شارباً “حليب سباع”، أطل رئيس الحكومة حسان دياب من خلف منبر قصر بعبدا ليطلق صلية من الرشقات النارية بمختلف الأعيرة الثقيلة، التي تراوحت بين التحذير والتهديد والوعيد وصولاً إلى استخدام عبارات صاروخية تؤكد العزم على “القمع والضرب بحزم”… بهذه الصيغة الحازمة “استأسد” دياب و”كشّر عن أنياب” مستعارة من مكلّفيه، ليوجه الرسائل إلى كل من يقف حجر عثرة في مواجهة الإطباق على السلطة بكافة مفاصلها، الرئاسية والحكومية والنيابية والاقتصادية والمالية والنقدية. ولأنّ صورة إطلالة رئيس الحكومة تعكس في شكلها ومضمونها أبعاداً تشي بأنّ معالم “الانقلاب” اكتملت، دخلت البلاد في مرحلة “اللعب على المكشوف” بين الجبهات السياسية ليشكّل باكورة “أوراقها” حاكم المصرف المركزي رياض سلامة… وما حسان دياب سوى رئيس حكومة يخشى أن يذهب في أي لحظة “فرق عملة” بين السعر الرسمي والسعر الحقيقي في سوق الصرف.
فعلى الطريق نحو استيلاد “النظام الشمولي” الذي كان رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط سبّاقاً في التحذير من حياكته في أروقة السلطة، خطا دياب خطواته “العسكرية” أمس من “اليرزة” إلى “بعبدا” تحضيراً لإلقاء “البيان رقم واحد” باسم المنظومة الحاكمة، على إيقاع نشيد “ألله ياخد بإيدك” الذي نظمه وأنشده “حزب الله” له، فبدا في حزمه كمن يسدّد ديناً في رقبته لمن نصّبوه على كرسيّ السراي، فصال وجال وكال الاتهامات إلى حاكم المصرف المركزي ووضعه في قفص الاتهام بالضلوع في مؤامرة انقلابية على الحكومة، تحت راية انهيار الليرة وارتفاع الدولار، مدغدغاً بذلك أوجاع الناس، ومتغاضياً في المقابل عن حقيقة كونه ليس أكثر من واجهة “أكاديمية” للمنظومة السياسية نفسها، التي نهبت الخزينة العامة “على عينك يا حاكم” وأوصلت البلد إلى الحضيض في مختلف المجالات الاقتصادية والمالية والاجتماعية، إن تحت وطأة ذهنية الفساد والإفساد والاستزلام في وظائف الدولة وهدر مليارات الدولارات على “كهرباء مقطوعة”، أو من خلال إدخال اللبنانيين في قطيعة عربية ودولية خدمةً للمحور الذي رعاه تكليفاً وتأليفاً.
ورداً على خطاب “فليسمعوني جيداً…”، سرعان ما أتى الرد عنيفاً على لسان الرئيس سعد الحريري بحيث صبّ فيه جام غضبه وصوّب سهامه باتجاه “جنرال بعبدا”، بعدما تلمّس في “وجبة الإفطار الأولى التي تناولها اللبنانيون على مائدة الحكومة في قصر بعبدا” كلاماً صريحاً و”خطيراً”، مفاده الإعلان عن “الإنقلاب بلغة عسكرية” والشروع في “مرحلة انتقام يكلفون رئاسة الحكومة تولي الهجوم فيها”، برتبة “جنرال يتقمص دور رئيس للحكومة”. أما المعركة الحقيقية، فحرص الحريري على أن يصوب بوصلة نيرانها باتجاه “العهد القوي” الذي وجد في دياب “شحمة على فطيرته”، مؤكداً أنه سيكون “بالمرصاد” لهذا العهد الذي اختار سلوك درب عهد إميل لحود في “استحضار أدوات العام 1998 لإدارة حلقات الكيد والثأر السياسي”.
وإذ من المرتقب أن يكون لحاكم المصرف المركزي “كلام قريب” يفضح فيه بعضاً من ارتكابات التركيبة الحاكمة التي أوصلت البلد إلى الانهيار، حسبما علمت “نداء الوطن” من مصادر مواكبة للحملة السياسية التي يتعرض لها سلامة، أكدت المصادر أنّ سلامة “اتخذ قراره بالرد على دياب فور سماع كلامه” أمس، وأردفت طارحةً جملة أسئلة: “هل من المعقول أن يصدر هكذا كلام عن رئيس حكومة، بحيث يلجأ إلى الشعب بدل أن يثبت قدرته على معالجة الأزمات؟ وهل يدرك رئيس الحكومة أنّ حملته ستسبب انهياراً إضافياً في سعر الليرة في السوق؟ وهل يكتفي بالشكوى أمام المواطنين ويتهرب من دور حكومته في لجم ارتفاع سعر الصرف وتسوية الوضع النقدي؟ ثم ما هي إنجازات هذه الحكومة فعلياً سوى الهيركات على ودائع المواطنين وقرار صرف 650 مليون دولار على سد بسري، وتهريب عميل إسرائيلي من السجن وعرقلة التعيينات القضائية وفرملة التعيينات المالية بانتظار الاتفاق على الحصص؟”.
وليلاً، دخل “الحزب التقدمي الاشتراكي” على خط الرد على دياب وحكومته “التابعة”، لافتاً إلى أنّ تصريحه أتى “ليتنصل من الفشل وغياب الرؤية والتخبط والتردد وعمى البصيرة بفعل الكيدية التي تتحكم بمسار العمل الحكومي”، وأضاف في سياق تهكمي على توعد دياب بالضرب بحزم: “حزمك قاصر على ما يبدو عن طرق أبواب محميات فساد المتحكمين بالسلطة (…) ونحن نؤكد للحكومة الملحقة بالغرفة السوداء، ولرئيسها الذي أعلن اليوم محاولة انقلاب موصوف بالتهديد والتهويل، أنّ مصيره لن يكون سوى الفشل”.
أما على ضفة رئيس مجلس النواب نبيه بري الممتنع حتى الساعة عن السير في ركب الانقلاب الجاري تنفيذ أجندته في أروقة بعبدا، فقد أوضحت مصادر وزارية قريبة من عين التينة لـ”نداء الوطن” أنّ الرئيس بري يتحفظ على طرح “الإقالة العشوائية لحاكم مصرف لبنان، خاصة في هذه الظروف التي تخلو فيها سدة حاكمية المصرف المركزي من 4 نواب للحاكم، ما سيؤدي بالتالي إلى تعطيل المصرف ذي الصلاحيات الكبرى بموجب القانون وأيضاً إلى غياب لجنة الرقابة على المصارف، مع إنتهاء ولايتها وتعطيل دور المؤسسات المصرفية في البلد”.
وفي حين أعادت التحذير من أنّ “طرح تغيير الحاكم من دون تحضير الأرضية اللازمة ومن دون إعداد رؤية مناسبة للمرحلة اللاحقة ستزيد الأمور سوءاً”، ذكّرت المصادر القريبة من عين التينة بأنّ “لبنان الذي عليه إنجاز ورقة إصلاح مالية واقتصادية تتضمن إعادة هيكلة القطاع المصرفي الخاص ومصرف لبنان، يجب أن يركز جهوده على كل هذه العوامل بشكل يتضمن رؤية تفصيلية لمعالجة الأمور وليس طروحات هي كناية عن مزايدات شعبوية وعشوائية”.