هي واحدة من المرات النادرة التي يخرج فيها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي عن طور خطاباته الهادئة نوعًا ما ليستنكر الهجوم الذي شنه رئيس الحكومة حسان دياب على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، مستهجنا ما سماه “حكما مبرما” أصدرته السلطة في حق سلامة من دون إعطائه الحق في الدفاع عن نفسه وإصدار الحكم بالطرق الدستورية.
وفي وقت بدت لافتة جدًا اللهجة التصعيدية لموقف البطريرك، مثيرة امتعاض البعض وإطراء الآخر، اعتبرت أوساط سياسية عبر “المركزية” أن توقيت هذا الموقف العالي النبرة من جانب سيد بكركي هو الرسالة الأهم التي يجب أن تتلقفها الحكومة وأركان المجتمع السياسي الماروني على السواء.
وأشارت في السياق إلى أن الدفاع الواضح من جانب البطرريرك عن حاكم مصرف لبنان يبدو طبيعيا، بالنظر إلى الوضع الراهن للمؤسسات الرسمية والسياسية في البلاد حيث أن المس بأي موظف يدفع بعض رجال الدين إلى اعتلاء المنابر انتصارا لما يعتبرونه “مسا بالطائفة”، بدليل أن متروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة، على سيبل المثال لا الحصر، استهجن، تماما كما البطريرك الراعي، التعيينات التي أجرتها الحكومة أخيرا في الأجهزة الرقابية.
على أن الأهم يكمن في رأي المصادر، في أن تصعيد الراعي أتى في وقت يعتصم أغلب الزعماء بالصمت عن هذه الحملة على الحاكم، فيما رفع البعض طويلا شعار “حقوق المسيحيين” مستمدا منه القوة، غير أنه في هذا التوقيت اختار الوقوف في موقف الهجوم…
على أي حال، فإن المصادر تقرأ بين سطور هذا النوع من الخيارات السياسية حسابات رئاسية بعيدة المدى قد يكون بعض المرشحين المحتملين إلى الاستحقاق الرئاسي المقبل بعد سنتين بدأ بإجرائها باكرا، ما يحتم عليه تجنب المواقف العالية النبرة التي من شأنها أن تستفز بعض أطراف الداخل والخارج على السواء، مذكرة بأن مهمة جمع القادة الموارنة إلى طاولة واحدة لا تزال بعيدة المنال للأسباب الصحية المرتبطة بكورونا، كما لتلك المتعلقة بالتكتيك والاستراتيجية السياسية على المدى البعيد”.