Site icon IMLebanon

“ثورة الجياع” اندلعت.. والسلطة تشهر سلاح “المندسين”!

على دارج عادة الأنظمة القمعية التي ما أن تستشعر تعاظم غضب الناس حتى تسارع إلى التلطي خلف مصطلحات خشبية، تبرر لها قمع شعوبها فتضع المنتفضين منهم إما في مصاف “الجراثيم” أو “المتآمرين” أو “المندسين”… وعلى هذه الخطى تسير السلطة الحاكمة في لبنان وتدفع أكثر فأكثر نحو “لعبة الدم” من خلال الإمعان في تسليط الجيش والقوى الأمنية على التصادم مع أفواج المتظاهرين المتنقلة والمتمددة بين المناطق والأحياء، بذريعة التصدي لـ”مندسين” يعيثون خراباً وتخريباً في الأملاك العامة والخاصة، فكانت النتيجة خلال الساعات الأخيرة أن سالت دماء المواطنين في طرابلس على مذبح دفاع القوى العسكرية عن طبقة حاكمة فاسدة، تتوارى خلف حكومة “ماريونيت” تُحرّكها عن بُعد وتستخدمها مطيةً لتخدير أوجاع المواطنين وتدجين مطالبهم. غير أنّ مجريات الأمور ميدانياً بيّنت أمس أنّ “ثورة الجياع” اندلعت لتبدأ معها أمواج “النهر الجارف” بالتشكل وستأخذ مداها خلال الأيام المقبلة، لتبلغ امتدادات عابرة للطوائف والمناطق على مستوى الخارطة الوطنية.

وتحت وطأة تسارع عمليات الكر والفر في العاصمة ومختلف المناطق بين الجيش والثوار، تعمد الحكومة إلى تسريع خطواتها الآيلة إلى وضع خطتها الإصلاحية على السكة التنفيذية، تمهيداً لإقرارها على طاولة مجلس الوزراء غداً الخميس، مستهلةً بسلسلة تدابير اتخذتها أمس على الطريق نحو “مكافحة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة”، وفق الآلية التي وضعتها وزارة العدل وترمي إلى البدء في تطبيقاتها الأسبوع المقبل، في حين سيعقد مجلس الوزراء اليوم جلسة استثنائية في السراي لاستكمال دراسة الورقة الإصلاحية المالية ووضع اللمسات الأخيرة عليها عشية جلسة بعبدا غداً. وكشفت مصادر وزارية لـ”نداء الوطن” أنّ هذه الورقة ستتضمن توجهاً نحو إعادة تثبيت سعر صرف الليرة عند حدود لا تتجاوز الـ3000 ليرة للدولار، لافتةً إلى أنّ المساعي المبذولة في هذا المجال تطمح إلى الوصول بسعر الصرف إلى مستويات أقل قد تصل إلى ما يقارب الـ2600 ليرة للدولار، بغية إحداث صدمة إيجابية في الشارع تبرّد أرضية الأزمة المستفحلة مع الالتزام بوضع جدول زمني تطبيقي لذلك لا يتخطى العشرة أيام، وأشارت إلى أنّ هذا الموضوع يتم التنسيق بشأنه بين الحكومة والمصرف المركزي وجمعية المصارف، التي تولّت لجان تقنية منها خلال اليومين الماضيين عقد اجتماعات مع فريق رئيس الحكومة حسان دياب، لوضع ملاحظاتها على الورقة الإصلاحية المالية المنوي إقرارها، على أن يزور وفد من الجمعية برئاسة سليم صفير اليوم السراي للاجتماع مع دياب للغاية نفسها.

واليوم، تتجه الأنظار عند الساعة الثانية عشرة ظهراً إلى الكلمة المتلفزة التي سيلقيها حاكم المصرف المركزي رياض سلامة، لوضع الرأي العام أمام حقيقة مسببات الهدر والخسارة في خزينة المصرف، مفنداً بالأرقام والوقائع الأسباب السياسية التي أوصلت الوضع النقدي في البلد إلى ما وصل إليه، من شغور رئاسي وتعطيل للمؤسسات وتوظيفات عشوائية وقرارات شعبوية كبدت الخزينة أعباء مضاعفة أبرزها سلسلة الرتب والرواتب. وعشية إطلالة سلامة حاول أركان الحكم استمالته عبر وسطاء دخلوا على خط إعادة تفعيل التواصل بينه وبين دياب الذي سعى، بحسب مصادر مواكبة لهذه الاتصالات، إلى إيصال رسائل “تستسمح” حاكم المركزي عما بدر من رئيس الحكومة من هجوم لفظي عليه إثر جلسة مجلس الوزراء في بعبدا، وتطلب منه عقد لقاء بعيد من الإعلام في السراي لشرح حقيقة الموقف وإيضاح الأسباب التي دفعته إلى ما قاله، غير أنّ سلامة آثر عدم اللقاء مع دياب قبل إطلالته المتلفزة اليوم بينما نجحت الاتصالات والوساطات في ضبط هذه الإطلالة تحت سقف “الخطاب التقني”، علماً أنّ المصادر أكدت لـ”نداء الوطن” أنّ المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم لعب دوراً محورياً في هذا المجال، وهو سيزور السراي الحكومي اليوم لوضع دياب في حصيلة المشاورات التي أجراها في سبيل إعادة قنوات التنسيق الحكومي مع سلامة.

وفي السياق نفسه، أكد مصدر سياسي رفيع لـ”نداء الوطن” أنّ الحكومة صرفت النظر عن موضوع إقالة حاكم المصرف المركزي، وقد تقاطعت الرسائل بهذا الخصوص للتأكيد على كون رئيس الحكومة اكتشف مدى فداحة الخطأ الذي ارتكبه في استهداف واتهام سلامة، في حين تولى “التيار الوطني الحر” إيصال رسالة إلى الأميركيين يؤكد فيها أنه لم يعد معنياً بعملية الإطاحة بالحاكم، وكذلك فعل “حزب الله” الذي أبلغ المعنيين عبر وسطاء بأنه لم يكن وراء هذه الفكرة أساساً، إنما كل ما يصبو إليه هو تعديل الأداء في سياسات المصرف المركزي النقدية، وكشف المصدر أنّ الحكومة قطعت وعوداً بأن تشهد الفترة المقبلة إعادة وضع ملف تعيين نواب حاكم مصرف لبنان والتعيينات المالية الأخرى، على طاولة مجلس الوزراء لإقرارها.

وفي الغضون، لوحظت خلال الساعات الأخيرة “طحشة” غربية باتجاه إعادة تصويب بوصلة الحكومة نحو عملية الإصلاح ومكافحة الفساد بعيداً من المنزلقات السياسية الكيدية والانتقامية، وفي هذا المجال برز الدخول الأميركي والفرنسي بقوة على خط التواصل مع الحكومة لدفع عجلة الإصلاح قدماً، فكانت النصيحة الفرنسية بتسريع الاتصال والتنسيق مع صندوق النقد الدولي لمساعدة الدولة اللبنانية على وضع الأسس السليمة للخروج من أزمتها الاقتصادية والمالية، في وقت استرعت الانتباه زيارة السفيرة الأميركية إلى السراي الكبير حيث اجتمعت مع دياب على مدى ساعة من الوقت. وحول مجريات اللقاء، أكدت مصادر السراي لـ”نداء الوطن” أنّ الاجتماع تناول موضوع حاكم مصرف لبنان، فشرح رئيس الحكومة ملابسات هذا الموضوع وما رافقه إعلامياً، بينما ركزت السفيرة الأميركية في أسئلتها على ملف الخطة الإصلاحية والرؤية المالية للحكومة والموعد المقرر لإقرارها.