كتب علي الأمين في “نداء الوطن”:
لعل الجناح “الإستشرافي” في “حزب الله”، كان ينام على “حرير ألماني” ولم يتنبه إلى أن تماديه في “أجنحته” العسكرية والسياسية ستتحول إلى “أجنحة متكسرة”، على يد ألمانيّة، وعليه أن يقرأ جيداً الرسالة – الخطوة، بعيون لبنانية وسورية وإيرانية.
فبعد إعلانها ان الحزب منظمة إرهابية بكل الأجنحة والمعايير، ذهبت الحكومة الالمانية إلى أبعد من ذلك، إذ شمل أمس الأول السبت قرار الحظر، إلغاء مسيرة تنظمها السفارة الإيرانية سنوياً، في نهاية شهر رمضان التي يطلق عليها “مسيرة القدس” ويشارك فيها مناصرو الحزب ويرفعون شعاراته، في رسالة صارخة وقوية ألمانية – أوروبية الى إيران… ان غداً يوم آخر!
حظر “حزب الله” في المانيا بعدما جرى تصنيف جناحه السياسي بعد العسكري، على لائحة المنظمات الارهابية في المانيا.
التصنيف بين جناح سياسي وعسكري، هو من بنات أفكار ومصالح السياسة الاوروبية، الذي طالما كان مخرجاً اوروبياً لعدم قطع “شعرة معاوية” مع “حزب الله” من جهة، ومتطلبات العلاقة مع ايران. وهو تصنيف طالما رفض الحزب الاعتراف به، بل تهكم العديد من مسؤوليه حيال هذا الفصل بين جناحيه، اذ أنّ “حزب الله” وعلى لسان أمينه العام، كرّر دوماً أنه “حركة جهادية” و”حركة مقاومة”، لا تفصل في العمل الجهادي بين العسكري والسياسي. ففي 30 نيسان اي قبل أيام، أعلنت وزارة الداخلية الألمانية، أن ألمانيا حظرت رسمياً وبشكل كامل “ميليشيات “حزب الله” المدعومة من إيران على أراضيها” وصنّفتها “منظمة إرهابية”. وترافق الإعلان مع تنفيذ الشرطة الألمانية اعتقال أشخاص “يُشتبه في كونهم أعضاء في حزب الله”. وذكرت وكالة “رويترز” أن الأمن داهم أربع جمعيات تابعة لمساجد في ثلاث ولايات غرب البلاد من بينها برلين، وتعتقد السلطات أن تلك الجمعيات على صلة بالحزب.
هذه التطورات لم تكن مفاجئة، فمسار تصنيف “حزب الله” منظمة ارهابية في المانيا، كانت له مقدمات ومسار في الدولة الالمانية، سواء على مستوى الحكومة او البرلمان، وكان البرلمان الألماني وافق في كانون الأول الماضي على اقتراح يحثّ حكومة المستشارة أنغيلا ميركل، على حظر كل أنشطة الحزب على الأراضي الألمانية من جراء “أنشطته الإرهابية” خاصة في سوريا. فيما الاتحاد الاوروبي لا يزال يصنف الجناح العسكري كمنظمة ارهابية من دون الجناح السياسي، والموقف الألماني هذا، يؤشر الى أن الاتجاه الاوروبي يتقدم نحو تبني التصنيف الشامل للمنظمة اللبنانية، ولكن من دون ان يقطع نهائياً تلك الشعرة التي لا تزال مرتبطة بحسابات اوروبية وفرنسية على وجه التحديد، التي لا تزال محافظة على علاقات مع “حزب الله”، لاعتبارات عدة، واحدة منها لبنانية داخلية، والثانية، تتصل بقوات “اليونيفيل” العاملة في الجنوب ومرجعية الدور الفرنسي فيها والثالثة، تلك التي ترتبط باللجوء السوري في لبنان ومنع انتقال اللاجئين الى لبنان، والرابعة وهي الأهم، ان ضعف وتراجع الدور الفرنسي في سوريا ولبنان بشكل خاص، جعل فرنسا في موقع عدم المغامرة بموقف شبه وسطي لا يزال يحفظ لها دوراً متميزاً عن واشنطن ولندن وبرلين، تلك العواصم التي اصطفت في مواجهة “حزب الله” من خلال تبني التصنيف الارهابي له.
إعلان وزير الخارجية الألماني هايكو ماس أن “من بين الأسباب التي جعلت سلطات بلاده تتّخذ هذا القرار هو نفي حزب الله حق إسرائيل في الوجود”، يدغدغ مصالح اسرائيل التي رحبت عبر رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو بالقرار، فان ايران والقوى القريبة من “حزب الله” احالت القرار الى ضغوط اميركية وصهيونية. لكن ذلك لا يقلل من شأن الدور الخليجي ولا سيما السعودية التي كانت سباقة، عربياً وإسلامياً، في الترحيب بالقرار معتبرة إياه خطوة مهمة في “جهود مكافحة الإرهاب”.
قلق من تمدّد “حزب الله”
الترحيب السعودي لا يمكن فصله عن المواجهة الايرانية السعودية، وهو يعكس اهتماماً لدى الرياض، لا يفصله بعض المتابعين عن جهود بذلتها الرياض على هذا الصعيد اوروبياً ودولياً، خصوصاً ان الرياض بذلت جهوداً في سبيل ادراج منظمة الاخوان المسلمين على اللائحة نفسها في المانيا واوروبا، وتلفت مصادر متابعة الى ان المانيا تستضيف منذ عقود قيادات عليا في تنظيم الإخوان، وكان ابرز قيادات هذا التنظيم لاجئين في المانيا ولا سيما قيادته السورية ومنهم عصام العطار وسواه منذ عقد السبعينات من القرن الماضي وحتى اليوم.
يبقى ان حظر منظمة “حزب الله” في المانيا، هو قرار سيادي يرتبط بنظام مصالح اوروبي والماني، ولا يتصل بأوضاع لبنان لا من قريب أو بعيد، بل ان هذا القرار يعكس قلقاً من تمدد “حزب الله” في الخارج، ولا يتناول دوره ووجوده في لبنان، وهو ينطوي على دفع الحزب للبقاء داخل حدود لبنان.
اما الرسالة التي يمكن قراءتها في خلفية وابعاد هذا القرار، فهي لا تتصل بالمانيا نفسها، بل في أن دور “حزب الله” الخارجي انتهى في الحسابات الاوروبية، واذا كانت وظيفة قتاله في سوريا غير مستفزة دولياً، فان المرحلة المقبلة ولا سيما مع اتساع الشرخ المذهبي الذي غذته ايران واستثمرت به، وصل الى خواتيمه الاستراتيجية، اي أن الحصاد السياسي والاقتصادي الاميركي والأوروبي وحتى الاسرائيلي بدأ، واللاعبون الكبار ومنهم الصين يرفضون وجود اي دور ميليشيوي الا في سياق فتح الطريق لمصالحهم. العودة الى لبنان هي الرسالة التي وصلت عبر المانيا لـ”حزب الله”، اي من طرف لم يناصب العداء له ولا لايران في العقود الماضية، وهي رسالة كفيلة ان تظهر حجم القرار الدولي والاقليمي الذي يرفض اي دور خارجي للحزب يتجاوز دوره اللبناني لا سيما حماية الاستقرار على الحدود مع اسرائيل وهي الورقة التي تبرر بقاء قوته العسكرية داخل لبنان، بعد ان كانت وسيلة تمدد الى خارجه.