كتب معروف الداعوق في صحيفة “اللواء”:
خطوتان مثيرتان بدأ الطاقم الحاكم بتنفيذها عملياً على الأرض وتطرحان شكوكاً واستفسارات عن النوايا المبيتة وراءها، الأولى استهداف القطاع المصرفي من خلال الحملة التصعيدية التي أطلقها رئيس الحكومة حسان دياب وضمنها كماً من التهديدات والاتهامات ضد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، والثانية مشاريع قوانين ما يسمى بمكافحة الفساد التي تقدمت على ما عداها من أولويات حكومة الانقاذ وفي مقدمتها وضع خطة الانقاذ المالي والاقتصادي التي تشكّلت الحكومة على أساسها وما زالت غارقة في لجّة الوعود واللجان بالرغم من مرور ماية يوم تقريباً على تشكيل الحكومة.
الخطوة الأولى التي تبناها رئيس الحكومة شخصياً وأطلق بموجبها هجوماً غير مسبوق على حاكم مصرف المركزي، محملاً إياه ضمنياً مسؤولية تردي الأوضاع المالية والأزمة القائمة خلافاً للواقع، في محاولة مكشوفة لحرف النظر عن مسؤولية الحكم والحكومة عن هذه الأزمة التي تكبر يوماً بعد يوم، وفي الوقت الذي لم تقم فيه الحكومة بما هو مطلوب منها منذ البداية بتسريع الخطى لإنجاز خطة الانقاذ المالي والاقتصادي واتخاذ ما يلزم من إجراءات آنية وخطوات ملموسة للمباشرة بمعالجات جدية ملموسة تخفف من وطأة هذه الأزمة معيشياً واقتصادياً عن النّاس، وكانت على الدوام تعد المواطنين بقرب الانتهاء من إنجاز هذه الخطة ولكن حتى الساعة لم تظهر الى حيّز الواقع بعد.
الأزمة المالية والاقتصادية مرشحة إلى مزيد من التفاعل والانحدار نحو الأسوأ في ظل سوء الأداء السياسي للسلطة الحاكمة منذ بداياتها
اما الخطوة الثانية المثيرة للشكوك التي بدأت السلطة الحاكمة بتنفيذها فهي محاولة تمرير سلسلة مشاريع قوانين جديدة تحت يافطة ما يسمى بـ«مكافحة الفساد» التي يرددها رئيس الجمهورية صباحاً ومساءً وهي تستبطن في ثناياها استحداث آليات قانونية تتجاوز في مفاعيلها وتأثيرها السلطة القضائية القائمة ودورها وتحمل في طياتها نوايا مبيتة لكي تكون أداة مشرعة في أيد السلطة الحاكمة لاستعمالها كيفما تشاء في ممارسة السلطة والتسلط والهيمنة على مفاصل ومقدرات الدولة وتطلق يدها في اقصاء خصومها السياسيين ومعارضيها وتصفية الحسابات مع من وقف عائقاً في مواجهتها.
ويلاحظ في هذا الخصوص ان ما تقوم به السلطة الحاكمة تحت يافطة ما يسمى بمكافحة الفساد وما تزين به مثل هذه القوانين من «مآثر وحسنات» مشكوك بصدقيتها،تقابلها ممارسات وخطوات عكسية تنفذها علناً من خلال إعاقة وتعطيل مرسوم التشكيلات القضائية التي مضى على إنجازها من قبل مجلس القضاء الأعلى وقت طويل وما تزال عالقة في ادراج الطامحين للمحاصصة وتبديل المواقع والأسماء المحسوبة عليها، ما يطرح أسئلة عديدة عن كيفية قيام هذه السلطة بمكافحة الفساد في الوقت الذي تعطل فيه التشكيلات القضائية؟
هاتان الخطوتان اللتان تستهدفان القطاع المصرفي نظراً لارتباط مصرف لبنان بالتعاطي والاشراف قانونياً مع القطاع المصرفي عموماً واستحداث سلسلة قضائية موازية، تقدمتا على أولويات ومهمات حكومة «الانقاذ» المفترض فيها ان تولي الأزمة المالية والاقتصادية والهموم المعيشية للمواطن صدر اولوياتها واهتماماتها، وتشيران بوضوح إلى حرف الحكومة عن المهام التي تشكّلت على أساسها وتوجيهها حالياً باتجاه تبديل وتغيير في المرتكزات الأساسية للبنان، القطاع المصرفي والسلطة القضائية، وهما اللذان يشكلان عاملين أساسيين من عوامل تميز البلد ونهضته واقتصاده الحر عن سائر دول المنطقة برغم كل الصعوبات والعثرات والشوائب التي يمرُّ بها القطاع المصرفي حالياً والتجاوزات التي تحصل في القضاء على خلفية التدخلات السياسية والمحسوبيات بفعل التجاذبات والخلافات القائمة وتحكم سلطات الأمر الواقع لسلاح «حزب الله» من وقت لآخر وتدخله في مسار وشؤون الدولة.
فهاتان الخطوتان، احدثتا مفاعيل سلبية واضحة وترددات عكسية، ليس على الصعيد السياسي الذي يؤشر إلى مواجهة شرسة مفتوحة بين السلطة الحاكمة من جهة والأطراف السياسية خارج السلطة وحتى من ضمنها وهو ما ظهر في سلسلة مواقف حادّة وردود فعل صدرت رداً على حملة رئيس الحكومة ضد حاكم البنك المركزي الأسبوع الماضي، بل أيضاً على الصعيد الاقتصادي والاستثماري بالداخل والخارج على حدٍ سواء، لأن ما حدث ويحدث أثار نقزة حقيقية وخشية من وجود نوايا وخطط لم تعد خفيّة، بإحداث تبديلات جذرية في بنية ومقومات الاقتصاد اللبناني، في الوقت الذي كان ينتظر من الحكومة الحالية تبديد مثل هذه الانطباعات السلبية وانتهاج خطوات واتخاذ إجراءات تعزّز الثقة بالاقتصاد اللبناني والنظام المالي على حدٍ سواء، وتنعش الآمال بتخطي العثرات ومكامن الأزمة الحالية، بدلاً ان تنغمس كلياً في الانجراف بمخطط السلطة الحاكمة لاستهداف وإضعاف مرتكزات النظام الاقتصادي خدمة لمخططات «التيار العوني» الذي لا يُخفي مثل هذه التوجهات الهدامة التي تندرج في صلب خططه ومشاريعه البعيدة المدى للهيمنة على مفاصل الدولة والاقتصاد وتبديل صورته ومكوناته على قياس ما يرمي إليه ويخالف توجهات ونظرة معظم اللبنانيين.
فهذه الوقائع تؤشر إلى ان الأزمة المالية والاقتصادية مرشحة إلى مزيد من التفاعل والانحدار نحو الأسوأ في ظل سوء الأداء السياسي المتميز للسلطة الحاكمة منذ بداياتها وحتى اليوم والنوايا الخبيثة المبيتة جرّاء استهداف القطاع المصرفي والقضاء كما يظهر حالياً، مقابل التخبط والفشل وعدم الجدية والقدرة في وضع الحلول المجدية للأزمة.