كتبت راكيل عتيق في “الجمهورية”:
تتسارع التطورات العامة في لبنان بمقدار التراجع الدراماتيكي لسعر صرف الليرة وإنهيار العملة الوطنية، الأمر الذي يُنذر بإنفجارات مالية وإجتماعية وإقتصادية، قد تؤدّي الى فوضى أمنية. هذا المسار، إذا استمرّ على ما هو عليه، بلا أيّ معالجة حقيقية توقف النزيف، فإنّ الثورة الشعبية ستتفجّر بأشكالٍ مختلفة، قد لا تكون سلميّة. وتسارُع الأحداث هذا، قد يدفع أيضاً الى «ثورة» من المُعارضين الجدد لإسقاط الحكومة ومن وراءها. فيما «حزب الله» يستعد لكل الإحتمالات، ولمواجهة كلّ السيناريوهات المطروحة.
إنّ أيّ اهتزاز مالي أو إقتصادي أو إجتماعي أو أمني، سيؤثّر سلباً على «حزب الله» وبيئته، أقلّه في المرحلة الراهنة، بمعزل عن تداعياته البعيدة المدى. وينطلق «الحزب» من مقاربته أو تعاطيه مع كلّ المواضيع المطروحة والتي تستدعي المعالجة، أو الملفات والمواقع التي تستدعي إصلاحاً وتغييراً، من «أنّه جزء من النسيج اللبناني، ولا يهدف الى أن تكون أفكاره هي الطاغية، بل يناقشها مع الأفرقاء المعنيين الآخرين، وفي حال تعذّر الإقناع فلتقرّر الأكثرية»، حسب مصادر مطلعة على موقف «الحزب».
وتؤكّد هذه المصادر، أنّ كلّ الأخبار عن سعي «حزب الله» الى انقلاب عسكري أو مالي أو إقتصادي هو غير صحيح ومجرّد تحليلات أو إستهدافات سياسية وإعلامية، لا تستند الى أيّ مُعطى، أمّا أيّ تغيير أو محاسبة يُطالب بهما «الحزب» لأيّ مسؤول سياسي أو مالي أو إداري، فهما ضمن النظام والدستور والقوانين.
وفي حين تتلقّى حكومة حسان دياب الضربات من مؤلفيها ومعارضيها على حد سواء، وقد تشتدّ المعارضة في وجهها، خصوصاً من الثلاثي الحريري – جنبلاط – جعجع أو ربما بإيعازٍ خارجي، ترى المصادر أنّه لم يظهر حتى الآن أنّ هناك أمر عمليات ما من الأميركيين أو غيرهم لتشكيل جبهة معارضة كهذه لإسقاط الحكومة، بل أنّ كلّ ما يُتداول حتى الآن، لا يعدو مجرّد أقاويل وتحليلات. وتعتبر المصادر، أنّ كلّاً من رئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري ورئيس «الحزب التقدمي الإشتراكي» وليد جنبلاط ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع «يغنّي على ليلاه في المعارضة، حسب مصالحه وأهدافه».
أمّا حدود تمسُّك «حزب الله» بهذه الحكومة التي سُمّيت على إسمه، والسقف الذي يضعه للدفاع عن بقائها، فهو «الحفاظ على البلد في هذا الوضع». فـ»الحزب» يعتبر أنّ «هذه الحكومة هي الحلّ الوحيد المتوافر الآن، فهي موجودة والآمال مبنيّة عليها، خصوصاً أنّها لم تُقصّر حتى الآن، وأثبتت نجاحها في أزمة «كورونا». ويجب أن تُعطى فرصة لنرى ماذا ستفعل في المواضيع الإجتماعية والإقتصادية والمالية».
أمّا أيّ انتقاد من «حزب الله» لعمل هذه الحكومة، فهو «طبيعي، إذ إنّ أحداً ليس معصوماً وحتى لو كان «الحزب» يشترك في الحكومة بطريقة غير مباشرة أو موافق عليها، فهو يعترض على ما يراه خطأً، وهذا ما دأب على فعله في كلّ الحكومات التي شارك فيها منذ عام 2004». انطلاقاً من ذلك، يُطالب «الحزب» الحكومة بإقرار الخطة المالية ـ الإقتصادية سريعاً.
وفي حين وضع «الحزب» خطوطاً حمراء على «ترميم الوضع المالي العام على حساب أموال المودعين من جهة وأصول الدولة من جهة أخرى»، في بيان كتلة «الوفاء للمقاومة» الأخير، فإنّه أعدّ تصوراً لـ»الحلّ الإنقاذي»، يُطرح في مجلس الوزراء، خلال النقاش في الخطة الإقتصادية للحكومة، حيث ستظهر وجهة نظر «الحزب» في هذا الخصوص.
وبالنسبة الى الحلول المطروحة لإعادة ضخّ «الدولار» في لبنان وتحقيق الإنقاذ، أو أقلّه وقف التراجع المتسارع للأوضاع النقدية ـ المالية ـ الإقتصادية، فإنّ «حزب الله» وعلى رغم موقف أمينه العام السيد حسن نصرالله الواضح بعدم رفضه طلب المساعدة من أيّ جهة خارجية، ومنها صندوق النقد الدولي، شرط عدم فرض شروطها على لبنان وعدم إرتهان البلد لها، إلّا أنّه يرى أنّ لبنان قد لا يتحمّل ما يشترطه صندوق النقد مقابل أيّ مساعدة مالية. وتسأل المصادر إيّاها: «هل يُمكن مثلاً خفض عديد القوى العسكرية الى النصف في حال طُلب ذلك من الحكومة؟».
فما البديل عن «الهيركات» وبيع أصول الدولة ومساعدة صندوق النقد؟ يبدو أنّ «الهيركات» غير مرفوض في المطلق لدى «الحزب»، وأنّه يتفق مع رئيس الحكومة حسان دياب في ألّا يُطاول 98 في المئة من المودعين. وتقول المصادر المطلعة على موقف «الحزب»، إنّه ضدّ المسّ بودائع المودعين الصغار، لكن هناك مودعين كباراً ويملكون ودائع كبيرة جداً، جنوها بالإستفادة من الهندسات المالية ومن السرقة والفساد، ويجب استعادتها عبر القضاء، إمّا مفاوضةً أو محاكمةً».
وبالنسبة الى «الحزب»، إنّ أيّ حلّ إنقاذي يبدأ من استعادة الأموال المسروقة وإغلاق «حنفية» هذه السرقة». ويُشدّد «الحزب» على ضرورة أن تشمل خطة الحكومة، العناوين الأساسية الآتية:
– مكافحة الفساد.
– استعادة الأموال المسروقة.
– درس كل ملف خصخصة على حدة.
– وقف الهدر العام (إيجارات، نفقات، صفقات…).
– تفعيل التفتيش المركزي.
– تفعيل إدارة المناقصات.
وإذ حمل «الحزب» راية مكافحة الفساد، خصوصاً في مجلس النواب، إلّا أنّه لم يتمكّن حتى الآن من إيصال أيّ ملف الى خواتيمه، لجهة محاسبة المرتكبين. كذلك، يُتهّم «الحزب» بحماية «حُلفائه الفاسدين» سياسياً.
رداً على هذا، تشير المصادر المطلعة على موقف «الحزب»، الى أنّ الغالبية في مجلس النواب صوّتت ضد العجلة في الإقتراح المتعلق بمحاكمة الوزراء، الذي قدّمه عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب حسن فضل الله». وتقول إنّ «الحزب لا يغطّي أي فاسد، والسؤال عن ملفات الفساد يُوجّه الى القضاء، الذي من واجبه في معظم الحالات أن يتحرّك عفواً».
الى هذه الإستحقاقات، قد يكون «الحزب» أمام «ثورة» شعبية شاملة ثانية أكثر جموحاً من «انتفاضة 17 تشرين»، وقد تُطاوله بالمباشر، بعدما حيّدته جزئياً في 17 تشرين الأول 2019. و»لكلّ حادثٍ حديث» بالنسبة الى «الحزب»، الذي يلتقي مع الثوار في كثير من النقاط، ويؤيّد معظم مطالبهم. كذلك، يؤيّد «الحزب» شعار الإنتفاضة: «كلّن يعني كلّن». وتشير المصادر المطلعة على موقفه، الى أنّ «جميع المنتمين الى الحزب، الذين عملوا في الشأن العام، من نواب ووزراء أو من تولّوا أي منصب أو وظيفة في القطاع العام، خاضعون للمحاسبة، ومستعدون للمثول أمام القضاء المالي أو أيّ قضاء». وتقول: «فليُحاسب القضاء من يجد أنّه مرتكب».