كتبت رلى إبراهيم في “الاخبار”:
في المتن الشمالي، «الكورونا» ليس همّاً، أو ليس الهمّ الوحيد. هناك، في البلدات الساحلية ولا سيما برج حمود والجديدة، المنطقة موبوءة منذ زمن ويموت سكانها بصمت. ليس ذلك قدراً بالطبع، إذ كان يفترض أن يكون هؤلاء ممن يحسدون على بيوت تتاخم أحد أجمل الشواطئ. لكن الدولة قررت حرمانهم من هذا الترف، كما بقية المناطق، مع إضافة «امتياز خاص» بتحويل البحر الى مطمر مؤقت للنفايات. والمؤقت، لبنانياً، ينقلب في الغالب دائماً، ويُمدّد له تحت ألف حجة وحجة. فبعدما بلغ مطمر الجديدة قدرته الاستيعابية القصوى في تموز 2019 من دون الاتفاق على الخطة البديلة التي وضعها وزير البيئة السابق فادي جريصاتي باعتماد 24 مطمراً صحياً في مختلف المناطق، «جُدّد» له عشوائياً، علماً بأنه لا يراعي منذ إنشائه أي معايير صحية.
وصل المطمر مجدداً الى طاقته الاستيعابية القصوى الممدّد لها نهاية الشهر الماضي، وعادت النفايات لتتكدس على الطرقات وكأن شيئاً لم يتغير في مشهد العامين 2015 و2018. الاجتماع الذي عقد في السرايا الحكومية، بحضور نواب المتن الشمالي ورؤساء البلديات المعنيين واتحاد بلديات المتن، انتهى كما المتوقع: إما إبقاء النفايات في الشارع أو إضافة متر ونصف متر فوق جبل النفايات المكدّس وفق «رؤية» مجلس الإنماء والإعمار. ويبدو أن ثمة قطبة مخفية هنا، فالمجلس ومتعهدوه ورؤساء البلديات واتحاد بلديات المتن وبعض النواب يتفرجون منذ أكثر من سنة على قدوم الأزمة المتوقعة من دون أن يكلّفوا أنفسهم عناء وضع خطة قابلة للتطبيق. وهم أنفسهم، اليوم، يتناوبون على المنابر لـ«رفض» الحل المؤقت، ثم قبوله بذريعة أنه لثلاثة أشهر فقط الى حين تأمين البديل. هو السيناريو نفسه، إذاً، يتكرر عبر السنوات ولا من يتحمل مسؤوليته سوى السكان الذين يربطون بين الأمراض المستجدة التي يعانيها أهالي المنطقة برائحة المطمر التي وصلت منذ أسبوع الى الفنار وعين سعادة. ويتحدثون عن موت البعض بسرطان الرئة وإصابة البعض الآخر بعوارض ضيق التنفس والحساسية الجلدية، وخصوصاً لدى الأطفال. وهو ما يحدث ذلك منذ 3 سنوات، لا في زمن كورونا، من دون أن يدقّ أحد ناقوس الخطر.
نواب المتن، ومن ورائهم أحزابهم، رفضوا توسعة المطمر أو اعتماد حلول مؤقتة لثلاثة أشهر من دون تعهد بإيجاد حلّ جدي دائم. فيما مطمر الكوستابرافا غير قادر على استقبال نفايات المتن وكسروان وقسم من بيروت. النائب عن حزب الكتائب اللبنانية الياس حنكش أوضح لـ«الأخبار» أن الحزب يرفض حتى مناقشة رفع المطمر متراً ونصف متر لمدة 3 أشهر، فهذا الملف «عبارة عن نصب وسرقة منذ 30 عاماً ويموّل تيارات وأحزاباً». وأشار الى أن «تخفيف كمية النفايات وإنشاء مراكز للفرز هو الأساس في أي حل، ولكن تجّار النفايات الذين يفوترون بحسب الوزن لا يناسبهم هذا الحل». إلا أن مسؤولية عدم اعتماد أي حل، بما فيه الفرز، يقع على عاتق الكتائب كما القوات والتيار الوطني الحر والطاشناق.
ففي مواسم الانتخابات، ينام هؤلاء ويستفيقون عند رؤساء البلديات ويعملون على حمايتهم، وعندما يتعلق الأمر بصحة المواطنين لا يكلفون أنفسهم عناء الضغط على أزلامهم وإلزامهم واتحاد البلديات بحلول بيئية دائمة. أما المسؤولية الرئيسية فتقع على عاتق اتحاد بلديات المتن الشمالي ورؤساء البلديات الذين، رغم إقرار قانون يسمح لهم باعتماد اللامركزية في معالجة النفايات، تجاهل معظمهم هذا الأمر باستثناء بلدة أو اثنتين. ويبدو واضحا أن الاتحاد يعتمد استراتيجية الأخذ من السكان من دون إعطائهم شيئاً رغم حيازته المال والنفوذ.
حزب الطاشناق أيضاً يرفض حل رفع المطمر. فوفق المصادر، تحدث النائب أغوب بقرادونيان خلال الاجتماع عن عدم قدرة أحد على «الكذب» على الناس ووعدهم بخطة تؤجل كل عام الى ما بعده. لكن الحزب، في النهاية، سينصاع كالباقين للأمر الواقع بعد تخيير السكان بين عودة النفايات الى الطرقات وأمام منازلهم أو القبول برفع مستوى المطمر. والتجربة تقول إن الأمر نفسه سيتكرر بعد ثلاثة أشهر في حال لم يتوصل وزير البيئة دميانوس قطار الى حلول مستدامة، عمودها الأساسي فرز النفايات. على أن سؤالاً يطرح في هذا السياق عمّا حال دون استباق قطّار لهذه الأزمة منذ تعيينه في منصبه قبل شهرين. نائب تكتل لبنان القوي الياس بو صعب، من جهته، أشار الى أن القانون الذي أقرّ عام 2016 حمّل البلديات واتحاد المتن الشمالي مسؤولية للخروج بحلول لامركزية لمعالجة النفايات، وقد «مر الوقت من دون أن يتحرك أحد. لكن هناك فرصة أخرى اليوم لمناقشة الحلول ونحن الى جانب الاتحاد في حال أراد إنجاز خطة ما». بو صعب أشار الى عدم إمكانية لوم حكومة الرئيس حسان دياب على ما يجري منذ سنوات، لافتاً الى أنه كان ضد إنشاء المطمر من الأساس «بينما الكتائب أبدوا عدم ممانعتهم قبل أن يعتصموا بعد سنتين ضد توسعة المطمر الذي قبلوا بإنشائه». وأوضح أنه اقترح، وسط فرض الخيارين كأمر واقع، أن يتم توقيع تعهد بإزالة المتر ونصف المتر الإضافي بعد انقضاء المدة المحددة وطمرها في مشروع لينور إذا ما اتفق على إنجازه.
حزب القوات اللبنانية أيضاً يرفض توسعة المطمر. ولكن لا مفرّ اليوم من اعتماد حل مؤقت الى حين إقرار حل مستدام. وبحسب النائب إدي أبي اللمع، «كل النواب رفضوا خيار التوسعة».
وبين تقاذف التهم وتعطيل الخطط الوزارية المقرّة على مدى سنوات بسبب عدم تناسب الحلول البيئية ومصالح تجار النفايات وشركائهم السياسيين والإداريين، نزحت نسبة كبيرة من سكان شارع حنكش وشارع مستشفى مار يوسف ومار مارون وماغي الحاج الى مناطق أخرى. يقال إن الجمرة لا تحرق إلا مكانها. هكذا هو الأمر بالنسبة إلى ما يعانيه القاطنون بجوار المطمر… مرة أخرى «يبنّجهم» أهل السلطة بوعود وفترات سماح، فيما المشروع القديم الجديد يقوم على ردم البحر في هذه المنطقة على مراحل.