “PCR” جديد، عسى أن تتحول النتيجة الى سلبية، وبذلك نكون قد حصرنا كل اصابات القضاء. مع الاشارة، الى أننا كنّا قد جهزنا مستشفى مار مخايل في عمشيت واستقبلنا فيها حالتين مصابتين بكورونا. كما أننا درّبنا 40 متطوعاً مدنياً لمساعدة الطواقم الطبية والتمريضية في البلدة، وبالتالي جهوزيتنا تامّة في حال طرأ اي وضع جديد أو مفاجئ في موضوع كورونا”.
عودة الحياة… تدريجياً
في إطار الحملة التي تقوم بها وزارة الصحة لتحديد مدى انتشار فيروس كورونا في كل لبنان، تجرى حالياً فحوصات ” PCR ” لعينات عشوائية في جبيل، بين الساعة التاسعة صباحاً والثانية عشرة ظهراً، في مركز الرعاية الصحية الأولية التابع لوزارة الصحة بالتعاون مع البلدية، الذي يقع في الشارع رقم 9 قرب نادي بيبلوس، ويمكن لجميع المواطنين القاطنين ضمن نطاق جبيل الجغرافي، والذين لديهم عوارض كورونا أو احتكوا مع أشخاص كانوا مصابين بالفيروس، التوجه لإجراء الفحص. وبحسب عيسى “قد يكون لبنان البلد الأول الذي سيتحرر من كورونا، بفضل التزام شعبه، على أمل ان ينتهي هذا الكابوس في نهاية شهر أيار. ولكن حتّى الساعة، لا قرار بالعودة الى الحياة الطبيعية في القضاء قبل اعلان الحكومة انتهاء التعبئة العامة في البلاد. ونتوقع أن تتوضح لنا الصورة بعد اسبوعين، من ناحية السماح لبعض أصحاب المهن بمزاولة عملهم تدريجياً، فالدولة ستأخذ بالاعتبار الوضع الاقتصادي السيئ من جهة وأزمة كورونا من جهة أخرى. لذلك، قد تفتح المحلات التي تغيب عنها التجمعات أو يمكنها استقبال الناس بمواعيد مسبقة، أبوابها قريباً، من دون أن يشمل هذا القرار المقاهي والمطاعم وأماكن السهر ودور العبادة”.