كتب محمد وهبة في “الاخبار”:
أصدرت «مؤسسة البحوث والاستشارات» تقريراً يتضمن مقارنة التطوّر التاريخي لمؤشرَي أسعار الاستهلاك وأسعار صرف الدولار مقابل الليرة منذ 44 سنة لغاية اليوم. أظهرت النتائج أن تضخّم أسعار الاستهلاك لطالما كان أعلى من تضخّم أسعار الصرف حتى عندما لم يكن سعر الليرة مُثبتاً مقابل الدولار بشكل رسمي ابتداءً من عام 1997. أما اليوم، فيبدو كما هو ظاهر أن المسار قد انقلب تماماً، على الأقل في المدى الفوري.
وبات تضخّم سعر الصرف أعلى من تضخّم أسعار الاستهلاك، بالرغم من أن أسعار السلع الإفرادية قد تجاوزت نسبة ارتفاع الدولار تجاه الليرة. فأسعار الاستهلاك، ولأسباب موضوعية موصوفة في تقرير المؤسسة لم تأخذ مداها الفعلي، إلى الآن، بما يعكس ارتفاع سعر صرف الدولار، وهي مرشحة لمزيد من الارتفاعات في إطار دينامية تغذّي نفسها بنفسها في المدى القصير والمتوسط. إن انخفاض قيمة الليرة مقابل الدولار يدفع نحو المزيد من التضخّم الذي ينعكس ارتفاعاً في أسعار السلع فتزداد الضغوط على الليرة لتدفع الدولار نحو مزيد من الارتفاع.
وطالما لم يحصل تدخّل واضح في السوق على جبهتَي العرض والطلب، ستبقى هذه الدينامية قائمة، وربما لن تكون لها حدود واضحة في ظل طبيعة الاقتصاد اللبناني المرتكز على احتكارات وعلى تركّز شديد في الدخل وهوّة كبيرة في المداخيل وتوزّع الثروة.
أهمية الدراسة أنها تنطلق منذ أربعة عقود لتقيس تطوّر كلفة المعيشة في لبنان. ما تبيّن في هذه الفترة – وهو ما يحتاج إلى فعل وجدّية في أي خطّة ترسمها الحكومة أو تزعم أنها سترسمها – أن بنية الأسعار في لبنان مشوبة بالاختلالات نتيجة مفاعيل سياسة التثبيت النقدي التي عزّزت الاستيراد وأضعفت الجزء القابل للتصدير من الإنتاج المحلي. بمعنى آخر، إن سياسة التثبيت الطويلة المدى، كان لها أثر واضح في إضعاف القدرة التنافسية للإنتاج اللبناني القابل للتصدير، وأدّت إلى تعزيز الطلب الاستهلاكي بأسعار مدعومة ما أتاح نمط معيشة يفوق واقع المداخيل الفعلي لتحقيق الرفاهية، ويشجّع الاستهلاك على حساب الإنتاج ويكرّس فوارق اجتماعية كبيرة بالاستناد إلى سياسات مالية ونقدية مصمّمة لحماية هذا التثبيت النقدي. لم تكن هناك أي سياسة اقتصادية، أي لتعزيز الإنتاج، بل كان هناك خلق للتورّم المالي والأوراق المالية السيادية بفوائد باهظة بالليرة والدولار دعماً للتوسّع في الاستهلاك وخصوصاً الاستهلاك الحكومي.
يقول مدير المؤسّسة الخبير الاقتصادي كمال حمدان إن «الفكرة الأساسية من هذه المقارنة تفيد بأن الغلاء لا يزال في أوله، وأنه يجب التحذير من الآتي الذي قد يكون أعظم». يستعيد حمدان بعضاً من مقتطفات المقارنة: «في أول حكومتين في التسعينيات، كانت المقارنة بين المؤشرين تشير إلى أن ارتفاع أسعار الاستهلاك أعلى من ارتفاع سعر صرف الدولار، وإذ نشهد اليوم اتجاهاً معاكساً مع تجاوز ارتفاع سعر صرف الدولار نسبة 100% مقابل ارتفاع الأسعار 13% فقط. ما نشهده لا يعدّ إلا أمراً مؤقتاً وظرفياً. ما يظهر في المدى الفوري لا ينسجم مع العوامل التي تحكّمت في تطور المؤشرين في العقود الماضية. وإذا افترضنا أن كل شيء آخر سوف يبقى ثابتاً ومترسّخاً في البنية العامة للاقتصاد المحلي، فإننا سنشهد بعد فترة تصاعداً دراماتيكياً في الأسعار قد تستحيل السيطرة عليه. الأسوأ لم يأت بعد».
نصّ التقرير الصادر عن مؤسسة البحوث والاستشارات:
بعد سنوات طويلة من تراكم الخلل البنيوي في السياسات العامة، دخل لبنان بشكل معلن وصريح ابتداءً من تشرين الأول 2019 في دوّامة انهيار غير مسبوق، بحسب ما تعكسه المؤشّرات على أكثر من صعيد: تراجع حادّ في معدّلات النمو الاقتصادي، وتفاقم استثنائي في عجز المالية العامة وعجوزات الحسابات الخارجية وخصوصاً ميزان المدفوعات، والإفلاس الفعلي للقطاع المصرفي، ونشوء سعرين لليرة اللبنانية تجاه الدولار الأميركي للمرّة الأولى في بلد يستورد معظم احتياجاته الاستهلاكية بالعملة الأجنبية. ويشكل ارتفاع أسعار الاستهلاك أحد أهمّ المؤشرات المعبّرة عن هذا الخلل البنيوي، والمؤثّرة في الأحوال المعيشية للبنانيين والمقيمين الذين يعتمد معظمهم على مداخيل ونفقات محرّرة بالعملة الوطنية.
يستهدف هذا التحليل إجراء قراءة مكثّفة لتطور مؤشّر الأسعار خلال الأشهر الأخيرة، وللمنحى العام المرتقب أن يسلكه في الأمد المتوسط. ويستند التحليل إلى القاعدة الإحصائية المتاحة لدى مؤسسة البحوث والاستشارات التي بادرت منذ إنشائها في عام 1977 – وما زالت – إلى إصدار مؤشر شهري حول أسعار الاستهلاك في نطاق بيروت الكبرى، بعدما كانت مديرية الإحصاء المركزي قد توقّفت عن إعداد ونشر مؤشّرها على مدى نحو ربع قرن بدءاً من آذار عام 1975 ولغاية عام 1999.
النتائج الإجمالية للمؤشّرين ظلّت تصبّ منذ عام 2000 في منحى متقارب إلى حدّ كبير، إلا أن هذه النتائج لا تظهر تطابقاً كاملاً لأسباب عدّة أهمّها اختلاف التثقيلات المعتمدة في المؤشرين، أي اختلاف الوزن الذي يمثّله الإنفاق المخصّص لكل بند من بنود استهلاك الأسر كنسبة من مجموع إنفاقها.
وتنبيهاً من مخاطر مستقبلية قد تكون مرجّحة، نعرض أبرز النتائج والاستنتاجات والتوقّعات التي يمكن استخلاصها من تطور المؤشر على النحو الآتي:
– يصحّ القول بأن انفكاك سعر صرف الليرة الرسمي عن سعرها الحرّ بدءاً من تشرين الأول 2019، قد أفضى إلى زيادات فورية كبيرة في أسعار بنود أساسية في سلّة الاستهلاك، ولا سيّما الغذائية منها (راجع حساب المؤسسة على منصّة تويتر- crilebanon)، وهو الأمر الذي تناولته بإسهاب أخيراً وسائل الإعلام والعديد من الجمعيات المدنيّة المعنيّة بحماية المستهلك. ولكن رغم هذه الزيادات الإفرادية في عدد غير قليل من البنود، فإن المؤشر العام للأسعار- الذي يتضمّن نحو 1000 سلعة وخدمة – لم يبدأ في الارتفاع فعلياً، إلّا في كانون الأول عام 2019. ويلاحظ أن معدلات الارتفاع السنوية للأسعار (شهراً شهراً أي في كل شهر من عام 2019 مقارنة مع الشهر نفسه من عام 2018) قد بقيت على امتداد الأشهر الأحد عشر الأولى من عام 2019 إما سلبية أو قريبة من الصفر، ارتباطاً باستمرار وجود نظام السعر الواحد للعملة اللبنانية حتى شهر تشرين الأوّل من العام، وارتباطاً كذلك بواقع الانكماش الاقتصادي المسيطر على البلد.
– بحلول كانون الأول 2019 بدأت تظهر سلسلة الزيادات المتعاقبة في الأسعار كما يظهر في الرسم البياني رقم (1): 4٫6% في كانون الأول 2019 (مقارنة مع كانون الأول 2018)، و8٫7% في كانون الثاني 2020 (مقارنة مع كانون الثاني 2019)، ثم 11٫4% في شباط 2020 (مقارنة مع شباط 2019)، لتتجاوز نسبة الارتفاع 13% في آذار 2020 (مقارنة مع آذار 2019).
ويشار إلى أن الزيادة المسجّلة في آذار تصبح 18٫2% عوضاً عن 13% في حال جرى إخراج بنود أساسية من احتساب المؤشّر (بنود الملابس، والترفيه، والسلع المديدة الاستهلاك تحديداً) حالت الظروف دون التمكّن من جمع أسعارها في هذا الشهر بسبب قرار الدولة إغلاق المؤسسات التجارية. وأكثر ما يقلق، لجهة ما يرتّبه من أثر على الفئات الشعبية والفقيرة، هو المنحى الأكثر صعوداً لارتفاع أسعار الموادّ الغذائية التي زادت معدلاتها السنوية بنسبة 3٫1% في كانون الأوّل 2019 وبنسبة تزيد عن 10% في كانون الثاني 2020 لترتفع بنسبة 16٫8% ثم20% تباعاً في شباط وآذار من العام نفسه. وهذا يعني أن الموادّ الغذائية هي التي شكّلت القاطرة الأساسية لارتفاع المؤشّر العام للأسعار في الأشهر الأخيرة.
– إن التأخّر النسبي في انعكاس ارتفاع سعر صرف الدولار تجاه الليرة على أسعار الاستهلاك بعد تشرين الأول 2019 (راجع الرسم البياني رقم 2) يمكن تفسيره بعوامل عدّة، أهمها الآتي:
- التزام الدولة اللبنانية عبر مصرف لبنان – حتى إشعار آخر – بدعم فاتورة استيراد المحروقات والأدوية والقمح، وهي بنود أساسية في سلّة استهلاك الأسر عموماً؛
- استمرار تثبيت القيمة الاسمية لتعرفات الخدمات والمرافق العامة الأساسية ولمعدلات الرسوم والضرائب، فضلاً عن الثبات النسبي في أسعار بنود أساسية في مؤشّر السكن؛
- تقلّب أسعار الخضار – صعوداً وهبوطاً – الوافدة بقسم منها من سوريا التي سعت إلى التعويض عمّا فاتها من عملات صعبة (من السوق اللبنانية) بعد الانهيار المالي المستجدّ في لبنان؛
- تضاف إلى ما سبق تداعيات انكماش الاقتصاد اللبناني وتحوّل معدلات النمو إلى السلبية مند عام 2018، وهو الأمر الذي دفع شريحة من التجار والمستوردين إلى تفضيل التصفية السريعة لمخزونهم السلعي، على الأقلّ في المدى القصير، بدلاً من المشاركة الفوريّة في موجة زيادة الأسعار كنتيجة لانخفاض سعر صرف الليرة اللبنانية تجاه الدولار الأميركي؛
– أشدّ ما ينبغي التنبيه إليه يتمثّل في الدروس التي ينطوي عليها تحليل العلاقة التاريخية المقارنة بين تطور المؤشّر العام لأسعار الاستهلاك وتطور مؤشّر سعر صرف الدولار الأميركي تجاه العملة الوطنية. فاستناداً إلى القاعدة الإحصائية المتاحة، يتبيّن أن المنحى الصاعد لتطور المؤشّر السنوي للأسعار قد ظلّ على الدوام – ما بين أواسط السبعينيات ولغاية اعتماد سياسة التثبيت النقدي في أواسط التسعينيات – متجاوزاً لمنحى تطوّر المؤشّر السنوي لسعر الصرف الدولار الأميركي تجاه الليرة اللبنانية (مع استثناءات محدودة بين عام 1985 وعام 1987). أما بعد تطبيق سياسة التثبيت النقدي، فإن الفجوة بين المؤشّرين مالت نحو الاتساع بحدّة أكبر، فاتّجه المنحى العام لمؤشّر سعر صرف الدولار تجاه الليرة نحو الاستقرار، بل الثبات عاماً بعد عام (عند عتبة تناهز 1500 ليرة مقابل الدولار الواحد)، بينما واصل المنحى العام لمؤشّر أسعار الاستهلاك وجهته الصاعدة.
ويمكن التذكير، تأكيداً لهذا الواقع، بمعركة هيئة التنسيق النقابية التي رفعت على مدى سنوات شعار تصحيح الأجور بنسبة 121% تعويضاً عن الغلاء المتراكم بين عامي 1996 و2012، فيما كان سعر الليرة تجاه الدولار قد استقرّ بشكل شبه كامل في هذه الفترة نتيجة تطبيق سياسة التثبيت النقدي.
– تُظهر الرسوم البيانية (3) و(4) و(5) تطوّر المنحى العام لهذين المؤشّرين في حقب زمنية ثلاث لكل منها خاصيتها النسبية، وقد استحال جمعها في رسم بياني واحد لأسباب تقنية مرتبطة بتضاعف الرقم القياسي لمؤشّر أسعار الاستهلاك نحو 4800 ضعف بين عام 1977 وعام 2019:
- الحقبة الأولى تمتدّ بين عام 1977 وعام 1985، وقد تميّزت بفوارق مقبولة نسبياً بين المؤشّرين (لصالح مؤشّر الأسعار)، مع ميل مؤشّر سعر صرف الدولار نحو اللحاق بمؤشر أسعار الاستهلاك عام 1985.
- الحقبة الثانية تغطّي الفترة ما بين عام 1985 وعام 1997، وقد شهدت، بعد التقارب النسبي في منحى تطور المؤشرين خلال السنوات 1985- 1988، عودة المنحى الصاعد لمؤشر الأسعار فيما كان مؤشر سعر صرف الدولار يميل نحو التراجع بدءاً من عام 1993.
- الحقبة الثالثة تمتدّ بين عام 1997 وعام 2019، وقد سجّلت ترسّخ واتساع الفجوة المحقّقة في الحقبة الثانية، بفعل استمرار الميل الصاعد لمؤشر الأسعار بالرغم من الثبات شبه الكامل لمؤشر سعر صرف الدولار تجاه الليرة.
– تظهر هذه الوقائع بوضوح أن ارتفاع تكاليف المعيشة في لبنان خلال العقود الأربعة الماضية لم يكن محكوماً فقط بتطور سعر صرف الدولار الأميركي تجاه الليرة اللبنانية (بالرغم من أهمية هذا العامل)، وإنما كان يتغذّى أيضاً، وبقوّة أكبر، من جملة عوامل عميقة ومترسّخة في بنية الاقتصاد اللبناني، وأهمّها:
- سيطرة التكتلات ذات الطابع الاحتكاري (أو «احتكار القلّة») على أسواق الاستيراد ومعظم الأسواق الداخلية، بحسب ما تؤكّده دراسات إحصائية رصينة وموثّقة حول واقع «المنافسة» في الاقتصاد اللبناني، وسط غياب التشريعات والمراسيم التطبيقية الخاصة بمكافحة الاحتكار، وكذلك وسط استمرار المفاعيل الملتبسة لقانون التمثيل التجاري الذي ساهم في تدعيم سيطرة هذه التكتلات؛
- ترسّخ التشوّهات والاختلالات في بنية أسعار الاستهلاك الداخلية وأسعار صرف الليرة الخارجي (تجاه العملات الأجنبية غير الدولار)، نتيجة مفاعيل سياسة التثبيت النقدي التي عزّزت الاستيراد وأضعفت الجزء القابل للتصدير والتبادل من الإنتاج المحليّ ومن قدراته التنافسية عموماً.
- تحوّل لبنان إلى بلد مستهلك بامتياز – مع تمويل جزء مهمّ من هذا الاستهلاك عبر الاقتراض الداخلي والخارجي وعبر قنوات تدفّق العملات الأجنبية من الخارج – وصولاً إلى تجاوز الاستهلاك الخاص والعام للناتج المحليّ القائم بدءاً من عام 2018 بحسب ما تظهره التقارير السنوية الصادرة عن إدارة الإحصاء المركزي حول نتائج «المحاسبة الوطنية»؛
- ضعف، بل غياب التشريعات والمراسيم التنظيمية الخاصة بحماية المستهلك، ولا سيّما تلك المتعلقة بمكافحة الاحتكار وتعزيز المنافسة، إلى جانب محدوديّة فعّاليّة أجهزة وآليات الرقابة على أسعار الاستهلاك التي يستحيل ضبطها عملياً عبر الاستناد فقط إلى تطبيق قرار هوامش الأرباح (كما هي صادرة عن وزارة الاقتصاد).
ماذا نستنتج من المسار الراهن والمستقبلي لتطور الأسعار؟
إذا كانت المعادلة التي حكمت على مدى أكثر من 40 عاماً العلاقة بين تطوّر أسعار الاستهلاك وتطوّر أسعار صرف العملة اللبنانية مرشّحة للاستمرار في المدى المنظور، فإن هذا يدفع إلى التحذير بصوت عالٍ مما سوف تستقرّ عليه وجهة هذه العلاقة مستقبلاً. فما نشهده راهناً من تأخّر زيادة أسعار الاستهلاك في اللحاق بارتفاع سعر صرف الدولار تجاه الليرة ينبغي اعتباره أمراً ظرفياً وقصير الأجل في ضوء التجربة التاريخية الطويلة المحقّقة، وينبغي بالتالي أن نتوقّع تقلّص الفجوة بين هذين المؤشّرين في المدى المتوسط وإن بشكل تدريجي. لا بل إن احتمال عودة منحى تطور أسعار الاستهلاك إلى تجاوز منحى تطوّر سعر صرف الدولار تجاه الليرة اللبنانية سيبقى يشكّل خطراً داهماً في المدى المتوسط، وسيكون له أثر فظيع على ادّخارات اللبنانيين وقوّتهم الشرائية ومعاشاتهم وتعويضاتهم التقاعدية، وخصوصاً إذا تأخّرت المعالجات المطلوبة وسط استمرار تفاعل أزمات الاقتصاد الكلّي والمالية العامة والمصارف والنقد بالتزامن مع الخلل المتعاظم في الحسابات الخارجية.
إن المعالجات الناجعة في مواجهة ارتفاع الأسعار ليست فقط معالجات نقدية أو مالية أو رقابية أو اكتفاء بالتعامل مع تبعات ارتفاع الأسعار ونتائجه من دون التصدّي للأسس المسبّبة لهذا الارتفاع. بل هي تبدأ باستعادة بناء الثقة بالبلد واقتصاده الوطني وقضائه المستقل عبر الشروع الفوري في تحقيق ما رفعته الانتفاضة الشعبية من مطالب أساسية – مشروعة ومحقّة – بشأن إقرار خطة وطنية للإنقاذ والنهوض الاقتصادي تبدأ بتوفير الحيثيات الملموسة لاسترداد المال العام المنهوب أو المبدّد، وتتصدى لإصلاح النظام الضريبي وإعادة هيكلة الإنفاق العام، وتُرسي القاعدة الصلبة لتحفيز قطاعات الإنتاج، بالتزامن مع معالجة أسس مشكلات العجز والدين العام والانهيار النقدي وإفلاس المصارف.
وتركّز هذه الخطة – بالأولوية – على الاستثمار في البنى التحتية وتطوير الإنتاج الحقيقي وخلق فرص عمل لائقة للخرّيجين من الشباب وللمتعطّلين عن العمل، وعلى صياغة استراتيجية متكاملة للحماية والتنمية الاجتماعية تتمحور حول تحصين أوضاع الفقراء والشرائح الدنيا والمتوسطة من الأجراء والعمّال والطبقة الوسطى في بلد يشكو من طغيان أوجه عدم العدالة وعدم المساواة.