كتب ربيع سرجون في “الأنباء”:
لم تحد الحكومة عن المسار الذي رسمته لنفسها. حروب صوتية، ومعارك كلامية بمواقف عالية، وفيما بعد يتم التراجع عنها. كما كان متوقعاً من قبل، وكما ذكرنا لأكثر من مرة على صفحات “الأنباء”، فها هي الحكومة تراجعت عن الصوت العالي الذي رفعته ووصل إلى حد التلويح بإقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. طوال يوم أمس كانت ترسل إشارات متعددة باتجاهات مختلفة بأنها لم تكن في وارد إقالة حاكم مصرف لبنان، وبالتالي تكون هذه المرة الخامسة التي تتراجع فيها الحكومة عن عنوان أساسي من العناوين التي طرحتها.
لهذا التراجع إعتبارات عديدة، هو أن أركان الحكومة والقيمين عليها، لا يريدون لحاكم مصرف لبنان أن يكشف كل ما بحوزته من معلومات ستدينهم، وبالتالي هم فتحوا جملة مراسلات غير مباشرة معه تحثه على عدم قول كل ما لديه، مقابل تخفيف الحملة عليه، ووقف المساعي لإقالته، وثانياً التحرك الذي اطلقته السفيرة الأميركية في بيروت ولقائها مع رئيس الحكومة حسان دياب، إذ شددت على أنه لا يمكن تحميل المسؤولية كاملة لرياض سلامة أو لغيره، ولا بد من إجراءات إصلاحية جدية وجذرية بعيدة عن الحسابات السياسية، وثالثاً شددت على وجوب تقديم الخطة الإقتصادية لصندوق النقد الدولي، لأنه الجهة الوحيدة المخولة بمساعدة لبنان.
تجد الحكومة نفسها مجدداً مطوّقة في شعارات جوفاء يختارها لها من ينوب عنها، وفي كل مرة، تجد نفسها في مواجهة مع أركانها، ومع الناس، ومع المجتمع الدولي، وهذا ما بدا واضحاً في الساعات الاخيرة، خصوصاً لدى وقوفها عاجزة أمام التحركات الشعبية في مختلف المناطق اللبنانية، ولم يكن لدى الحكومة سوى استخدام عبارات استخدمها النظام السوري في قمع تحركات واحتجاجات الشعب السوري في بداية العام 2011، من دون تقديم أي طروحات جدية يحتاجها اللبنانيون لاستعادة الأمل، واسشعار أي إمكانية للولوج إلى الحل.
تضع الحكومة لبنان على مفترق طرق خطير، خاصة إذا لم تقلع عن السياسة التي أرادت اتباعها منذ نيلها الثقة، والتي لا تؤدي إلا إلى التوتر في الشارع، واستنفار الناس للدفاع عن حقوقها ومطالبها وحقها بالعيش بمواجهة كل محاولات التشفي السياسي التي تقودها هذه الحكومة، فيما الناس تنتظر منها عكس كل هذا النهج. من الواضح أن الأيام المقبلة ستكون ملأى بالتحركات والمخاطر.