قبل ان تبدأ الحكومة اللبنانية ومعها الأجهزة المعنية الصحية والإدارية والأمنية التخفيف من حال الإغلاق في القطاعات اللبنانية القادرة على العمل في ظل التعبئة العامة ومختلف الاسواق الأخرى بسبب انتشار الكورونا، تقدم الوضع النقدي والمالي على سائر التطورات السياسية والوبائية من بوابة الحديث عن اقالة حاكم المصرف المركزي رياض سلامة وتحميله مسؤولية ما آل اليه الوضع النقدي في وقت لامس سعر صرف الدولار الأميركي السقف الاعلى منذ قيام دولة لبنان.
في هذا الإطار، تقول اوساط سياسية ومصرفية عبر “المركزية” ان السعي الى تحميل حاكم البنك المركزي وحده مسؤولية ما آل اليه الوضع بحثا عن الحلول للمأزق القائم لا يستقيم . فالامر لا يتوقف عند اسعار العملات الأجنبية وصرف الدولار الذي تجاوز كل الارقام المقبولة بعدما فاق الـ 4000 ليرة لبنانية لدى بعض الصرافين غير المرخص لهم والعاملين في سوق المضاربة تارة على الطريق وأخرى وراء واجهات مغايرة تستغل للتمويه، اذ من غير الجائز تجاهل تأثيرات ذلك على وجوه الحياة التجارية والاقتصادية المختلفة وفي اكثر من قطاع. كما ان هذا الوضع انعكس على القطاعات الصناعية والتجارية والخدماتية والسياحية وان كان الاغلاق بفعل انتشار الكورونا لم يعكس نتائج هذه المعضلة بعد، فالايام المقبلة ستؤثر عليها بشكل كبير سينعكس على مصاريف اللبنانيين بشكل لا يحتمل.
وعليه، فان تحميل سلامة المسؤولية وحيدا دون من شاركه القرار السياسي واعطاه التوجيهات الضرورية التي حكمت مهامه ليس سوى تهربا من المسؤوليات وتوزيعها ما بين الحاكم وكل من تعاطى في الشأن المالي والحكومي، فالمسؤولية اعم واشمل. ومرد هذه القراءة السلبية يرجع الى عدد من الملاحظات وأبرزها:
-إن رياض سلامة لم يكن آمرا ناهيا في مجمل قراراته الإستراتجية المالية والنقدية كان ينفذ قرارا سياسيا دأبت عليه الحكومات المتعاقبة لتثبيت سعر صرف الليرة ايا كانت الكلفة المادية وتعذر ترك السعر لقوة العرض والطلب على الدولار ليأخذ سعره الحقيقي حفاظا على الاستقرار الأمني والامان الاجتماعي.
– لا ينسى كثر ان سلامة حذر اكثر من مرة من بعض الخطوات الحكومية غير المدروسة التي اتخذت دون مراعاة قدرة الخزينة على تحمل الأعباء الإضافية ولا سيما منها ما يتصل بسلسلة الرتب والرواتب كما بالنسبة الى التقديرات التي حملتها الموازنات في السنوات الأخيرة من ارقام وهمية ومغلوطة بُنيت على قواعد سياسية لا اقتصادية ولا مالية ادت الى الفشل في إدارة المال العام.
– ان سلامة ابلغ جميع المسؤولين اكثر من مرة وبلهجة التحذير ان سياسة الحكومة التي نقلت لبنان الى موقع معاد للدول والمؤسسات المانحة ستنعكس سلبا على مالية لبنان واستمرار البعض بالتورط في قضايا عربية خلافية ومشاركته العسكرية في ازمات سوريا والعراق واليمن ستنعكس سلبا على البلاد وعلى التوازن الصعب والهش في ضوء حجم الإيرادات غير المضمونة ولااستقرار في العلاقات السياسية والدبلوماسية الخارجية للبنان، وهو امر لم يحترم يوما.
– ان اتهام سلامة بممارسة التوجيهات الأميركية المالية والنقدية ساقط سلفا لمجرد انه اتهام سياسي. فاي مسؤول آخر في موقعه وفي اي دولة في العالم لا يمكنه تجاهل القوانين الأميركية التي لها القوة الالزامية في دول العالم كافة وهو شان لا يخضع للنقاش إلا من باب المواقف السياسية الغوغائية التي لا تعدل شيئا في نهج اي دولة يعيش بعض من اقتصادها على منطق الدولرة، فكيف في بلد مثل لبنان نسبة الدولرة فيه تجاوزت الـ 73 %.
– لم يخرج سلامة عن قواعد اللعبة المصرفية في إدارة الدين العام لا بل تجاوز قدرات الدولة على تحمل كلفة ديونها من موازنات المصرف المركزي واتخذ بصدره مجموعة من الخطوات التي عززت من حجم الدين العام ولم تلاقه الحكومات المتعاقبة بأي اجراء سياسي او اداري يوقف النزيف في المال العام ولا لجهة تطبيق الاصلاحات التي طالبت بها المؤتمرات الدولية من باريس واحد حتى سيدر وهو مار كان يراهن عليه ليعزز علاقات لبنان بمصادر التمويل الدولية.
قد لا يقف مسلسل البراهين عند هذه النقاط الأساسية فحسب بل ان العجز السياسي ظاهر للعيان في مرحلة يعرف المسؤولون ان اقالة الحاكم بمقتضيات قانون النقد والتسليف قبل نهاية ولايته هو امر غير وارد ما دامت الشروط الثلاثة المحددة غير متوافرة، فكيف الحال اذا كانت على الخط ايضا عوامل خارجية عززت الثقة بسلامة، تحول ايضا دون اقالته في هذه المرحلة بالذات ما لم يتخذ هو قرار الاستقالة ، وهو امر مستبعد في ظل الهجمة السياسية التي يمكن ان تصيبه بسهامها لكنها لن توفر حلا للمعضلة المالية والنقدية.
وعليه، تختم الاوساط ، ان اي دعسة ناقصة تقدم عليها الحكومة ، ستدفع البلد الى انفجار غير محمودة عواقبه،وقد بدأت الرسائل الدبلوماسية تتطاير في اتجاه المقار الرسمية محذرة من خطوات مجتزأة ستقلب الطاولة على رؤوس الجميع.