كتبت سمر فضول في صحيفة “الجمهورية”:
تخرج رائحة الفساد من مستوعبات النفايات التي غطّت الطرق مُذكّرة بمشهد بات يتكرر دورياً عند كلّ خلاف بين القوى السياسية المتحكمة بهذا الملف… وبين تَوسعة المطامر واستحداث أخرى، تنقسم الآراء وتضيع خطة النفايات الموعودة!
لطالما شكَّل ملف «النفايات» «مزراب ذهبٍ» لأصحاب النفوذ داخل السلطة، ودفع بهم الى عرقلة خطّة النفايات التي لم تسلك الى يومنا هذا الطريق الصحيح نحو الحلّ المستدام.
لكنّ الحكومة التي رُميت على كاهلها رواسب أنصاف الحلول، تسعى، وبحسب ما يؤكّد وزير البيئة وشؤون التنمية الإدارية دميانوس قطار لـ»الجمهورية»، «إلى إيجاد حل نهائي لهذه المعضلة».
وُضعَ ملف «مطمر الجديدة» على نار حامية، إذ من المتوقّع إقفاله نهاية الشهر الحالي مع وصوله الى قدرته الإستيعابية القصوى أي 82000 طن، بحسب ما يشير التقرير الصادر عن مجلس الإنماء والإعمار. قطّار، الذي يتابع الملف، يشير الى أنّ «التصوّر الواضح للحلّ يصبح جاهزاً في الأيام القليلة المقبلة»، رافضاً في المقابل أنصاف الحلول فـ»نحن بحاجة لحلّ جذري نهائي كي لا تعود المشكلة الى الواجهة مجدداً بعد 4 سنوات».
ويكشف أنّ الخطة لم «تجهز بعد، فهي بحاجة لدراسة معمّقة، لذلك نحن نجتمع مداورة لإنهائها، وندرس بدقة ما يمكن أن نفعله في هذا الإطار».
ويأمل أهالي المتن ألّا يكون الحلّ بتوسعة المطمر مرّة جديد، وهذا ما يرفضه عدد من نوّاب المتن الذين اجتمعوا الأسبوع المنصرم في السراي الحكومي مع رئيس الحكومة حسان دياب والوزير قطّار، وأطلعوا دياب على وجهة نظرهم التي ترفض التمديد لمكب برج حمود، وذلك لأكثر من سبب، من بينها «بلوغه السِعة القصوى والروائح المنبعثة منه…»، على أن يحدد دياب موعداً آخر مع النواب لمناقشة ما تتفق عليه لجنة البيئة الوزارية التي تنعقد اليوم.
وفي هذا الإطار يؤكّد النائب إبراهيم كنعان أنّ «المنطقة حملت الكثير، والمطلوب أن يكون لدى الحكومة رؤيا»، متمنّياً «عدم تكرار ما كان يحصل على مرّ الحكومات المتعاقبة، حيث كانت تطرح الحلول وتقدّم الإقتراحات ولا تنفّذ، وهذا ما لم يعد مقبولاً خصوصاً أنّ ما يحصل ليس صحيّاً بحق المناطق السكنية».
نائب «القوّات» إدي أبي اللّمع يرفض مبدأ التوسعة «العشوائية»، ويقول: «في كلّ مرة يطرح وزراء البيئة المتعاقبين مشاريع لكنّها لا تنفّذ، ولا توضع على السكّة بالأساس، المطلوب أن تجد الحكومة اليوم حلاً جذرياً للمشكلة».
ويضيف: «نحن لن نقبل أن يضعونا أمام الأمر الواقع، و»التسليف» في هذا الملف لم يعد ممكناً، ولن نوافق على أي توسعة من دون أن نلتمس أقله دراسة أو مشروعاً جديّاً وملموساً بين أيدينا لهذه المشكلة».
امّا النائب الياس حنكش الذي حضر الإجتماع أيضاً فبَدا ساخراً من الاقتراحات المقدمة حيال توسعة المطمر، وطلب من «أصحاب هذه الطروحات استئجار شقّة في الزلقا أو أنطلياس ليخبرونا بعدها ما إذا كانوا قادرين على تحمّل الرائحة هناك، خصوصاً في ظلّ الحجر».
يراهن حنكش على حكمة قطّار، لكنّه في المقابل «يُبدي تخوّفه من وضع أبناء المتن أمام الأمر الواقع نهاية الشهر، حيث سيكون أمامهم خياران أحلاهما مرّ: الأوّل أن نغرق بالنفايات كما حصل عام 2015،والثاني أنّ ترمى في البحر».
ويطرح حنكش إعلان «خطّة طوارئ بيئية سريعة»، و»إبعاد النفايات عن الناس وعن المياه الجوفية، لأنّه لم يعد مقبولاً وضعها في أكثر منطقة مكتظّة سكنياً»، ويتخوّف «من إعادة تسييس ومذهبة الموضوع، نظراً للخلافات السائدة اليوم وتحديداً بين التيار الوطني الحرّ والنائب السابق وليد جنبلاط. لذلك، فإنّ الحلّ هو بخطة مُستدامة»، مشدداً على أنّهم «ضدّ أن ترمى النفايات في الكوستابرافا أو غيرها من المناطق، فالهدف ليس المناكفة السياسية مع أحد، إنّما إيجاد حلّ نهائي لأزمة النفايات».
وفي حين جَدّد حنكش رفضه توسعة مطمر الجديدة، عرضَ «نقل النفايات الى السلسلة الشرقية او مناطق حدودية مع سوريا، مع التأكيد أنّ كلفة النقل، ولو كانت مرتفعة، إلا أنّها لن تكون أعلى من الفاتورة الصحية على أبناء المنطقة، كذلك إصدار التشريعات والمراسيم اللازمة لتخفيف النفايات عبر وضع رسوم على مادة البلاستيك وإلزام وكلاء النفايات الميكانيكية والإلكترونية على استردادها، وتشغيل معمل غوسطا بطاقته القصوى، وتحرير أموال صناديق البلديات».
النفايات تجتاح الشوارع
هذه المرة انضَمّت شركات الكَنس والجمع الى الازمة، بحجة تأخّر الدولة عن دفع مستحقاتها في ظل الازمة المالية التي تعصف في البلاد.
فرغم توقيع وزير المالية غازي وزنة دفعات ومراسيم جمع وكنس النفايات لعدد من الشركات العاملة على الأراضي اللبنانية كافة، إلا أنّ التوقيع هذا لم يحلّ الازمة التي ترجمت تكديساً للنفايات في الشوارع.
لكنّ وزير البيئة يشدد على أنّ «المشكلة كانت في المالية، ولكنها حُلّت»، ويتوقّع أن «يعود العمل الى نمطه الطبيعي».
لكن، من منظار شركات الكنس فإنّ تأخير العودة الى العمل له تبريرات عدة، إذ تعتبر أنّ المواد التي وقّعها وزنة هي جزء وليست كلّ. وبالتالي فإنّ المبلغ المتبقي يفوق المبلغ الذي وقّع.
وتتخوّف من تأخّر سداد المبلغ نظراً للأوضاع التي تمر بها البلاد وإقفال المصارف.
امّا الإعتبار الثالث فيتصل بفارق سعر الصرف، اذ انّ الدولة تدفع لها بالليرة اللبنانية في حين أنّ المراسيم موقّعة بالدولار.
وأمام هذا الواقع، تبقى البلديات أمام خيارين: إمّا ترك النفايات تتكدّس في الشارع لعدم توفر الإمكانيات المادية لجمعها، أو تأمين مكبّات مؤقتة كحلّ، بانتظار الحلّ المستدام الموعود.
وفي هذا الإطار، يقول رئيس بلدية الدكوانة أنطوان شختورة إنّ «شركة رامكو كانت ترسل في السابق 4 آليات لإزالة النفايات من مستوعبات الدكوانة، لكنها اليوم باتت تستقدم آليتين فقط، بحجة أنّ الدولة لم تدفع لها مستحقاتها».
ويشدد على أنّه «لن يسمح باسترجاع مشهد تكدّس النفايات كسنة 2015، لذلك نقوم كبلدية باستئجار الآليات اللازمة لجَمع ما يتبقى من النفايات، وتوضيبها وتعقيمها ورميها في مكبّ استُحدث سنة 2015 في محلّة مار روكز بانتظار إيجاد حلّ للأزمة، لأنّ الناس لا يمكنها أن تتحمّل كورونا والنفايات معاً».