كتب علي عواد في صحيفة “الأخبار”:
عاد عقار «رِمديسيفير» ليشغل حيّزاً كبيراً من التداول في علاجٍ لفيروس «كورونا»، وخصوصاً بعدما أعلن خبير الأوبئة الأميركي أنتوني فاوتشي، أول من أمس، أنّ العقار الذي يصنّعه مختبر «غلياد ساينس» الأميركي، أظهر «أثراً واضحاً» في مساعدة مرضى «كوفيد ــــ 19»، على تسريع فترة تعافيهم. فاوتشي قال من البيت الابيض، إنّ العقار حقّق أهدافه الأولية في أكبر وأوسع دراسة تجري حتى الآن. ووصف ذلك «بالدليل على أنه يمكن وقف فيروس كورونا الجديد عبر دواء».
وقد تزامن تصريح فاوتشي مع بيان أصدرته معاهد الصحّة الأميركية التي أجرت الدراسة، أفادت فيه بأنّ عقار «رمديسيفير» المضاد للفيروسات (تمّ صنعه أساساً لعلاج الـ«إيبولا» وفشل في ذلك)، أدى إلى تسريع فترة تعافي مرضى «كوفيد-19» بنسبة 31%. وأوضح البيان أنّ الدراسة تمّت على مجموعتين من المرضى، الأولى تلقّت عقار «رمديسيفير» فيما تلقّت الثانية عقاراً وهمياً (جزء أساسي من أي عملية اختبار لدواء على البشر). ومقارنة مع المرضى الذين تلقّوا الدواء الوهمي، تعافى المرضى الذين عولجوا بـ«رمديسيفير» خلال 11 يوماً، بدلاً من 15 يوماً. وبالنسبة إلى معدّل الوفيات، فقد كان الفارق طفيفاً بين المجموعتين، إذ سُجّلت نسبة وفيات بلغت 8% ضمن المجموعة التي تلقّت علاج «رمديسيفير»، في مقابل 11% لدى المجموعة التي تلقّت علاجاً وهمياً، ما يشير إلى أنّ الدواء يعزّز فرص النجاة من المرض بشكلٍ طفيف. وتُعدّ هذه الدراسة الأوسع نطاقاً، حتّى الآن، إذ شملت 1036 مريضاً في 47 موقعاً في الولايات المتحدة، و21 في أوروبا وآسيا.
تفاؤل فاوتشي الحذر بالعقار، انعكس على وسائل الإعلام الأميركية، التي هلّلت للدواء. كذلك، تناول الاقتصاد الأميركي جرعته من الأمل، إذ افتتحت الأسواق المالية، أمس، على ارتفاع بسيط في المؤشرات المالية، ومن ضمنها أسهم شركة «غلياد». غير أنّ الإحساس بالأمل سرعان ما تبدّد، بعدما نشرت مجلة «ذي لانسيت» الطبية المرموقة، نتائج متعارِضة مع نتائج مختبر «غيلياد». وجاء في ملخّص الدراسة، التي أُجريت على 237 مريضاً في مدينة ووهان الصينية، أنّ «العلاج بواسطة رمديسيفير لا يسرّع الشفاء، ولا يخفّض نسبة الوفيات المرتبطة بكوفيد ــــ 19 مقارنة مع إعطاء دواء وهمي». ونقلت المجلّة عن معدّ الدراسة الرئيسي، البروفسور بين كاو، قوله: «للأسف، تجربتنا أظهرت أنه رغم أنّ عقار رِمديسيفير لا يشكّل مضاعفات خطيرة على المرضى، إلا أنّه لم تظهر له فائدة مهمة مقارنة مع دواء وهمي». وأضاف: «ليست هذه النتيجة التي كنّا نأمل بها، لكن يجب الأخذ في الاعتبار أننا لم نتمكّن سوى من إشراك 237 مريضاً من أصل 453، لأن الوباء تمّت السيطرة عليه في ووهان».
وتمّ إعطاء 158 مريضاً عقار «رمديسيفير»، بشكل يومي، فيما أعطي 79 مريضاً دواءً وهمياً، وذلك طوال فترة عشرة أيام. ولم تظهر الدراسة أيّ فارق مهم بين المجموعتين، من حيث تحسّن الحالة السريرية للمرضى، كما أنّ معدّل الوفيات كان نفسه لدى المجموعتين، أي بحدود 14% لكلّ منهما. وبحسب الباحثين، فإنّ الدراسة محدودة بعض الشيء لأنه تمّ وقفها بشكل سابق لأوانه، حين تراجع عدد المرضى بشكل كبير في ووهان. وتابع البروفسور بين كاو: «سيكون من الضروري إجراء دراسات أخرى لتحديد ما إذا كان إعطاء علاج رمديسيفير بشكل مبكر وبجرعات أقوى أو مع أدوية أخرى مضادة للفيروسات، يمكن أن يكون أكثر فاعلية على المرضى المصابين بحالات خطرة».
تفاؤل فاوتشي الحذر بالعقار انعكس على وسائل الإعلام الأميركية التي هلّلت للدواء
في هذه الأثناء، تبنّى الإعلام الأميركي معادلة جديدة خلال نشر الخبر، وهي أن عقار «رِمديسيفير» ليس علاجاً لفيروس «كورونا»، بل عقارٌ يستخدم للحالات الخطيرة من مرضى «كوفيد ـــ 19»، وأنّ تسريع عملية التعافي التي يؤمّنها استخدام «رمديسيفير»، سيساهم في تخفيف العبء عن كاهل المستشفيات، كما سيخفّض فترة استخدام المرضى ذوي الحالات الخطيرة لأجهزة التنفّس الاصطناعية.
وفي تقريرٍ نشرته صحيفة «ذي غارديان» البريطانية، قالت الدكتورة إلينا شنايدر ـــ فوتشيك، من قسم علم الأدوية والعلاج في جامعة ملبورن، إنه «نظراً إلى غياب العلاجات الأخرى لكوفيد ـــ 19 والبيانات الواعدة من الدراسة الأميركية، يمكننا أن نفترض بأنّ الدواء قد تتم مراجعته بسرعة». من جهته، قال غيديون كاتز، عالم الأوبئة في جامعة ولونغونغ في أستراليا، إنه «من المهم ملاحظة أنّ الدراسة الكاملة لم تُنشر بعد»، مشيراً إلى أنه «على الرغم من أنّها وجدت أنّ المرضى الذين يُعالجون بعقار رمديسيفير يتعافون بشكل أسرع، إلا أنّ الباحثين قاموا بتوسيع تعريفهم للتعافي». وأضاف أنّ «هذا ليس بالضرورة أمراً سيئاً في حد ذاته، ولكن بدون مزيد من التوضيح، من الصعب فهم سبب قيام الدراسة بالخيارات التي اتخذتها». وأعطى كاتز مثالاً على ذلك، أن «الدراسة قامت بتضمين الأشخاص الذين كانوا لا يزالون في المستشفى وهم بمرحلة التعافي (أي أنهم لم يشفوا نهائياً بعد)»، خاتماً كلامه بالقول: «لن نعرف ما إذا كان ذلك مبرّراً أم لا، حتى نرى الدراسة الكاملة».
بناءً على ما تقدّم، يمكن الإشارة إلى أنّ تضمين مصابين كانوا بمرحلة التعافي في النتائج، يفتح الباب أمام الكثير من الشكوك. هذا فضلاً عن أنّ الدراسة نفسها أكدت أنّ العقار لم يمنع حدوث وفاة. أمّا ما هو لافت، فهو أننا بتنا أمام واقعٍ مشابه لما حصل مع عقار «هايدروكسي كلوروكوين» البخس الثمن، والمتوفّر بكثرة. إذ بعدما روّج له رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب على أنّه الحلّ السحري للقضاء على الوباء، بالتوازي مع التهليل الذي مارسته شبكة «فوكس نيوز»، جوبه ترامب بحملة ضدّه من قنوات الإعلام الديمقراطية والمعارضة له، بسبب عدم اكتمال الدراسات عن العقار. اليوم، تُهلّل القنوات الديمقراطية لعقار «رِمديسيفير» (لا سعر تقريبياً له حتى الساعة)، فيما تبدو شبكة «فوكس نيوز» حذرة أكثر بتعاملها معه. بالنتيجة، يمكن القول، وكما أَوجز فاوتشي، إنّ أفضل ما قدمه «رِمديسيفير»، هو إثباتٌ لمفهوم أن فيروس «كورونا» يمكن إيقافه عبر دواء، وهذا هو حجم الأمر فقط.