… كيف سينجو لبنان من «مثلث الرعب» الذي يقْبض عليه مُنْذِراً بمرحلةٍ قاسية محفوفة بشتى المخاطر وتحْكمها معادلةٌ باتت تراوح بين الانقلابِ على الهوية المالية – الاقتصادية وبين تغيير وجْهها السياسي، وسط أعمال الشغب المستجدة؟
سؤالٌ بدأ يشقّ طريقه في بيروت من خلْف «غبار» التدافُع السياسي الخشن المستعاد بين رعاة حكومة الرئيس حسان دياب وخصومهم، وملامح اقتراب «بركانِ الغضب» من الانفجار الحارِق، ومضيّ الانهيارِ المالي في جرْف الليرة اللبنانية على تخوم نكبةٍ اقتصادية – اجتماعية تتدحْرج تداعياتُها المعيشية المُخيفة.
ولم يكن صوتُ «النفيرِ» السياسي الذي نَقَل «الحرب الباردة» بين الحكومة والمعارضة إلى مستوى المكاسَرة الشرسة في ظِلال المَخاوفِ المتعاظمة من اتخاذ عنوان الإنقاذ المالي ومكافحة الفساد منصّةً لـ«اصطياد» الخصوم من ضمن «مسارِ إلغائي» يُمْعِن بكسْر التوازنات الداخلية، أعلى من دويّ الشارع العائد من «هدنة كورونا» إلى جولاتِ احتجاجٍ لا تشبه النسخة الأولى من «ثورة 17 أكتوبر»، وبدت مشهديةُ العنف والحرائق في عاصمة الشمال طرابلس أمس وليل الاثنين «اول الغيث» فيها، هي التي تخلّلها حرْق غالبية فروع المصارف بالتوازي مع مواجهاتٍ مع الجيش اللبناني أدّت إلى مقتل أحد المحتجين وجرْح نحو 15 آخَرين في موازاة إصابة 54 عسكرياً بينهم 6 ضباط.
وعزّز انزلاق الاحتجاجات في طرابلس على انهيار الليرة أمام الدولار والغلاء الجنوني، وما رافقها من حركةِ قطْع طرق في العديد من المناطق في الطريق إلى يوم «الزحف» إلى وسط بيروت في الأول من مايو، المخاوفَ من أن يكون لبنان الذي يبدو كأنه «يسير على حد السيف» دَخَل النفق الأسود الذي لا خروج منه إلا بعد فوضى تستقطب «مستثمرين» كثراً ويعزّز من مَخاطرها أداء السلطة التي عوض أن تركّز على حصْر أضرار «اللغم» المالي والحؤول دون إطاحته بما تبقى من «صمامات أمان» اختارتْ تحويله «جاذبة صواعق» عبر سعي لجعْل حاكمية مصرف لبنان والمصارف «كبش محرقة» في الأزمة المالية بخلفياتٍ سياسية داخلية وخارجية، وفتْح «جبهات» مع المعارضة وتهديدها بـ«السجون» وسط رفْع رعاتها عنوان «الحكومة باقية والبديل عنها الطوفان أو مؤتمر تأسيسي».
وعزّز هذه الخشية موقف المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش، الذي اعتبر أن «الأحداث المأسوية في طرابلس التي تَواجه فيها المتظاهرون غير السلميين مع الجيش والتي أدت إلى استشهاد متظاهر ووقوع إصابات من الطرفين ترسل إشارة تحذير للقادة السياسيين في لبنان»، معلناً «هذا ليس الوقت المناسب لتبادل تصفية الحسابات أو الاعتداء على البنوك، بل إنها اللحظة التي يتعيّن فيها توفير الدعم الملموس للغالبية المتزايدة من اليائسين والفقراء والجائعين من اللبنانيين في جميع أنحاء البلاد».
وجاء موقف كوبيتش، الذي تَرافَقَ مع زيارة بالغة الدلالات هي الأولى للسفيرة الأميركية دوروثي شيا لرئيس الحكومة، فيما كانت ألسنة النار تتصاعد من فروع مصرفية في طرابلس أُحرقت بعيد تشييع الشاب فواز السمان (26 عاماً) الذي قضى متأثراً بجروح أصيب بها في صِدامات ليل الاثنين مع الجيش الذي عبّرت قيادته عن «بالغ أسفها لسقوط شهيدٍ خلال احتجاجات الاثنين»، متقدّمةً بأحرّ التعازي لذويه، ومؤكّدةً «أنّها فتحت تحقيقاً بالحادث»، ومشددة على «احترام حقّ التعبير عن الرأي، شرط ألا يأخذ التحرّك منحى تخريبيّاً يطول المؤسّسات العامّة والخاصّة».
وخيّم الدخان الأسود المتصاعد من عاصمة الشمال – التي تجدّدت فيها المواجهات مع الجيش وسط استهدافٍ لآليات عائدة له – على جلسة الحكومة التي اجتمعت برئاسة دياب أمس وأطلقت ما بدا أنه إشارات «فرْملة» لبطاقة الإطاحة بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة (يطل اليوم ليردّ على اتهامات رئيس الحكومة بحقه على خلفية أدائه النقدي والمالي) عبر ما نُقل عن دياب من أنه «لم يطلب إقالة سلامة إنما أن يوضح الأخير الأرقام وتحمّله المسؤولية»، وسط استعدادِ خصوم الحكومة لا سيما الرئيس سعد الحريري والزعيم الدرزي وليد جنبلاط لـ«التصعيد الكبير» سياسياً بوجه «المنحى الانتقامي» لعنوان مكافحة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة، وسط رصْد لما قرره مجلس الوزراء في شأن آليات تنفيذه ومداه الزمني.
وكان لافتاً دخول «حزب الله» علناً على خط الموقف من معركة الحكومة مع حاكم «المركزي» والتي تُقابَل باستياء دولي يشي بارتداداتٍ بالغة السلبية على لبنان لا سيما في ظل اعتبار واشنطن سلامة والقطاع المصرفي، إضافة الى الجيش، من مرتكزات الثقة بالواقع اللبناني بشقّه المتفلّت من تأثير «حزب الله».
وفي هذا الإطار، حمل موقف نائب الأمين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم إشاراتٍ حمّالة أوجه برسْم حاكم «المركزي» وخصوم الحكومة كما الخارج، معلناً «أن ما وصلنا إليه في لبنان من أزمات هو نتيجة تراكم سنوات طويلة من سياسات الحكومات السابقة»، ومشيراً إلى «أن حاكم مصرف لبنان يتحمل مسؤولية ما وصلنا إليه لكن ليس لوحده».
وشدد على «أن موقف الحزب من موضوع الحاكم واضح وهو ضرورة مناقشة مسألة المصرف المركزي داخل الحكومة وليس في الإعلام حتى يتخذ القرار المناسب في هذا الإطار على أساس تقديم مصلحة البلد على أي شيء آخر».
ولفت إلى «أن هناك أطرافاً تريد إسقاط الحكومة لكنَّ إمكاناتها والظروف الموضوعية لا تسمح لها بالوصول إلى هذا الأمر»، مؤكداً «أن الحكومة قوية وثابتة ومتماسكة وهي بدأت خطوات عملية من أجل وضع البلد على الخط الصحيح».
ولم يحجب هذا الصخب الأنظار عن خطر «كورونا» الذي تتزايد التحذيرات من موجة ثانية له قد تطلّ من قلب «تظاهرات بلا تدابير احترازية»، وسط تسجيل 7 حالات جديدة رفعت العدد الإجمالي إلى 717 إصابة، ورصْد لما ستحمله المرحلة الثانية من إجلاء اللبنانيين المنتشرين التي بدأت أمس وتستمر أسبوعاً.