كتبت إيفون أنور صعيبي في “نداء الوطن”:
منذ العام 2016، وشركة “ZR Energy” تزخر بحصريّة الفوز بمناقصات الديزل أويل لصالح منشآت النفط في طرابلس والزهراني، رغم بعض الخروقات الخجولة لشركات أخرى. لكن قبل تلك الفترة، كانت شركة BB Energy المهيمن الرئيسي واللاعب الأبرز في سوق المشتقات النفطية اللبنانية، وبالأخص في مناقصات منشآت النفط حيث كانت تأكل حصّة الاسد من شحنات الغاز أويل (أي الديزل) باسم خزانات المنشآت. بذلك يبدو أن من يستحوذ على مناقصات منشآت النفط، يحظى بـ”لوكس” الانفراد بنقل الفيول أويل الى الدولة.
وُقّع العقد بين الجانب اللبناني و”سوناطراك”، وهي شركة النفط الوطنية الجزائرية، للمرة الاولى العام 2005. قضى الاتفاق بين الدولتين اللبنانية والجزائرية بتزويد السوق اللبنانية بالفيول الثقيل، لسد حاجات محطات توليد الكهرباء وهو وقود لا تنتجه الجزائر بكميات كافية. فمادة الفيول كناية عن مزيج من الترسبات النفطية مضاف اليها مواد كيميائية وذلك يعني إمكانيّة ألا تكون متاحة في الاوقات كافة، ما يتيح لـ”سوناطراك”، بحسب الثغرة الموجودة في العقد أي عدم تحديد مصدر واحد للاستيراد، امكانية الاستعانة بشركات نفطية تجارية خاصة لتأمين الكمية اللازمة للبنان. والجدير ذكره ان المنشآت كانت تستحصل على جزء من الفيول أويل وبيعه للسوق المحلية.
ومنذ الـ2005، يجري تفاوض دوري كل ثلاث سنوات مع سوناطراك يتم على أساس سعر الـPremium، الذي كانت الشركة الجزائرية توافق على خفضه نتيجة المفاوضات الايجابية، لكن مع استمرار الدولة اللبنانية بعدم امتلاك حق الاشتراط على مصدر الفيول، مكتفيةً بعبارة “أن يكون مطابقاً للمواصفات اللبنانية”. وفي العام 2018 جُدّد العقد الاخير خلال فترة تولي النائب الحالي والوزير السابق سيزار أبي خليل زمام الوزارة.
إحتمالات ثلاثة تحيط بهذه القضية حالياً، حسبما أعلنت مصادر مواكبة لهذا الملف لـ”نداء الوطن”: فإما أنّ “سوناطراك” بريئة من جناية المحاصصة اللبنانية وهو ما لا يبرّر الاستمرار بإقحامها طالما اعترفت علناً بخطئها، وأعربت عن نيتها بالتعويض على الدولة اللبنانية عن أي اضرار ناتجة من شحنة الفيول المغشوش. أو أنها قامت بتلزيم باطني لشركات لبنانية لتأمين الفيول اويل بدلاً منها، وبهذا تكون الشركة الجزائرية المتواطئ الاكبر وقد قررت أخيراً قلب الطاولة على شركائها اللبنانيين، ما يُنذر باحتدام هذا الملف خلال الايام القليلة المقبلة، ويمكن ان تكون فعلت ذلك نتيجة لعدم تحمل الوضع المالي الحالي في لبنان وبالتالي باتت تنوي إنهاء هذا العقد. ويبقى الاحتمال الأخير وهو أنّ الشحنات التي كانت تُرسل الى لبنان من الجزائر كانت تُبدّل أثناء تواجد الباخرة في أعماق البحار، وهذا ما يوجب التعمّق أكثر في التحقيقات لاستبيان حقيقة الأمور.
في كلّ الاحوال، كثيرة هي علامات الاستفهام التي تطرحها المصادر المواكبة حول التوقيت السياسي لتحريك هذا الملف: أولاً، لأنه، وحتى الساعة، لم يتم استدعاء أي من وزراء الطاقة المتعاقبين منذ العام 2005 الذين جددوا العقد مع الجانب الجزائري بطيب خاطر. وثانياً، لأن “التيار الوطني الحرّ” قد أثار القضية علماً أن وزراءه هم من تناوبوا على وزارة الطاقة منذ العام 2010، وبالتالي من المستغرب والمستبعد ألا يكون أحد منهم قد اكتشف هذا الخلل خلال 10 أعوام، وفي هذه الحالة، وبما أن الوزير الحالي ريمون غجر قد قالها صراحة خلال مؤتمره الصحافي أمس الأول، بأنه لا ينتمي الى “التيار الوطني الحر”، فما عليه سوى أن يقرن القول بالفعل وليصارح اللبنانيين بمجرى التحقيق وحقيقة الأمور، حتى لو كانت تطال وزراء “التيار”.
فالوزير هو الوصي المباشر على مختبرات المنشآت والتي تتم من خلالها فحص كافة أنواع المحروقات التي تدخل الأراضي اللبنانية، وبذلك يتحمل المسؤولية كاملة تحديداً بعد استمراره بنهج تخطي دور الادارة العامة للنفط (وفي ذلك مخالفة ثانية). وبما أن الوزيرة السابقة ندى بستاني قد تطرقت الى تقارير وزارية تؤكد رداءة الفيول المستورد، يُطرح السؤال: لماذا لم تتخذ إذاً أي إجراء خلال فترة تواجدها في الوزارة حيال هذه الفضيحة؟
ثالثاً، والأخطر، لماذا لم يُستدعَ ممثلو “BB Energy ” المهيمنة على مدى 20 عاماً على السوق المحلية، لتقتصر المذكرات القضائية على ZR Energy الجديدة نسبياً في السوق اللبنانية؟ وإذا ثبت أنّ هناك تلاعباً بنتائج الفحوصات المخبرية، وهذا ما استندت اليه النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون، فذلك يعني أننا نواجه مشكلة أكبر وهي في عدد الشحنات غير المطابقة للمواصفات التي أُدخلت الى لبنان… فهل يُحاسب القضاء كل المستفيدين؟