كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
يُشبه وضع رئيس مجلس النواب نبيه برّي السبّاح الذي كان ماهراً وفجأة بدأ بالغرق فمدّ يده ولم ير من صديق ينقذه فما كان عليه إلاّ اللجوء للأبعدين بعد غدر الأقربين.
يتفق الجميع على أن بري هو من أكثر السياسيين حنكةً وقدرة على تدوير الزوايا ولعب دور “الثعلب” السياسي على الطريقة اللبنانية، لكن يبدو أنّ “الأستاذ” بدأ يشيخ وفقد الهيبة، فما كان من حلفاء الخطّ إلا الإنقضاض عليه.
وقد يكون اللغط الذي حصل على الصفحة الفيسبوكية لمدير الأخبار في إذاعة دمشق أحمد رفعت أكبر دليل على أنّ برّي يواجه غضب الحليف قبل الخصم، إذ قال: “رئيس مجلس النواب نبيه بري في لبنان هو من عتاة حلف الفساد وشريك الحريرية السياسية ومتلازمتها الفساد التي دمرت لبنان وتأثرت بها سوريا، ويخطئ من يعتقد أن بري من حلف المقاومة وهو عبء عليها، رغم أن الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله يحاول استثماره كواجهة سياسية”.
اللافت أنه بعد الردود، أشار يوسف إلى أن صفحته تعرضت للإختراق واعتذر، ما يطرح أكثر من سؤال وهو أن بري ومنذ بداية الثورة السورية لم يتخذ موقفاً صريحاً وعلانياً داعماً للنظام ما أثار غضبه، وبالتالي فإن من يخترق صفحة يوسف يُركّز فقط على برّي؟ وحتى لو كان الإختراق صحيحاً إلا أن العلاقة بين بري ودمشق ليست على أفضل ما يرام.
ولعلّ هجمات رئيس حزب “التوحيد العربي” وئام وهّاب المتتالية على برّي تؤكّد أن الرجل فقد هيبته وبات تحت مرمى من يُعتبرون في صفّ الحلفاء، وخسر الدور الذي كان يلعبه سابقاً بأنه حاجة لفريق “حزب الله” و8 آذار لأنه “صمام الأمان” وقادر على التحدّث مع الجميع شرقاً وغرباً.
الناظر إلى تغير الصورة اللبنانية، يكتشف أن الرئيس برّي بات على هامش اللعبة، وبات يتلقّى الضربة تلو الأخرى، وتأثيره بات شبه معدوم في التركيبة، وبات “حزب الله” يتعاطى بالمباشر.
ومن بين تلك التغييرات التي ظهرت إلى العلن هو تركه وحيداً في ساحة المبارزة الحكومية، حتى رئيس الحكومة حسّان دياب الذي هو من خارج الأحزاب المؤثّرة لا يقيم الإعتبار لبرّي ويتصرّف كما يحلو له وكما يحلو لـ”حزب الله” والعهد.
وأظهرت مسألة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة واستمزاج الآراء داخل جلسة مجلس الوزراء أن بري متروك لقدره، فلم يعترض على مسألة إقالة سلامة في حال طرحها على التصويت سوى وزيري “أمل”، أي بات حجمه داخل اللعبة الوزارية 2 على 18.
لا شكّ أن السياسة تتغيّر يوماً بعد يوم، إلاّ أن مطرقة “الأستاذ” قد نخرها “السوس”، ولو حالف الحظّ النائب السابق المشاغب سيرج طورسركيسيان لما كان برّي قادراً على ضبطه.
لا شكّ أنّ الثورة أثّرت على وضعية كل رجال السياسة، لكن يبدو أن برّي قد تأثّر بالثورة وبغضب الحلفاء، فجمهور “حزب الله” يقتنص الفرصة للتعبير عن انزعاجه من سياسة برّي وسط اتهامه بالفساد رغم حرص “الثنائي الشيعي” على إظهار الوفاق بينهما، في حين أن “الحزب” دخل إلى الدولة بالمباشر، وهذا يقلّص من مساحة نفوذ برّي.
ولا يكفي تجرؤ رئيس “التيار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل عليه، إذ شكّل انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية ضربة إضافية لبري، فـ”حزب الله” إختار في معركة الرئاسة حليفه الجديد وبدّاه على حليفه القديم، ولا يتوانى عون عن تسديد “الزكزكات” لرئيس مجلس النواب، ولعلّ ما قاله الإعلامي نديم قطيش عن “تعيين عون يوم الأربعاء موعداً لإجتماع الكتل النيابية لمناقشة خطة الحكومة الإصلاحية في بعبدا بلا تشاور مع برّي هو بهدف “التمريك” عليه لأن هذا اليوم مكرّس لبري لعقد لقاء الأربعاء النيابي منذ 540 ألف سنة لليوم”، هو من القراءات التي تشير إلى أنّ ضرب الحلفاء لبري ما زال قائماً ولن يتوقّف.
وجاء هذا الموعد من رئيس الجمهورية ليزيد من تخبّط رئيس المجلس النيابي الذي كان سبّاقاً لعقد طاولات التشاور والحوار في مجلس النواب عام 2006 من ثمّ رعايته لحوار “حزب الله” وتيار “المستقبل” في فترة الفراغ الرئاسي، وكأن براءة اختراع طاولات الحوار قد سلبت من “دولة الرئيس”.
ويبقى رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية الأكثر التصاقاً برئيس المجلس، لكن عندما يناديه “حزب الله” فإنه يصطف مع “الحزب”، في حين أنه لا تنفع إشادات الرئيس سعد الحريري ورئيس الحزب “التقدّمي الإشتراكي” وليد جنبلاط ببرّي في تعويم نفسه لأن لكل ملك نهاية، والنهاية السياسية هي بسبب فقدان الحاجة والدور.
وفي داخل “حزب الله” وقوى 8 آذار بحث جدّي حول من سيخلف برّي في عام 2022؟ أي بعد 32 عاماً على احتلاله كرسي رئاسة المجلس، وهذا الأمر يشكّل مشكلة جديّة وهنا السؤال الكبير الذي يطرح داخل الأروقة، فهل يستلم “حزب الله” هذا المنصب مباشرةً أو انه سيخلق شخصية شيعية وسطية تدير لعبة البرلمان؟
ويعرف “حزب الله” جيداً، مع شخصيات أخرى في “8 آذار”، أن تمرير إسم برّي مجدداً في رئاسة المجلس بات من المستحيلات، مثل التجديد لرياض سلامة، فثورة الناس وضعت حداً فاصلاً بين ما قبل 17 تشرين وما بعده، وإذا كان “حزب الله” يحرص على عدم خلق الخلاف منذ الآن على هذا الموضوع ويحرص أيضاً على عدم الصدام مع حركة “أمل” إلا أنّ هذا الموضوع يدخل بشكل كبير في صلب الحسابات الحزبية خصوصاً مع حزب يخطط بشكل جيد وقلما يرتكب الأخطاء.
مع أفول نجم برّي، تدخل السياسة اللبنانية مرحلة جديدة، فالرجل الذي وضعه حلفاؤه على الهامش، لم يعد قادراً على خوض معركة صراع البقاء وسط غابة من التناقضات والصدامات المتنقلة، وضربات الحبيب قبل الغريب.