Site icon IMLebanon

الشفافية المطلقة والمصرف المركزي

كتب فادي عبود في صحيفة “الجمهورية”:

تمّ النظر الى طلب رئيس الحكومة التدقيق والاطلاع على حسابات البنك المركزي بأنها إهانة وتَعَدّ على استقلالية البنك المركزي وكيانه، وهذا يُظهر بوضوح كم اننا ما زلنا بعيدين عن عقلية الشفافية وترسيخها في الأذهان واعتبارها حقاً مقدساً أعلى من كل القوانين والاعراف، فنحن في بلد حتى رئيس الحكومة الذي يُدير البلاد هو غير قادر على الحصول على الارقام والمعلومات.

انّ مطلب رئيس الحكومة الاطلاع على حسابات البنك المركزي ليس خياراً بل هو واجب أساسي وهو في صلب مسؤولياته كونه رئيس السلطة التنفيذية المسؤولة عن السياسة الاقتصادية والمالية، هذا دوره الاساسي واذا قام بغير ذلك يكون مقصّراً في واجباته الاساسية، ولا يمكن التشكيك بهذا المطلب، فهذا بنك الدولة وبنك الناس.

في المقابل، انّ الاطلاع على حسابات المصرف المركزي هو حق للمواطن اذا اراد ذلك، لأنّ هذا مال المواطنين وحقهم ان يطلعوا على ما يشاؤون من حسابات وارقام.

باختصار، الاطلاع على حسابات المصرف المركزي هو واجب رئيس الحكومة وأساس مسؤولياته، وهو حق لكل مواطن يود الاطلاع انطلاقاً من مبدأ الشفافية المطلقة في كل ما يختص بالمال العام.

انّ المصرف المركزي «مُمكنَن» بشكل متقدم، فمن الضروري ان تكون كل القضايا والمعلومات سهلة المنال للجميع من دون طلب، أي مشابهة للخدمة الالكترونية للمصارف مثلاً حيث يستطيع المواطن الاطلاع على حساباته المصرفية وفقط على حساباته وليس حسابات الآخرين.

هل يُعقل ان ينتظر المواطن اللبناني مؤتمراً صحفياً للحاكم كي يستطيع المواطن معرفة معلومات هي في الاساس ملك له، هذه المعلومات يجب ان تكون متوافرة ومُتاحة يوماً بيوم.

صرّح رئيس الحكومة أنه سيلجأ الى شركات تدقيق أجنبية للاطلاع على الحسابات، فهذا إجراء مؤقت ومحصور، المطلوب تعيين مراقبين لبنانيين دائمين معروفين بنظافة الكف على غرار الوزير السابق جورج قرم وغيره ممّن يثق بهم الشعب الللبناني، ليكونوا عيون اللبنانيين في اماكن تتحكّم بالمال العام.

وهنا لا بد من الاشارة الى انه لو كان قانون الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة نافذاً، لكان من السهل جداً متابعة ومراقبة كل أعمال المصرف، وحتماً كان من الممكن توقيف الهدر منذ تسعينات القرن الماضي.

لقد آن الاوان لاعتبار الشفافية حقّاً اساسياً يوازي الحقوق الاساسية الاخرى، لأنّ المشاكل المتراكمة وانهيار الهيكل أثبتا انّ المواطن كان غائباً عن الحقائق وكان قابعاً في العتمة، وهذا بالتحديد ما سمح للكثيرين بالتمادي في الفساد والهدر والقرارات الخاطئة من دون أي اعتبار.

ونطلب من كل من لا يوافقنا على هذا الطرح أن يشاركنا بالسبب وان يعبّر بصراحة عن رأيه في هذا السياق، علماً انه لا اعتقد انّ هناك من يبرّر إخفاء الوقائع عن صاحب المال، والذي هو الشعب اللبناني.

أخيراً، أتوجّه الى كل من قام بنهب الدولة وهذا النهب حتى لو حصل عبر قوانين شاذة فتحت لهم باب مَد اليد على المال العام، هؤلاء يعرفون أنفسهم أنهم نهبوا وحتى لو تصرّفوا ببراءة ولامبالاة وخاصة ان لا أحد يسمّيهم بالإسم، إنما الناس تعرفهم جيداً. امّا من لا تعرفه الناس، فهو يعرف نفسه جيداً. واذا استطاع التنصّل من اعادة المال والمحاسبة، فعليه ان يتذكّر كلما وضع رأسه على مخدته انه تَسبّب ببؤس وتعاسة الكثير من الناس، وانه حتى لو هرب من عدالة الارض فهو لن يهرب من عدالة يوم الدين او يوم القيامة، وهذا الحساب الذي تؤمن به كل الاديان سيكون عسيراً.