Site icon IMLebanon

إجراءات مكافحة الفيروس: بناء القمع يرتفع

كتب علي عواد في صحيفة “الأخبار”:

لا يمكن لأحد أن يمنّن مستخدمي شبكة الإنترنت حول العالم بخدمةٍ لم تُمنح لهم، بل خسر كثيرون أرواحهم في سبيلها. لكنّ الخوف عاد ليسيطر على الناس، وهذه المرّة مِن بوابة فيروس «كورونا». خوفٌ يدفع هؤلاء إلى الاستعداد للتضحية بحقوقهم كمستخدمين للإنترنت وللهواتف الذكية، بهدف الحصول على القليل من الحماية ضدّ العدوى، فيما تدرك الحكومات أن ما تسلبه مِن هذه الحقوق، لن تتخلّى عنه بسهولة في عالم ما بعد الوباء.

في السنوات القليلة الماضية، حذّر خبراء كثر من احتمال ظهور وباء عالمي، ودعوا الحكومات إلى أن تعدّ العدّة ليومٍ كهذا. وتكثر الأمثلة في هذا السياق: مِن بيل غايتس الذي حذّر مِن الأمر في عام 2015 إلى الطبيب المرموق أنتوني فاوتشي الذي رجّح عام 2017 حدوث وباء عالمي في السنوات المقبلة. ورغم التحذيرات الكثيرة المشابهة، إلا أن أحداً لم يكن مستعداً للتعامل مع وباءٍ تكمن معضلته في عدم توفّر علاج له. دفع ذلك بالدول إلى اتخاذ إجراءات عزلٍ صارمة، ترافقت، في بعضها، مع عمليات مراقبة غير مسبوقة لحركة البيانات والهواتف الذكية، ومواقع المستخدمين الجغرافية. نظرياً، يمكن لتلك البيانات الضخمة Big Data أن تغذّي ذكاءً اصطناعياً يتيح للدولة المشغّلة له السيطرة على أماكن تفشي الفيروس، والتنبؤ بأماكن ظهوره المحتملة قبل وقوع الكارثة. غير أن الإجراءات المتطرّفة في الحصول على البيانات ستصبح، كما اصطلح على تسميتها، «الوضع الطبيعي الجديد».

تجري عمليات مراقبة غير مسبوقة لحركة بيانات المستخدمين ومواقعهم

عن ذلك، يقول إدوارد سنودن، أحد أشهر المسرّبين في عالمنا، والموظف السابق لدى وكالَتي الاستخبارات المركزية والأمن القومي الأميركيتَين، إن السلطات الجديدة الممنوحة لقادة العالم بذريعة حال الطوارئ لن تختفي مع اختفاء الوباء. ويتساءل في مقابلة مع موقع «فايس»: «هل تعتقدون أنه بعد الانتهاء من الموجة الأولى للفيروس والثانية بل حتى السادسة عشرة، أن كل هذه القدرات لن يتم الاحتفاظ بها؟ ألا يتم الاحتفاظ بالبيانات هذه؟ بغضّ النظر عن كيفية استخدامها، فإن ما يتم بناؤه هو بنية القمع». ويضيف: «قد يكون المستقبل غير قابل للتنبؤ، لكن الأوبئة العالمية ليست كذلك. لا توجد حكومة واحدة على هذا الكوكب لم يتم تحذيرها مراراً من أن وباءً سيكتسح العالم في وقت ما، ما سيتسبب في موت أعداد لا حصر لها وشلل اقتصادي. ومع ذلك، فشل الجميع في الاستعداد لفيروس كورونا».
يذكّر سنودن بما حصل من إجراءات بُعيد هجمات 11 أيلول، والتي أتاحت للاستخبارات الأميركية القيام بعمليات تنصّت وتجسّس واسعة من دون الحاجة إلى مذكّرات قضائية، برعاية قوانين حال الطوارئ التي فرضتها إدارة الرئيس جورج دبليو بوش وقتذاك. وهذه الحالة لم تنته «فعلياً»، بل جرى التطبيع معها إذ أصبحت جزءاً من النظام الحالي. وتبدو مخاوف سنودن في محلّها، خصوصاً لجهة ربطه عملية تجميع البيانات الضخمة، حالياً، باستخدامات مرعبة لها على المدى القريب. هو يتحدّث عن استخدامها في الاستطلاعات السياسية والاستخبارات، ومن قِبَل شركات التكنولوجيا العملاقة، بحيث تتآكل الحرية حتى تنتهي في هذا العالم الجديد، وفق سنودن.
قبل أسابيع قليلة، بدأت محادثات بين الحكومة الأميركية وأكثر من 60 شركة مِن عمالقة التكنولوجيا – من بينها «غوغل» و«فايسبوك» – لبحث إمكانية حصول الحكومة على «موقع» و«حركة» كل مستخدمي الهواتف الذكية في الولايات كافة، بحجة مواجهة انتشار الفيروس. وبناءً عليه، بدأت الشركات بسرقة بيانات المستخدمين، ولكن من دون تحديد الأسماء، كما نشرت «غوغل» تلك البيانات على الإنترنت، ليس فقط تلك الخاصة بالولايات المتحدة، بل في جميع دول العالم، ولكن أيضاً من دون تحديد المستخدمين. غير أن سنودن ينفي أن تكون البيانات مبهمة وغير محدّدة، كما أنه يسخر من الحاجة إلى مثل تلك الأمور. ورغم أنه يشيد ببعض الحسنات في حالة تتبُّع حالة واحدة أو أكثر، لكن بما أن عدد الإصابات كبير وبمئات الآلاف، فإن هذا النظام يصبح غير ذي جدوى، بل مجرد أداة للتتبُّع. وتبسيطاً: إذا كانت الغالبية مصابة، فما الحاجة إلى تتبُّع الجميع؟ دول عدة سبقت الولايات المتحدة إلى مراقبة مواطنيها، بدءاً مِن الصين، وصولاً إلى إسرائيل وبريطانيا وروسيا، فيما تتّجه حكومات دول أخرى إلى تعزيز إجراءات المراقبة لمكافحة الوباء. ولدى سؤاله عن سبب عدم ذكر أحدٍ لما يحدث رغم أننا نعيش لحظةً بالغة الأهمية، يجيب سنودن: «لأننا خائفون».