Site icon IMLebanon

هجوم دياب المبرمج على سلامة يُدخل لبنان في مرحلة جديدة

كتب محمد شقير في صحيفة “الشرق الأوسط”:

أدخل رئيس الحكومة حسان دياب لبنان في مرحلة سياسية جديدة في هجومه غير المسبوق على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، غير تلك التي كانت قائمة قبل انعقاد جلسة مجلس الوزراء يوم الجمعة الماضي، ما فتح الباب على مصراعيه أمام ارتفاع منسوب تبادل الحملات السياسية والإعلامية التي طاولت بشكل مباشر رئيس الجمهورية ميشال عون، خصوصاً من أطراف بارزة في المعارضة اتهمته بأنه يقف وراء التحريض على سلامة بذريعة مكافحة الفساد ووقف هدر المال العام واسترداد الأموال المنهوبة والتحويلات إلى الخارج.

وطرح هجوم دياب المفاجئ على سلامة أكثر من علامة استفهام من قبل معارضيه، مع أن من يؤيده رأى في هجومه الناري الذي ضمّنه تهديدات مباشرة له ولمن يقف إلى جانبه، بأنه كان مضطراً لوضع النقاط على الحروف لعله يكسب انحياز المجتمع الدولي الذي ينادي باستمرار بمكافحة الفساد، وأيضاً «الحراك الشعبي» في تبنّيه لأبرز مطالبه من جهة وفي حملته غير المباشرة على بعض الأطراف التي تولّت السلطة في السابق.
ويقول من يؤيد دياب في خطابه، إن من حقه أن يسأل سلامة عن مصير التطمينات على صمود سعر صرف الليرة، وبالتالي فهو نطق باسم السواد الأعظم من اللبنانيين، من دون أن يخفي هؤلاء رغبته في إنهاء خدمات سلامة.

وفي المقابل، فإن خصوم دياب يرون أنه حاول أن يقدّم نفسه من خلال التهديدات التي وجّهها إلى سلامة بأنه الرئيس القوي تيمّناً بما يسمى بـ«العهد القوي»، مع أنه يعلم جيداً بأن عون ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل كانا يصران على استبداله بمنصور بطيش وطرحا تغييره مع الرئيس سعد الحريري الذي أصر على بقائه ولم يكن أمامهما سوى استرضاء بطيش بتعيينه وزيراً للاقتصاد.
ويطرح هؤلاء مجموعة من الأسئلة، خصوصاً بعدما تعذّر على دياب إقالة سلامة في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء رغم أنه لم يطرحها مباشرة وإنما بطريقة غير مباشرة بسؤاله: ما العمل مع سلامة؟ وقد اصطدم بموقف وزير المال غازي وزني الذي لم يدافع عنه بمقدار ما اعتبر أن مثل هذه الخطوة تأخذ البلد إلى المجهول لوجود موانع قانونية تمنع إقالته.

ومن أبرز هذه الأسئلة:
– هل يُعقل أن يشكو رئيس الحكومة، سلامة للبنانيين باعتبار أنه يفقد السلطة عليه، بدلاً من أن يتقدّم هؤلاء منه بشكواهم على تردّي أحوالهم المعيشية والاجتماعية؟
– إذا كان دياب يريد كسب ودّ المجتمع الدولي، فإن هناك من يسأله: كيف تطلب مساعدة من صندوق النقد الدولي وتعمل لإعادة تعويم قرارات مؤتمر «سيدر» وتدخل في مفاوضات مجدولة الديون وأنت لا تمون على موظف برتبة مدير عام؟
– يسأل دياب عن مصير التطمينات على سعر صرف الليرة؟ مع أنه يجب أن يتوجّه بسؤاله إلى عون الذي كان صرّح أو نُقل عنه بأن لا خوف على الليرة وأن الاستقرار النقدي في أمان، خصوصاً أن تطميناته جاءت قبل وبعد الانتفاضة الشعبية؟
– لماذا صمت دياب طويلاً قبل أن يبادر إلى «تهشيم» الوضعية المالية والنقدية لسلامة مع أنه يلتقيه أسبوعياً، وينسحب السؤال على عون؟
– من عطّل إعادة النصاب إلى المجلس المركزي في مصرف لبنان بإصدار رزمة التعيينات المطلوبة مع أن الأكثرية كانت لعون وحلفائه في الحكومات التي شُكّلت فور انتخابه رئيساً للجمهورية؟

– يعرف دياب جيداً أن المسؤولية تقع أولاً على عون وليس على الحريري في عدم تعيين مفوض الحكومة لدى مصرف لبنان، مع أنه هو بمثابة العين الساهرة للحكومة والحكم في مراقبته لكل ما يدور في «المصرف المركزي» إضافة إلى موافقة عون على التمديد لسلامة؟
– إن «حزب الله» يشكّل رأس حربة في دعم إقالة سلامة، لكنه يقف وراء عون ودياب لئلا يقال إن حكومة الحزب هي التي اتخذت القرار.
– إن دياب كان وافق على مجموعة من التدابير لمكافحة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة، لكنه أسقط نفسه في مشكلة مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري في إيكاله هذه المهمة لمدير عام وزارة المال آلان بيفاني قبل أن يتراجع عن موافقته بسبب تهديد وزني وزميله مصطفى مرتضى بالانسحاب من جلسة مجلس الوزراء.
لذلك، فإن جلسة مجلس الوزراء المقررة بعد غد الثلاثاء وعلى جدول أعمالها «شرعنة» مجموعة من التدابير تحت عنوان مكافحة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة قد تشهد مواجهة ما لم يصر إلى تصويب هذه التدابير، لأن الصيغة التي اعتمدت تجعل من الذين يُشرفون على تنفيذها وكأنهم يشغلون مناصب قضائية وينوبون عن القضاء في تولي مهمة ليست من اختصاصهم.

وفي هذا السياق، تتهم قوى في المعارضة دياب بأنه يستمد فائض القوة في هجومه على سلامة من تشكيل «غرفة أوضاع» على غرار الغرفة التي أنشأها الرئيس إميل لحود وكانت وراء استهداف فريق معين، وترى أنه بالنيابة عن عون يتزعّم القيام بانقلاب يطيح بالنظام المصرفي الحالي من دون إعفاء سلامة من أخطائه، لكن الكلمة تتجاوزه لخوض «حرب إلغاء» للمعارضة. وعليه فإن دياب يحاول توجيه اتهامات بنبرة عالية لسلامة لاستدراجه للاستقالة لأن إحراجه من وجهة نظره سيدفع به إلى الاستقالة، لكنه أخطأ في الحساب لأن سلامة سيقول كلمته في الرد عليه. كما أن دياب يسعى من خلال هجومه المبرمج لجس نبض اللبنانيين في حال إقالته لسلامة قبل أن يصطدم بقانون النقد والتسليف.

ويبقى السؤال، على ماذا يعتمد دياب في هجومه على المعارضة؟ مع أن بعضها أخطأ أثناء توليه السلطة وهل يستمد قوته من أطراف غير «العهد القوي» الذي يتعامل معه هذا البعض على أنه انتهى سياسيا قبل أوانه؟
«أمل»: واشنطن تمنع إقالة سلامة

إلى ذلك، تحدث مسؤول في «حركة أمل» التي يترأسها رئيس البرلمان نبيه بري أمس، عن تحذير أميركي تلقاه لبنان مفاده بأن إقالة حاكم المصرف المركزي رياض سلامة «ستؤدي إلى حجز أموال لبنان وذهبه البالغة 20 مليار دولار في الولايات المتحدة، واعتبار هذه الأموال هي لحزب الله»، وذلك بموازاة دعم كبير تلقاه سلامة من البطريرك الماروني بشارة الراعي، إلى جانب شخصيات وأحزاب أخرى تعارض توجهات «التيار الوطني الحر» ورئيس الحكومة حسان دياب.

وبعد شيوع معلومات عن أن بري و«حركة أمل» يقدمان الحماية لحاكم المصرف المركزي، ويعارضان إقالته، نُقِلَ عن عضو هيئة الرئاسة في «أمل» قبلان قبلان تأكيده أن بري يهتم بالبلد أكثر من الأشخاص، موضحاً: «ليس صحيحاً أن أحداً في الحكومة أو خارجها طلب إقالة سلامة، إنما الصحيح أن السفيرة الأميركية أبلغت رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية من خلال جبران باسيل أن إقالة سلامة ستؤدي إلى حجز أموال لبنان وذهبه في الولايات المتحدة البالغة 20 مليار دولار، واعتبار هذه الأموال هي لحزب الله»، مضيفاً: «وعليه لم يتجرؤوا على إقالته ويبحثون عن أحد يحملونه المسؤولية».

وأشار قبلان إلى أن إقالة سلامة وتعيين أحد مكانه اليوم قبل تعيين نواب للحاكم «قفزة في المجهول لأنه لا يوجد شخص واحد اليوم في لبنان يعرف ماذا يوجد في مصرف لبنان وفي المصارف، وبالتالي إقالة سلامة دون بديل موثوق هي ضياع لما تبقى من ودائع بعد أن ضاع المصير، ومن ثم هذا يعني تفلت سعر الدولار، والدخول في أزمة خطيرة على مستوى الشارع اللبناني، لأن الأزمة في الأساس هي استهداف المقاومة وإدخالها في صراع مفتوح وخطير في الداخل اللبناني». وقال إن «الرئيس بري يحاول تجنيب المقاومة والبلد الانزلاق الكبير، مع التأكيد على أن إقالة سلامة لم تطرح، لأن باسيل ودياب لا يملكان جرأة رفض طلب السفيرة الأميركية، وكل اتهام للرئيس بري ولحركة أمل هو اتهام باطل».
ويدفع «التيار ‏الوطني الحر» باتجاه إجراء تعديلات بالسياسات والأشخاص في مصرف لبنان، وأوضح رئيسه جبران باسيل أمس «أنّ المصرف المركزي يتحمل مسؤولية كبيرة بالخسائر الواقعة عليه، وبعدم شفافية أرقامه، ولكن من غير المعقول القول إنّ المصرف المركزي هو وحده المسؤول، بل إنّ المجلس النيابي والحكومة هما المسؤولان عن تركه بالتمادي في هذه الأخطاء بدون التصحيح اللازم».

وأكّد باسيل أنّه إذا قررت الحكومة تحمّل مسؤولياتها فهذا لا يعني انقلاباً على النظام المالي الحرّ، معتبراً أنّه على المصرف المركزي التعاون لتفادي الأعظم.
لكن التغييرات في حاكمية مصرف لبنان، لا تقتصر مخاطرها على افتعال أزمة مع واشنطن في هذا الوقت، بل تصطدم بموانع وضعها البطريركية المارونية. فقد عبّر البطريرك الراعي أمس عن تفاجئه «بحُكمٍ مبرم بحقّ حاكم مصرف لبنان، من دون سماعه وإعطائه حقَّ الدفاع عن النفس عملياً، ثمّ إعلان الحكم العادل بالطُّرق الدستورية. أمَّا الشَّكل الاستهدافي الطاعن بكرامة الشَّخص والمؤسَّسة التي لم تعرف مثل هذا منذ إنشائها في عهد المغفور له الرئيس فؤاد شهاب، فغير مقبول على الإطلاق». وتساءل الراعي: «مَن المستفيد مِن زعزعة حاكمية مصرف لبنان؟ المستفيد نفسه يعلم! أمَّا نحن فنعرف النتيجة الوخيمة وهي القضاء على ثقة اللبنانيين والدول بمقومات دولتنا الدستورية». واعتبر أن هذا النهج «المُغاير لنظامنا السياسي اللبناني جزءٌ مِن مخطَّط لتغيير وجه لبنان». وشدد على أن «هذا الكرسي البطريركي المؤتمن تاريخياً ووطنياً ومعنوياً على الصِّيغة اللبنانية يُحذِّر من المضي في النهج غير المألوف في أدبياتنا اللبنانية السياسية».

وأكدت كتلة «اللقاء الديمقراطي» أن البطريركية المارونية تكرس صوت العقل الوطني الحريص على بقاء لبنان وطناً ديمقراطياً بعيداً عن التفرد والإقصاء. وأعلنت رفضها «بشكل قاطع كل محاولات القضاء على ثقة اللبنانيين والدول بمقومات دولتنا الدستورية. كما نرفض هذا النهج المغاير الذي يبدو كأنه جزء من مخطط لتغيير وجه لبنان». ولفتت إلى أنه «كما في معركة قيام لبنان الكبير، ثم في معركة الاستقلال الثاني، حيث كان الكرسي البطريركي مؤتمن على الصيغة اللبناني».