رأى رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة أن “ما يحصل الآن في لبنان هو المزيد من الإطباق من قبل “حزب الله” والتيار “الوطني الحر” على الدولة اللبنانية، وذلك في محاولة منهما لحرف الانتباه عن المشكلات الأساسية التي يعاني منها لبنان، وتنفيذا لسعي مستمر من قبلهما ومن قبل حلفائهما، من أجل إيجاد كبش محرقة وتحميله المسؤولية عما جرى ويجري وكأن المشكلات كلها تقع على عاتق مصرف لبنان، وهذا امر غير صحيح”.
وأضاف، في حديث إلى قناة “الحدث” من محطة “العربية” الفضائية: “هناك مشكلات عديدة تراكمت على مدى سنوات نتيجة الاستعصاء من قبل الحكومات والمجالس النيابية والأحزاب السياسية عن القيام بالإصلاحات الضرورية لمعالجة المشكلات المالية المتفاقمة، وبالتالي عدم المبادرة إلى خفض العجز في الموازنة والخزينة وفي مقدم تلك المشكلات تأتي مشكلة الكهرباء. وبالتالي، فقد كان ذلك الاستعصاء والإصرار على عدم الاستماع لكل النصائح والتنبيهات التي كنا نوجهها من أجل ترشيق الدولة والحد من الإنفاق والعمل على تعزيز الإيرادات لخزينة الدولة اللبنانية، هو ما كان يتسبب بتفاقم العجوزات”.
وتابع: “المؤسف أن هذه الحكومة برئاسة حسان دياب هي التي تقوم بتطبيق المخططات التي يسعى إلى تنفيذها التيار “الوطني الحر” بدعم وتغطية من “حزب الله”. وذلك ما أدى بدوره إلى حالة من التخبط والارتباك في السياسات المالية والإدارية والنقدية والذي انعكس بإحداث المزيد من المشكلات الداخلية والتردي، والذي ترافق مع انطلاق الانتفاضة في 17 تشرين الأول الماضي. وبدلا من التجاوب مع مطالب الانتفاضة، ومع ما يحتاجه لبنان من تنفيذ لإصلاحات أساسية، فقد كان هناك المزيد من الإصرار والممانعة عن اتخاذ القرارات الصحيحة التي تستعيد الثقة المنهارة في الحكم والحكومة والذي أدى بدوره إلى انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي والعملات الأجنبية. والنتيجة استمرار الاداء السيىء للحكومة وللعهد والامتناع عن معالجة المشكلات المنهالة على لبنان بسبب ذلك الأداء السيىء، والذي يؤدي بدوره الى انحسار كامل للثقة لدى اللبنانيين في الحكومة وفي العهد، وكذلك في عدم الثقة بهما من قبل المجتمعين العربي والدولي وكذلك في الدولة اللبنانية. ومما زاد الطين بلة، الحديث عما يسمى هيركات، أي محاوله الاقتصاص من المودعين اللبنانيين وتحميلهم المسؤولية عما كان يجري من ممارسات على مدى السنوات العشر الماضية، وتحديدا على مدى السنوات الأربعة الماضية”.
وعن كيفية التصدي لهذا الوضع المتردي، قال السنيورة: “أعتقد ان الوضع الان لم يعد يحتمل المزيد من الانتظار ولم يعد لدى لبنان ترف الاختيار بين خيارات كثيرة. ولذا لم يعد من الممكن الاستمرار في حالة الارتباك والتخبط والتقاعس عن القيام بما ينبغي ان تقوم به الدولة اللبنانية لجهة المسارعة إلى تصويب البوصلة، وذلك باعتماد سياسات مالية ونقدية وقطاعية وإدارية واضحة، وكذلك أيضا ولاسيما باعتماد سياسات داخلية وخارجية واضحة، إذ أصبح ينبغي على الدولة بجميع مؤسساتها الدستورية الالتزام قولا وعملا بأحكام الدستور وبأحكام القوانين، ولما فيه مصلحة الدولة وبسط سلطتها الكاملة على أراضيها ومرافقها، وكذلك الالتزام بالأحكام التي تنص على استقلالية القضاء والعودة إلى احترام قواعد الكفاءة والجدارة في إيلاء المناصب في الدولة لمستحقيها استنادا إلى تلك القواعد”.
وأردف: “المؤسف أنه، وحتى الان، وعلى سبيل المثال، لم تقدم الحكومة اللبنانية على حل مشكلة التشكيلات القضائية ولم تبادر إلى تنفيذ ما أقره مجلس القضاء الأعلى. كذلك أيضا لم تقدم الحكومة على معالجه المشكلة المزمنة المتعلقة بالكهرباء، وهي ما زالت مصرة على عدم تطبيق قانون الكهرباء الذي أقر منذ ثمانية عشر عاما. وأيضا ما زالت الحكومة تستعصي على تنفيذ القانونين الآخرين اللذين أقرا في العام 2002، والمتعلقين بقطاع الاتصالات والطيران المدني. كذلك أيضا مازالت الحكومة تتمنع عن إجراء حوار حقيقي وجدي مع صندوق النقد الدولي لمساعدتها في معالجة المشكلات المالية والنقدية والاقتصادية المتفاقمة وللاسهام بالتالي في اكتساب ثقة المجتمعين العربي والدولي في الوقت الذي أمسى لبنان بحاجة ماسة لمساعدتهما. إن الحاجة للاصلاح وإعادة تصويب البوصلة الداخلية والخارجية لإصلاح الاختلال المتفاقم أصبحت كلها أيضا أكثر إلحاحا بسبب جائحه الكورونا التي زادت الامور تعقيدا، وزادت من صعوبة الاوضاع الاقتصادية والمالية وتسببت بالمزيد من التردي”.
وقال: “إن ما يسعى اليه “التيار” وبمؤازرة من “حزب الله” هو لتحميل المصرف المركزي كل المسؤولية، ومن ذلك تحميل الحاكم مسؤولية اضطرار لبنان للتقيد بالإجراءات التي تفرضها الإدارة الأميركية. والحقيقة أن ما يقوم به المصرف المركزي ليس لان لبنان يريد ان ينصاع للادارة الأميركية بل لأن لبنان لا يستطيع إلا أن يتقيد بتلك الإجراءات إذا كان يريد ان يستمر جزءا من النظام المالي العالمي. إن مصلحة لبنان تقتضي عليه ذلك والا سيتعرض النظام المصرفي اللبناني لعقوبات لا يستطيع تحملها ويكون لبنان هو الخاسر الأكبر ومعه جميع اللبنانيين. وبالتالي فإن اضطرار مصرف لبنان للالتزام بتلك القرارات هو الذي أثار حفيظة حزب الله، وبالتالي فإن الحزب يريد تحميل مصرف لبنان تلك المسؤولية”.
وأضاف: “إن ما يقوم به في هذا الخصوص ليس إلا محاولة لحرف الانتباه ولتمكين حزب الله من الإطباق على ما تبقى من لبنان. وعندها لا يقتصر الإمساك على كل ما له علاقة بالسياسة والإدارة في لبنان، ولكن الإطباق يمتد بعدها إلى الاقتصاد اللبناني وإلى القطاع المصرفي مع ما ينجم عن ذلك من مخاطر كبيرة على الاقتصاد اللبناني والنظام الاقتصادي الحر وعلى لبنان واللبنانيين”.
وختم: “هذا الامر غير مقبول ومن الطبيعي أن تكون هناك مواقف تؤخذ من قبل رؤساء الحكومة السابقين. فهم قد أصدروا مواقف في هذا الشأن منذ فترة. ولقد كانت هناك مواقف في هذا الخصوص عبرت عنها انا أيضا وعبر عنها الرئيس نجيب ميقاتي والرئيس تمام سلام منذ أيام عدة. كذلك كانت هناك مواقف واضحة وصريحة من قبل الرئيس سعد الحريري. أعتقد ان هذه الامور سيصار الى متابعتها وستكون هناك مواقف يعبر عنها رؤساء الحكومة ليس فقط لكونهم رؤساء حكومة سابقين، ولكن لأنهم هم أيضا حريصون على إعادة تصويب وتقويم الأوضاع في لبنان، ويكون ذلك في مواقف وطنية لمعالجة هذه الأوضاع المتردية”.