كتبت آمال خليل في “الاخبار”:
لم يشعر عمال مؤسسة مياه البقاع بفرحة عيد العمال. قبل نهاية الشهر الماضي، تبلغوا قرار مجلس إدارة المؤسسة بدفع 75 في المئة من رواتبهم بدءاً من بداية الشهر الجاري، فيما كانت المؤسسة قد بدأت تصرف نصف أجور المياومين عقب فرض التعبئة العامة لمواجهة كورونا. رئيس نقابة مستخدمي وعمال المياه في البقاع حسن جعفر أعلن رفضه الاقتطاع من الأجور «فيما الذي لا تزال المؤسسة تدفع مستحقات متعهد صفقة اليد العاملة من صندوقها». وقال إن «تلك السلفة على الرواتب في الوقت الذي أصبح الراتب كله يساوي 168 دولاراً، مرفوضة لأنها ستؤثر سلباً على تقديم الخدمة للمشتركين ولا تمكّن العمال من الحضور إلى مراكز عملهم. ونطالب وزارتي الطاقة والمالية بدفع المستحقات المالية للمؤسسة عن الأعوام الثلاثة الماضية. وفي حال عدم التجاوب، سنضطر إلى التوقف عن العمل وتوزيع المياه للمشتركين وتحميل الحكومة مسؤولية ذلك».
ليس العمال من وصل إلى شفير الهاوية وحدهم، بل المؤسسة أيضاً. يقر جعفر بأن الجباية متوقفة منذ أحداث 17 تشرين الأول الفائت، بعد أن تمنّع معظم المشتركين عن دفع اشتراكاتهم. «لكننا في تلك الفترة وما تلاها من الحظر المرتبط بكورونا، استمررنا في تقديم الخدمات». من أين تؤمن المؤسسة الأموال في ظل توقف الجباية وحجب المساهمات؟ بالنظر إلى العجز الذي تعاني منه المؤسسة، يظهر أن المسؤول الأول هو «إبداعات» الحكومة عبر مجلس الإنماء والإعمار.
حتى 2019، كانت مؤسسات المياه في المناطق (باستثناء مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان) تحصل سنوياً على ملياري ليرة من وزارة الطاقة والمياه كمساهمة داعمة. في منتصف شباط 2019، قرر مجلس الوزراء إلغاء تلك الآلية باعتبار أن المؤسسات ستزيد سيولتها عبر توسعة الجباية (بدل مياه الاستخدام وتكرير الصرف الصحي). لكن “مياه البقاع” لم تقبض بعد الأربعة مليارات عن عامي 2017 و2018. قبيل إلغاء المساهمات، كلف مجلس الوزراء المؤسسة بتسلّم مشروع “صيانة أنظمة المياه والمجاري في منطقة بعلبك النبي شيت وبعض قرى شمال بعلبك” وتشغيل محطة إيعات لتكرير الصرف الصحي بعد انتهاء عقد الشركة المتعهدة. رئيس مجلس إدارة “مياه البقاع” رزق رزق أبلغ وزارة الطاقة حينها أن مؤسسته «لا تملك الإمكانيات الكافية لتشغيلها»، فما كان من الحكومة إلا أن «أكرمتها» بأربعة مليارات ليرة كمساهمة تدفعها لها عن عام 2019، إلى أن تشرع المؤسسة في تأمين عائداتها من الجباية. المليارات الأربعة التي كانت تحوّل لحساب “الإنماء والإعمار” (كمشرف على محطات التكرير) أقرّت بالمرسوم 4287 الذي وقّعه رئيس الجمهورية ميشال عون في 17 كانون الثاني 2019 بنقل عائدات من احتياطي الموازنة لصالح المؤسسة. «التزمنا نحن وتسلمنا المشروع والمحطة. لكن الحكومة نسيت أن تعطينا أموالنا»، قال رزق لـ«الأخبار». منذ حزيران الماضي، تنفق المؤسسة من صندوقها على تشغيل المشروع ودفع رواتب المستخدمين والعمال في ملاك المؤسسة ولمتعهد اليد العاملة بدل أجور المياومين، فضلاً عن ارتفاع كلفة صيانة محطات الضخ والتكرير بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار. كل ذلك ولم تفرج وزارة المالية عن المليارات الثمانية، ما تسبب في عجز مالي يكاد يفلس المؤسسة.
«في العادة، تحصّل المؤسسة شهرياً من الجباية حوالى مليار و200 مليون ليرة. لكنها منذ أشهر لا تحصّل أكثر من 30 مليوناً. اضطررنا إلى الاقتطاع من الرواتب على أن ندفع الباقي في وقت لاحق. لكن لا نستطيع صرف ما تبقى من أموال في صندوق المؤسسة والتي تبلغ حوالى أربعة مليارات فقط. وفي حال صرفت الدولة مستحقاتنا، نستطيع أن ندفع كامل حقوق العمال»، قال رزق. أولوية الأخير إنفاق الأموال المتوافرة «لتأمين استمرار الخدمة للناس».
رزق يغنّي على موال الناس. لكن الحكومة تغنّي على موال “الإنماء والإعمار”. وبدلاً من الإفراج عن مستحقات “مياه البقاع” كأولوية طارئة لحمايتها وعمالها من الإفلاس، قررت الحكومة، الأسبوع الماضي، صرف مليار و531 مليوناً و889 ألف ليرة للمتعهد الذي كان يشغل المشروع ومحطة إيعات كبدل تشغيل بين بداية كانون الثاني ونهاية أيار 2019! فقد ورد في عدد الجريدة الرسمية يوم الخميس الفائت، المرسوم 6281 الصادر عن مجلس الوزراء، وينص على نقل اعتماد احتياطي الموازنة العامة الى موازنة رئاسة مجلس الوزراء – مجلس الإنماء والاعمار، كمساهمة مالية لتسديد مستحقات المتعهد واستشاري المشروع. مصدر مسؤول في المؤسسة استغرب القرار. «رغم أحقية المتعهد في الحصول على أمواله، لكن كان من الأَولى تأجيله وتحويل الأموال لصندوق المؤسسة، وخصوصاً أن المتعهد ربح الملايين من المشروع منذ سنوات، رغم الانتقادات على عمله، ولا سيما في تشغيل محطة إيعات».
وفي هذا الإطار، زار وفد من النقابة أمس وزير الزراعة والثقافة عباس مرتضى الذي «اتصل بوزيري الطاقة ريمون غجر و المالية الدكتور غازي وزني، وتم الاتفاق على تحويل جزء من الأموال خلال الأسبوع الجاري للمؤسسة عن الأعوام 2017 و2018 و2019، لأن أوضاع العمال والموظفين وأحوالهم لا تحتمل أي تأخير»، كما جاء في بيان صادر عن مرتضى.