كتب عمر البردان في “اللواء”:
لا أحد بالتأكيد لا يريد مكافحة الفساد وملاحقة الفاسدين واستعادة الأموال المنهوبة. لكن السؤال الذي يطرح: هل بإمكان حكومة الرئيس حسان دياب ومن خلال خطتها الإصلاحية التي سيقرها مجلس الوزراء في جلسة يعقدها، اليوم، في قصر بعبدا برئاسة الرئيس ميشال عون، بعد الانتهاء من مناقشتها، أمس، أن تحقق الغاية المرجوة من الخطة الموضوعة للسير على طريق الإصلاح في ظل الظروف الضاغطة التي يمر بها البلد؟. لا شيئ يؤكد أن الحكومة قادرة على تنفيذ ما وعدت به بالنسبة للخطوات الإصلاحية التي تشكل أبرز مطالب الثورة التي استعادت وهجها هذه المرة وبقوة لافتة، لأن أحداً من المتسلطين على رقاب اللبنانيين، لا يريد الإصلاح ولا حتى يستسيغ سماعه، سواء من هم داخل الحكومة أوخارجها.
وبالتالي فإن هذه الورقة المالية الإصلاحية التي أعدها وزير العهد سليم جريصاتي، والتي تتضمن اجراء تحقيقات لتحديد الحسابات التي اجريت منها تحويلات مالية واتخاذ اجراءات بحق صاحبها، واتخاذ تدابير آنية وفورية لمكافحة الفساد واستعادة الاموال المنهوبة، إضافة إلى مشروع قانون معجل يتعلق باسترداد تحاويل الى الخارج جرت بعد تاريخ 17 تشرين الاول 2019، توازياً مع استكمال البحث في الصيغة النهائية للخطة الاصلاحية للحكومة، توصلا لاقرارها، تثار بشأنها تساؤلات عديدة بشأن جدية الحكومة في التزامه، وهل أن الظروف الحالية القائمة ستساعد على إنجازها؟
وإذا كانت عودة الثوار إلى الساحات، وبهذا الشكل الذي ينذر بتصاعد المواجهة على نحو غير مسبوق، ستدفع الحكومة إلى التمسك بخطتها الإصلاحية أكثر من أي وقت مضى، إلا أن واقع الأمر مختلف تماماً عما تعتقده الحكومة، لأنها في مرحلة لاحقة ستجد نفسها أمام الحائط المسدود، لأن أحداً لن يتعاون معها، ولن يبدي أحد استعداده للتجاوب مع مطالبها، بمعني أن هذه الخطة ستلقى مصير غيرها من الخطط التي وضعت من قبل الحكومات المتعاقبة، ولم ترَ النور على مدى أكثر من ثلاثين عاماً. واستناداً إلى ما تقوله أوساط سياسية لـ«اللواء»، فإن أحداً لا في السلطة ولا خارجها، بإمكانه مواجهة شبكة الفساد التي تقبض على المفاصل الأساسية في الدولة. فهي في كل عهد تعمل على تقوية نفوذها وبسط سيطرتها على مؤسسات الدولة، السياسية والمالية، ما يجعل هناك شبه استحالة في محاربتها، وبالتالي لم تنفع كل محاولات تطويقها ومحاصرتها، بالرغم من كل عمليات الإصلاح الإداري الذي قامت به حكومات ما بعد «الطائف» إلى اليوم.
ولا تعول الأوساط السياسية على ما تنوي الحكومة تنفيذه من برامج إصلاحية، في وجود شكوك كبيرة بإمكانية أن تلقي استجابة الدوائر المالية المعنية، بعدما سبق لهيئة التحقيق المالية في مصرف لبنان، أن رفضت التجاوب مع كتاب المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات، بتزويده لائحة بأسماء أصحاب التحويلات المالية في الأشهر الأخيرة، وبأرقام هذه التحويلات في إطار التحقيقات التي يقوم بها على هذا الصعيد، وهو ما يعطي انطباعاً واضحاً عن المنحى الذي ستصل إليه عملية الإصلاح المالي، وبما يشكله هذا التصرف من حماية موصوفة لعمليات تهريب الأموال إلى الخارج، بمشاركة المصارف ومصرف لبنان معاً، بالرغم من تبريرات حاكمه رياض سلامه في رده على الرئيس دياب، في الوقت الذي لا زال الثوار يطالبون باستعادة الأموال المنهوبة، كأحد المرتكزات التي قامت عليها ثورتهم في السابع عشر من تشرين الأول الماضي. وهذا التخبط في أداء مصرف لبنان واستمرار المصارف في إهانة المواطنين اليومية، وتالياً فقدان الدولار من الأسواق وارتفاع سعره بشكل غير مسبوق، كلها عوامل ستسرع عاجلاً أم آجلاً في الانفجار الكبير الذي ظهرت مؤشراته في الشارع بعد أحداث طرابلس ومناطق أخرى، طالما أن معالجات الحكومة وأجهزتها المالية عاجزة عن القيام بدورها في حماية الناس والشعب، وإلا ما هو تفسير هذا الفشل الذريع للدولة ومؤسساتها المالية والمصرفية، في التصدي لهذا الفلتان للدولار الذي تجاوز كل الحدود.
لكن في المقابل، فإن قيادات سياسية في المعارضة، لا تبرئ أطرافاً سياسية في فريق «الثامن من آذار» بوصول الوضع المالي إلى ما وصل إليه، مشيرة إلى أن الحملة التي تستهدف الحاكم سلامة لم تعد خافية على أحد، وفي جانب كبير منها يتولى «حزب الله» مسؤولية مباشرة في التصويب على سلامه بعد اعتراف الاميركيين بأن حاكم «المركزي» تعاون معهم لإقفال حسابات عائدة للحزب، سعياً للإطاحة به لتعيين آخر يتماشى مع سياسة الحزب المالية، في ظل الحصار المالي الذي يواجهه، ومن أجل اتخاذ ما يلزم من إجراءات لتخفيف حجم هذه الضغوطات، وهو أمر بالغ الخطورة بالنظر إلى انعكاساته الخطيرة على لبنان واقتصاده، سيما وأن حصول هذا الامر سيكون بالتأكيد ضد مصلحة لبنان، لأن المجتمع الدولي لن يسمح لـ«حزب الله» أن يضع يده على اقتصاد لبنان، مع ما لذلك من مخاطر جسيمة على ما تبقى من مرتكزات لهذا الاقتصاد الذي خسر الكثير من مميزاته في السنوات الماضية، في ظل التراجع الكبير في الأرقام المسجلة. ولا يبدو أن هناك أي استعداد دولي لتقديم مساعدات للبنان كما كان يأمل، في أعقاب النتائج المزلزلة التي أصابت اقتصادات الدول، وهو ما ظهر جلياً في تراجع أسعار النفط على نحو غير مسبوق للمرة الأولى في التاريخ.
ولهذا فإن المطلوب برأي هذه القيادات، أن تدرك الحكومة جيداً حجم مسؤولياتها، وأن لا ترمي كرة الفشل على غيرها، كما حصل من خلال حملة الرئيس دياب على حاكم «المركزي»، باعتبارها المسؤولة عن اتخاذ ما يلزم من إجراءات، بالتشاور مع المصرف المركزي، لانتشال لبنان من الأزمة الخانقة التي يتخبط فيها. الأمر الذي يرتب ضرورة أن يكون مجلس الوزراء قادراً على السير بمشروعه الإصلاحي حتى النهاية، بوضع يده على حقيقة الأزمة، وأن يكشف للبنانيين إذا كانت لديه الجرأة، عن الذين يقفون وراء هذه الأزمة المالية، ويبادر إلى اتخاذ ما يلزم من إجراءات حاسمة للانقاذ، لأن أحداً من الأشقاء أو الأصدقاء لن يبادر إلى المساعدة، ما يجعل عملية الانقاذ مسؤولية وطنية بالدرجة الأولى.