كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
أثار جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء اليوم ببنوده الثمانية حفيظة واستغراباً وشكوكاً لدى الأطراف السياسية وانقساماً معهوداً على كل شي، الا ان المطروح يبعث على الريبة لكبر الحجر والحمل الذي قد تنوء الحكومة به، وهي عرضة لهجمات وهجمات مضادة ومرتدة من خصومها ومن أركانها، والسبب ان الفساد ومحاربته عنوانان برّاقان رفعهما كل الذين دخلوا العمل السياسي والحكومي، الا ان الجديد هو الطبيعة التنفيذية والإجرائية للقرارات التي ستتخذ في جلسة اليوم التي ستكون مصيرية ومحورية.
فبعد خروجه من الجلسة الأخيرة متوعداً ان “الدولة ستضرب بحزم”، يبدو ان رئيس الحكومة حسان دياب سيكمل مسار مكافحة الفساد واستعادة اموال الدولة، بدليل ما اعلنت عنه وزيرة العدل ماري كلود نجم ان مجلس الوزراء سيناقش في جلسته ثمانية تدابير آنية وفورية، تقدمت بها لمكافحة الفساد واستعادة الاموال المنهوبة ترتكز على قوانين قائمة حالياً لكن لم يجرِ تطبيقها. لن يقتصر فتح الملفات على مصرف لبنان بل سيطاول كل دوائر الدولة المعنية بتنفيذ المشاريع والمناقصات وأجهزة الرقابة. وبموازاة المسار التشريعي الذي يستعد له مجلس النواب من خلال اللجان المشتركة، يبدو ان وزارة العدل في صدد اطلاق ورشة موازية لاستنهاض القوانين الموجودة وإعادة تطبيقها.
خلال الجلسة النيابية الاخيرة وفي ضوء إحالة عدد من مشاريع القوانين الى اللجان المشتركة أبدى بعض النواب خشيته من ان تكون اللجان مقبرة للمشاريع. وليس الخوف وليد ساعته بقدر ما هو متأتّ من تجارب مقيتة نامت خلالها عشرات مشاريع القوانين في أدراج اللجان النيابية لألف سبب وسبب. واذا كان العمل التشريعي شاقاً يحتاج الى مزيد من التمحيص والبحث في ما يستلزم، إرتأت وزيرة العدل ماري كلود نجم ان تطلق ورشة موازية لعمل اللجان التشريعية كي لا تبقى مسألة مكافحة الفساد معلقة، وأعلنت عبر “تويتر” عن “ثمانية تدابير آنية وفورية، من صلب التشريعات القائمة، تقدمت بها لمكافحة الفساد واستعادة الأموال المتأتية منه وستكون غداً (اليوم) أمام مجلس الوزراء للبت فيها”. ليس المقصود هنا ان تحل وزارة العدل محل مجلس النواب والنيل من دوره التشريعي، ومن هنا كانت نجم حريصة على الاعلان عما اسمته تدابير لمكافحة الفساد مستفيدة من مجموعة قوانين قائمة لا تنفذ، يمكن الركون اليها في امور مكافحة الفساد واستعادة الاموال المنهوبة. وعلى قاعدة “الجود بالموجود” ارتأت ان هناك مجموعة قوانين قائمة في لبنان لم يجر تطبيقها يمكن ان تستخدمها لتبني عليها ثمانية تدابير يفترض ان تكون بنداً أساسياً مطروحاً للمناقشة في مجلس الوزراء، وعُلم من بين هذه التدابير:
– تحقيقات ضرائبية داخل لبنان والمعني بها الطلب من الجهات المسؤولة عن جباية الضرائب أي وزارة المال، تنفيذ خطوات عملية في مجال التحقيق الضريبي في الوزارات وادارات الدولة كل في مجال اختصاصه.
– تحقيقات ضرائبية خارج لبنان مستفيدة من الاتفاقيات الموقعة بين لبنان والعديد من الدول.
– التدقيق التشريحي الذي سبق وأقره مجلس الوزراء والذي يعني الدخول الى كل عقد من العقود التي انجزتها الدولة منذ سنوات خلت، للتدقيق في كيفية تنفيذ المشاريع الكبرى من اوتوسترادات ومستشفيات وغيرها واذا ما كانت جرت تلزيمات بالتراضي.
ومن بين التدابير ايضاً العودة الى تطبيق قوانين تتعلق بالإثراء غير المشروع لكل من يتعاطى الشأن العام والتدقيق في عمل هيئات الرقابة، وفي مقدمها ديوان المحاسبة فضلاً عن قانون حماية كاشفي الفساد المقر منذ العام 2018 وامكانية اعادة تحريكه والعمل وفق اجراءاته.
على ان تقوم بهذه الورشة لتطبيق القوانين شركات دولية مهمتها التدقيق وإعداد التقارير.
عمل شاق وامتحان صعب تخوضه الحكومة والتي يبدو انها لن تتوقف عند عتبة المصرف المركزي لتتجاوزه الى عمليات تدقيق حسابات، والخوض اكثر في عمل هيئات الرقابة ومدى التزام القوانين في تلزيم المشاريع وتنفيذها. هي نقلة نوعية في العمل الحكومي لناحية المحاسبة دونها محاذير، خصوصاً وان مكافحة الفساد في بلد كلبنان يعد بمثابة الدخول الى وكر دبابير في السياسة، واقتحام محميات سياسية وطائفية عشعش فيها الفساد وكبر حتى صار عصياً على المحاسبة. فهل تستطيع وزيرة العدل مدعومة من الحكومة ورئيسها ان تخوض معركتها بنجاح؟ وهل ستدعها الاحزاب والطوائف تقوم بخطوات ولو خجولة على طريق تطبيق القوانين، ام ان هذه القوانين صار تطبيقها على أساس “6 و6 مكرر”؟