كتب محمد شقير في صحيفة الشرق الأوسط:
مع أن رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير السابق جبران باسيل، هو أول من حرّض رئيس الجمهورية ميشال عون، على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وطالبه بعزله واصطدم في حينه برئيس الحكومة السابق سعد الحريري، فإنه أراد التراجع إلى الخطوط الخلفية، تاركاً لرئيس الحكومة الحالي حسان دياب، مهمة الهجوم على سلامة في سياق حملته على مكافحة الفساد، ظناً منه أنه يستوعب الشارع.
باسيل حصر حملته على سلامة بأنه ليس وحده المسؤول عن الانهيار، لكنه ليس وحده من ترك لدياب مهمة الهجوم، وكان سبقه «حزب الله»، الذي كان تزعّم الحملة على سلامة بذريعة عدم تصدّيه للعقوبات الأميركية المفروضة على الحزب، إلا أن لكل من باسيل و«حزب الله» حساباته الخاصة، فالأول يسعى لتطبيع علاقاته مع واشنطن في ضوء ما تردّد بأنها تعد لائحة بأسماء أشخاص تمهيداً لشمولهم بالعقوبات الأميركية.
وتؤكد مصادر دبلوماسية غربية لـ«الشرق الأوسط»، أن السماح للمتعامل السابق مع إسرائيل عامر فاخوري، بالسفر إلى واشنطن ما هو إلا مؤشر على عزم باسيل السير في تطبيع علاقته بالولايات المتحدة، وإن كانت «الصفقة» حصلت في الأسابيع الأولى من ولادة حكومة دياب.
وتلفت المصادر نفسها إلى أن «حزب الله» أدار ظهره لإتمام الصفقة فيما لم يحرّك الحكم والحكومة ساكناً، وإن كان وزير الخارجية ناصيف حتي، بادر من باب رفع العتب إلى استدعاء السفيرة الأميركية دوروثي شيا، لهذا الغرض، مع أنه يدرك أن الجواب على سؤاله من اختصاص أهل السلطة، وتعتقد أن تصرّف «حزب الله»، وكأنه آخر من يعلم، يكمن في أنه يريد توفير حماية للحكومة من جهة، وإعلام الخارج بأنها ليست حكومته، كما تزعم جهات دولية وعربية. وتقول المصادر إن الحكومة راهنت على أن الصفقة ستفتح الباب لتنقية العلاقات اللبنانية – الأميركية، لكنها سرعان ما اكتشفت أن باسيل هو المستفيد منها، وعمل على توظيفها لتسوية مشكلته مع واشنطن.
وتكشف المصادر أن هجوم دياب على سلامة شكّل نقزة لدى واشنطن ودول في الاتحاد الأوروبي، ليس من باب الدفاع عنه، وإنما لشعور هؤلاء بأنه يأخذ البلد إلى المجهول، وهذا لم يكن في حسبان رئيس الحكومة. وتقول بأن سفراء أوروبيين أبلغوا دياب بأن على الحكومة أن تستعجل إقرار ورقة الإنقاذ المالي والاقتصادي مقرونة برزمة من الإصلاحات المالية والإدارية كشرط للتوجه إلى التفاوض مع صندوق النقد الدولي، طلباً للمساعدة، خصوصاً أن وزير المال غازي وزني، كان باشر بإجراء مفاوضات مع الصندوق. وتنقل عن السفير الفرنسي برنار فوشيه، قوله أمام زواره، بأن من أولويات الحكومة الإسراع في إعداد الورقة الإصلاحية، وأنها في غنى عن تعميق الأزمة في الداخل، في إشارة إلى الحملات التي لا تستهدف المعارضة فحسب، وإنما تطاول «أهل البيت»، تحديداً رئيس البرلمان نبيه بري، وزعيم تيار «المردة» سليمان فرنجية، الذي كان التقى السيدة شيا، وعقد معها اجتماعاً مهماً من موقع اختلافهما حيال الأزمة في سوريا.
لذلك، فإن دياب تسرّع في إصدار الحكم على سلامة، وكان يُفترض أن ينتظر الحصيلة التي ستتوصل إليها الشركات التي كُلّفت التدقيق في حسابات مصرف لبنان، مع أنه كان في وسعه أن يطلب من الوزير وزني أن يوافيه بتقارير الشركتين اللتين تتولّيان حالياً التدقيق في حساباته، أو أن يعود إلى مدير عام وزارة المال آلان بيفاني، الذي هو عضو في المجلس المركزي لمصرف لبنان منذ 21 سنة، ويتقاضى راتباً إضافياً.
وتقول المصادر السياسية، إنه كان في وسع هذه الحكومة أن تصدر التعيينات لملء الشواغر في منصب نواب الحاكم ومفوض الحكومة لدى «المركزي»، ولجنة الرقابة على المصارف، وإن كان لا مانع من التمديد لها، وتؤكد أن التعيينات ستتيح القدرة لمراقبة سلامة، وبالتالي فإن الحكومة تتحمل مسؤولية التلكؤ في تأمين النصاب في المجلس المركزي.
ولم تعرف المصادر نفسها ما إذا كان سلامة سيبادر إلى تنعيم ردّه على دياب، الذي اكتشف أن «طحشته» ليست في محلها، وقد يكون البديل التفرُّغ لفتح ملفات خصومه في المعارضة بدعم من عون، وبناء لأجندة وضعها، كما تقول جهات نافذة في «قوى 14 آذار» سابقاً، الوزير السابق سليم جريصاتي، بدلاً من التفات الحكومة إلى معالجة الهموم المعيشية للبنانيين في ضوء عودة الانتفاضة إلى التحرك، وسط مخاوف من تفلّت الوضع الأمني الذي من مؤشراته مضي البعض في مخططه باستهداف المصارف من دون التصدّي لها كما يجب.