كتبت ايفا أبي حيدر في “الجمهورية”:
يملك غالبية اللبنانيين أموالاً او ودائع عالقة في المصارف اللبنانية، ولكن هل الاعتداءات المُمنهجة والفوضوية على المصارف ستساهم في تحريرها ام العكس صحيح؟ وهل هذه الاعتداءات كلها تعبير عن غضب ام انّ هناك من يدفع في اتجاه مزيد من الانهيار المالي لتحقيق مصالح خاصة؟
جولة عنف جديدة شهدتها بعض المناطق اللبنانية ليل الاثنين ونهار الثلاثاء (امس) استهدفت فروع المصارف اللبنانية، فعمدت الى تكسير واجهات المصارف وحرق البعض الآخر لا سيما في منطقة طرابلس، بما دفع جمعية المصارف الى اصدار قرار بإقفال جميع مقرّات وفروع المصارف في مدينة طرابلس الى حين استتباب الأوضاع الأمنية فيها.
في السياق، يتساءل الخبير المصرفي نسيب غبريل كيف انّ اعمال الشغب التي تطال المصارف تصبّ في صالح اموال المودعين، خصوصاً انّ جمعية المصارف صرّحت في بيان رسمي انها والمودع في خندق واحد في مقابل محاولات وضع اليد على القطاع المصرفي وودائع الافراد، وقد تجلّى ذلك خصوصاً في مسودة خطة الانقاذ المالي التي تعدها الحكومة والتي تتضمّن «هيركات» على الودائع بغض النظر عن نفي المسؤولين وتَنصّلهم منها.
تابع: انّ أعمال الشغب التي شهدتها بعض المناطق تجاه المصارف أدّت بالنتيجة الى إقفال المصارف في منطقة طرابلس والدفع في اتجاه اقفال المصارف عن طريق الاعتداءات، وهذا الوضع لا يصب مطلقاً في مصلحة المودعين. امّا القول انّ هذه الاعمال ناتجة عن غلاء المعيشة وتدهور سعر صرف الدولار، فنتساءل ما مسؤولية المصارف في ذلك؟ غلاء المعيشة يكوي الجميع من دون استثناء، ومعالجته من مسؤولية الحكومة وحماية المستهلك التي عليها ان تردع من يرفع الاسعار، وبالتأكيد انّ الحل ليس عبر القيام بأعمال الشغب وإحراق فروع المصارف.
ورأى انّ انعدام الثقة وهبوطها الى مستويات غير مسبوقة هو السبب الرئيسي لهذا التدهور المعيشي الذي نعانيه جميعاً، الى جانب كشف الحكومة في خطتها المالية الانقاذية نيّتها إجراء «قَص شعر» على نسَب معينة من الودائع.
واعتبر غبريل انّ لبنان يتخبّط راهناً بأزمتين: أزمة السيولة وأزمة الثقة التي من الصعب استعادتها في فترة قصيرة. تابع: لقد مرّ اكثر من 100 يوم على عمر الحكومة الا اننا لم نر منها حتى الآن اي خطوات عملية ومُقنعة تجاه الأزمة التي تتخبّط فيها البلاد، علماً انّ الخطوة الاولى يجب ان تبدأ بمفاوضة صندوق النقد الدولي على برنامج تمويلي واصلاحي يفترض ان تعدّه الحكومة.
وتساءل غبريل: مَن عرقل إقرار «كابيتال كونترول» وسحبه من التداول، والذي كان من شأنه تنظيم السحوبات والتحاويل المصرفية، الحكومة ام المصارف؟ هذا التخبّط الذي تعيشه الحكومة هو السبب وراء انعدام الثقة، وبالتالي التَسارع في انهيار سعر الصرف. ما هي الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لبدء حل أزمتي الثقة والسيولة؟ القرار الوحيد الذي اتخذته الحكومة حتى الآن هو التضحية بسمعة لبنان على عشرات السنوات من خلال اعلان التعثّر في 7 آذار عن دفع سندات اليوروبوندز، من دون ان يترافق ذلك حتى الساعة عن اعلان مشروع اصلاحي أو انقاذي، ومن دون البدء بالتفاوض مع صندوق النقد بما من شأنه ان يعزّز الثقة ويعطي مصداقية للبرنامج الاصلاحي. وينبغي أن يَستتبع ذلك ضَخ أموال وسيولة يحتاج اليها الاقتصاد اللبناني تدريجاً من صندوق النقد مع بدء تطبيق الاصلاحات، ويشجّع جهات أخرى على ضَخ سيولة مثل المؤسسات المتعددة الاطراف وصناديق ائتمانية… ولكن للأسف، حتى الآن لم تقدّم الحكومة على اي خطوة تهدّئ الاوضاع.
وعمّا اذا كانت الاعتداءات الليلية على المصارف هي فقط نتيجة غضب الشارع ام انّ هناك مُندسّين وراء هذه التحركات الهادفة الى مزيد من الانهيار؟ قال: نلاحظ منذ مطلع تشرين الثاني الماضي حملة مُمنهجة ضد الجهاز المصرفي لتحميله مسؤلية الأزمة وتحويل الانظار والمسؤوليات بعيداً عمّن أوصَل البلد الى ما نحن عليه اليوم من احزاب السلطة وسوء ادارة الشأن العام وانفلاشه وارتفاع كلفته، والتفلّت على الحدود، والتغاضي عن مكافحة التهريب وضبط الحدود وعدم مكافحة التهرّب الضريبي.
الى ذلك، أظهر مؤشّر بنك بيبلوس والجامعة الاميركية لثقة المستهلك في الفصل الاول من العام 2020 تراجعاً بما نسبته 19%، وبزيادة 49% مقارنة مع الفصل الاول من العام 2019. كما سجل المؤشر تراجعاً بنسبة 30 في المئة في الفصل الرابع من العام 2019. وتراجع المؤشر خلال شهر آذار 2020، بما نسبته 62 في المئة مقارنة مع الفترة عينها من العام 2019 ليسجّل بذلك أدنى مستوى منذ كانون الاول 2013. وأظهرت نتائج الفصل الاول من العام 2020 أدنى مستوى ثقة مسجّل منذ الفصل الرابع في العام 2016.