كتب علي زين الدين في “الشرق الاوسط”:
خرج حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، عن التحفظ المألوف الذي يغلب على تصريحات محافظي البنوك المركزية، مقدماً مطالعة دفاعية مطوّلة ذات أبعاد قانونية وإجرائية ونقدية رداً على حملات «التشكيك الممنهجة التي تستهدفه»، ومستجيباً للرد علناً على تهمة «الغموض المريب» التي وجهها إليه رئيس الحكومة حسان دياب.
وفي بيان متلفز موجّه مباشرةً إلى الرأي العام عبر القنوات المحلية ونقلت أجزاء منه قنوات عربية وأجنبية، فنّد سلامة آليات العمل واستهدافات القرارات والتعاميم التي اتخذتها السلطة النقدية. وأكد أن حسابات مصرف لبنان خاضعة لقانون النقد والتسليف ولمراقبة شركتين دوليتين. وقال إن سياسة الاستقرار النقدي حظيت دوماً بإجماع سياسي ووطني، وهي متواصلة في تغطية واردات السلع الاستراتيجية التي تشمل خصوصاً المحروقات والقمح والدواء، فضلاً عن توجيه موارد لتغطية حاجات الصناعة المحلية من المواد الأولية.
وحسم سلامة موقفه من إصرار الحكم والحكومة على المشاركة في صوغ التدابير وإعداد الإجراءات ذات الصلة بتنفيذ السياسة النقدية المتّبعة في إدارة شؤون القطاع المصرفي والأسواق المالية والنقدية، مؤكداً: «مارسنا سياسات عن قناعة وعن إخلاص، وهمّنا الدفاع عن استقلالية المصرف المركزي، وليس هناك في القانون ما يفرض علينا التنسيق مع جهات حكومية في أي تعميم».
وإذ شدد على أن ميزانية البنك المركزي متطابقة مع المعايير الدولية للمصارف المركزية في الخارج، ذكر أنه سلّم رئيس الحكومة حسان دياب في 9 مارس (آذار) الماضي حسابات البنك المركزي وحسابات التدقيق. وبذلك «لا معلومات مكتومة ولا أحادية في قرارات الإنفاق يمكن أن يتمتع بها حاكم مصرف لبنان، والقول بالعكس افتراء يهدف إلى تضليل الرأي العام من أجل تعزيز الحملة المبرمجة على الحاكم شخصياً».
وفي رد على اللغط القائم بشأن حجم الاحتياط القائم بالعملات الصعبة وتدنيه إلى حدود مقلقة، أكد سلامة توفر نحو 20.9 مليار دولار لدى البنك المركزي، كما تم إقراض المصارف نحو 8 مليارات دولار. وكشف عن صرف 863 مليون دولار على استيراد المواد الأولية و843 مليون دولار على مستوردات المحروقات.
وكشف سلامة أن إجمالي عجزالموازنة وعجز الميزان التجاري بلغا نحو 81 مليار دولار في الأعوام الأربعة الماضية ويحتاج لبنان إلى 16 مليار دولار سنوياً للاستمرار في تلبية متطلباته التمويلية. وأوضح أن 5.9 مليار دولار خرجت فعلاً من المصارف في الشهرين الأولين من هذا العام، كما صرح رئيس الحكومة، منها 3.7 مليار لتغطية قروض، وملياران و200 مليون دولار سُحبت نقداً من حسابات الزبائن في المصارف.
وركز على أن المصرف المركزي موّل الدولة، ولكنه ليس هو من أنفق الأموال. الدولة بوضع عجز مالي ولا تقوم بإصلاحات، و«المركزي» التزم القوانين التي فُرضت عليه التمويل الذي طلبته الدولة في موازنات السنوات الأخيرة، مبرراً بأنه «مطلوب من مصرف لبنان عند إصرار الحكومة على التمويل القيام بذلك، ويحق لنا طلب السندات بالمقابل، حيث نسيطر على 60% من الدين بالليرة اللبنانية، وأسهمنا بتخفيض كلفة الدين العام من خلال إقراض الدولة بفوائد أدنى من فوائد السوق، وأصبح لدينا 16 مليار دولار دفعناها عن الدولة على أمل أن نستردها».
وأضاف: «أُجبرنا على القيام بالهندسات المالية لنربح الوقت كي تتمكن الدولة من إصلاح نفسها، ولكن ذلك لم يحصل. والهندسة التي نفّذناها في العام أوصلت لبنان إلى مؤتمر سيدر، وإن لم يتم تحقيق نتائج المؤتمر فهذا ليس ذنب المصرف المركزي»، علماً بأن هذه العملية موّلتها المصارف المحلية وخضعت حصيلتها الربحية البالغة نحو 5.6 مليارات دولار إلى الاقتطاع الضريبي المعتمد لصالح الخزينة.
وعن سعر صرف الدولار، قال: «سعر الصرف يتأثر بقاعدة العرض والطلب، ونحن لم نتفرج بل حاولنا أن نضبط تحرك سعر الدولار عند الصرافين. أما بالنسبة لشركات تحويل الأموال، فهي كانت تعمل على أساس أن الدولارات التي تتلقاها تدفعها بالليرة، ولكن هذا الأمر أصبح مجحفاً، وهنا تدخلنا لتحويل الدولار بسعر السوق. وما يهمنا هو الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين، ونعمل للنجاح في هذا الأمر في ظل ظروف صعبة ومعاكسة».
وأكد لأصحاب الودائع أن «ودائعهم موجودة في المصارف»، مبيناً أنه «لا ضرورة للاقتطاع منها (Haircut) وهذا لم يحصل حتى في حالة قبرص التي شهدت إفلاس مصارف وحماية المودعين عبر تعويضهم بالأسهم. وأكد: «لن نقبل بإفلاس المصارف حمايةً للمودعين، وطلبنا من المصارف زيادة رساميلها بنسبة 20% توازي نحو 4 مليارات دولار حتى منتصف العام الحالي، وهي تقوم بذلك». ونوه بأنه هناك إعادة تكوين للودائع الجديدة، التي يجب أن تتدفق إلى البلد للحفاظ على حركة الدوران التي تؤمّن السيولة.
وفيما بدا عدم قطع حبل الود مع الحكومة، قال سلامة: «همنا الأساسي الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين، كي تغطي حاجاتهم الضرورية. ويهمنا دائماً أن نكون بتنسيق مع الحكومة اللبنانية، ومصرف لبنان سيبقى متعاوناً مع الحكومة ورئيسها، ولن يكون أداة للتحريض على عدم الاستقرار. ونأمل أن لبنان سيتحسن وتعود الأمور إلى مجراها، بمجرد وجود رؤية ومشروع اقتصادي واضح».
ولاحظ أن «الاقتصاد المنتج من أهم الحلول المستقبلية للبنان، ومارسنا ذلك عبر دعمنا للاقتصاد المعرفي وقطاعات السياحة والزراعة والصناعة. ونحاول تفعيل الأسواق المالية من خلال منصة إلكترونية ستنظّم سوقاً ثانوية للأسهم».