كتب محمد دهشة في صحيفة “نداء الوطن”:
يحلّ شهر رمضان حزيناً على مدينة صيدا وأبنائها، بسبب فيروس “كورونا”. فالمدينة التي اكتسبت بجدارة لقب “مدينة رمضانية بامتياز”، تفقد هذا العام طقوسها وعاداتها وتقاليدها. تغيب الزينة قسراً عن الشوارع الرئيسية والأحياء الشعبية وداخل حارات صيدا القديمة وأزقّتها، بعدما أقفلت المساجد أبوابها وعلّقت الصلوات (الجمعة والجماعية) موقتاً، وأُضيفت اليها اليوم صلوات التروايح وقيام الليل، في ظاهرة غير مألوفة من قبل، حتى في عزّ الأحداث السياسية والامنية.
الحاج توفيق الشامي، الذي يملك محلاً لبيع الأدوات الكهربائية في صيدا القديمة، يقول لـ”نداء الوطن”: “إن شهر رمضان هذا العام يأتي في ظلّ ظروف حزينة وخانقة، والسبب ليس فقط الخوف من تفشي الفيروس، وانما الاوضاع الاقتصادية الصعبة، التي باتت تحاصر الناس وتخنقهم في لقمة عيشهم دون سواها”، قبل أن يُضيف: “في الاعوام السابقة كان “أبناء البلد” يتحضّرون لاستقبال شهر رمضان منذ منتصف شعبان، يشترون الحلوى ويزورون الاهل ويقصدون المحال لشراء الأدوات الكهربائية وتركيب الزينة الرمضانية، هذا العام استنكفوا عن ذلك، فالأوضاع المالية خانقة و”قلّة المصاري” جعلتهم يبحثون عن كيفية تأمين الطعام والشراب في ظلّ التزام الحجر المنزلي والغلاء وارتفاع الاسعار”.
داخل المدينة القديمة، يبدو الفرق واضحاً في استقبال الشهر الفضيل، وأبرز معالمه غياب الزينة، إقفال المقاهي الشعبية التي كانت تكتظ بروّاد افطار كل يوم. فيروس “كورونا” والفقر المدقع يفرضان نمطاً جديداً على ابنائها، لم يعتادوا عليه من قبل، ينغصان عليهم فرحتهم. ويقول مازن يزن، مالك محلّ في ساحة باب السراي، لـ”نداء الوطن”: “الاوضاع مأسوية، والمدينة حزينة، الحمد لله نجونا من “كورونا” الفيروس، ولكننا وقعنا تحت عبء “كورونا” الاقتصاد والضائقة المعيشية والفقر و”التعتير”، الناس في حالة غضب عارم جراء ارتفاع الدولار والاسعار والغلاء، لم يعد للفقير مكان للعيش في هذا الوطن المُستباح من جشع التجار في مختلف وجوه الحياة”.
وحده المسحّراتي عباس قطيش، الذي ارتبط اسمه وحضوره بشهر رمضان بعد رحيل عميد المسحراتية محمد فناس، خرق المشهد وخرج في جولة تسحير تدريبية بين الحارات والاحياء، صدح بصوته القوي، داعياً الناس الى الاستعداد للصيام نهاراً والقيام ليلاً ولكن هذه المرة في البيوت”.
جرعة حياة
خارج اسوار المدينة لم يكن الحال أفضل، فقد عكست النداءات المتتالية لفاعليات المدينة وجمعياتها الخيرية للتبرع وبسخاء في شهر الرحمة، مدى استفحال الازمة الاقتصادية، فالجمعيات التي اعتادت ان تساعد الفقراء والعائلات المتعفّفة في هذه المناسبة، سواء باقامة إفطارات يومية، او وجبات يومية ساخنة، او توزيع حصص تموينية وغذائية، تقف عاجزة عن فعل الكثير، وسط حرصها على استمرار التكافل الاجتماعي والتكاتف لتمرير المرحلة بأقل الخسائر الممكنة”.
في المقابل، طالبت جمعية تجار صيدا وضواحيها بـ”جرعة حياة”، ودعت المسؤولين الى إعادة النظر بقرار الإقفال ودرس التخفيف من وطأته، عبر رفع جزئي للحظر والسماح للتجار بفتح مؤسساتهم يومياً لفترة محددة من النهار، مع التزامهم شروط الوقاية المطلوبة، آخذين في الاعتبار كل الاجراءات اللازمة من اجل الحفاظ على سلامتهم وسلامة المواطنين، في وقت قال فيه رئيس الجمعية علي الشريف إن اقفال الأسواق التجارية، وتداعيات أزمة “كورونا” شكّلتا “الضربة القاضية” للقطاع التجاري، والمنكوب أساساً، بفعل الأزمات المتلاحقة منذ ما قبل ثورة 17 تشرين ثم الأزمة المالية خلالها، وما تسببت به تلك الأزمات من ركود وتراجع في القدرة الشرائية لدى المواطنين، فتصاعدت صرخات معظم التجار تعبيراً عن هذا الوجع، مطالبين ولو بجرعة حياة تُنقذ هذا القطاع قبل الإختناق الأخير!
إستحداث كبسولة
وفي خطوة لافتة، استحدث “جهاز الإسعاف الأولي” التابع لجمعية “النداء الإنساني” في مخيم عين الحلوة، كبسولة لنقل الحالات الصعبة المشتبه إصابتها بالفيروس. وقال المدير التنفيذي للجمعية مصطفى ابو عطية لـ”نداء الوطن”: “نحن عضو في اللجنة الصحية المركزية التي تدير أزمة “كورونا” في الوسط الفلسطيني بالشراكة مع “الأونروا” وجمعية “الهلال الاحمر الفلسطيني” وغيرهما من الجمعيات الاستشفائية المحلية والدولية، ونحن المستشفى الوحيد في المخيم الذي يفتح ابوابه على مدار الساعة. وفي اطار الخطط الصحية التي تضعها اللجنة، نحاول ان نكون على اتمّ الاستعداد تماشياً معها، فاستحدثنا غرفة “فرز” عند مدخل المستشفى واخرى “للعزل” لمعاينة الحالات المشتبه بإصابتها، وفي حال كانت العوارض واضحة، يتم الاتصال بأطباء “الاونروا”، ومن ثم بوزارة الصحة عبر الخطوط الساخنة، للقيام بعملية النقل”.
وأضاف ابو عطية: “وفي الخطة الرديفة، نقوم بتدريب الطواقم الاسعافية للتعامل مع كيفية نقل الحالات التي يشتبه باصابتها بالـ”كورونا”، سواء الى المستشفيات التي حددتها وزارة الصحة اللبنانية او الى مركز “سبلين” المهني، حيث تقرّر ان يكون مكاناً للحجر الصحي، لان نقل الحالات المشتبه بها منوط فقط بالصليب الاحمر اللبناني، ولكن اذا ساءت الامور وتفشّى “الفيروس”ـ لا سمح الله ـ يجب ان نكون على استعداد، ولذلك تمّ استحداث هذه الكبسولة التي هي عبارة عن “نايلون شفّاف سميك” لنكون على جهوزية لأي طارئ وحماية للطواقم الطبية والتمريضية والإسعافية معاً”.