كتب مازن مجوز في “نداء الوطن”:
كل من يمتلك عقاراً في تركيا مهما كان نوعه، عليه إصدار ضريبة التأمين الإلزامية ضد الزلازل، فالمباني المقاومة للزلازل، في اسطنبول مثلاً، تم بناؤها لحماية الأرواح والممتلكات، وتقوم الحكومة التركية بتحديث القوانين الخاصة بالبناء بشكل مستمر لجعله اكثر أمناً ومتانةً، أما في لبنان فإنّه وعلى الرغم من مجاهرة الأوساط الرسمية وبعض مراكز الأبحاث المعنية بقلقها من خطر الزلازل وتهديدها للمدن الساحلية، لم نسمع باستراتيجية وخطوات إستباقية نوعية لتعزيز مناعتها.
تسع هزات أرضية متتالية على الأقلّ ضربت سوريا ولبنان في خلال 24 ساعة فقط بين 14 و15 من الشهر الجاري، أثارت مخاوف وتساؤلات عما تنذر به، وفيما المراكز المتخصصة تفيد بأن الهزات طبيعية، إلا أن المنطقة شهدت زلازل مدمّرة على نحو دوريّ كلّ ثلاثة قرون تقريباً آخرها قبل نحو قرنين ونصف القرن.
وفي تفسير لتلك الهزّات التي وصلت شدة بعضها إلى 4.8 على مقياس ريختر، تقول مديرة المركز الوطني اللبناني للجيوفيزياء في المجلس الوطني للبحوث العلمية مارلين براكس في حديث لـ”نداء الوطن”: “إن احتمال حصول زلازل قوية في لبنان قائم، وليس مجرد إفتراض، والخطر الزلزالي خطر حقيقي، وما فترات الهدوء التي ننعم بها والتي تمنحنا إياها الطبيعة سوى فرص ثمينة علينا إستغلالها بالتحضر والترقب للأسوأ”.
لتحصين أنفسنا في الوقت الضائع
وإذ تدعو إلى ضرورة إستغلال الوقت الحالي “الضائع” كي نحصن أنفسنا جيداً للمواجهة بأقل أضرار ممكنة، تفند الخطوات الكفيلة بتحقيق ذلك كالدراسات العلمية الهادفة لتحسين قانون البناء والسير به للوقاية من أخطار الهزات الارضية، وأن تكون الدولة جاهزة لإدارة الأزمة في حال حصول كارثة، واصفةً أداءها في إدارة أزمة كورونا بالجيد نسبياً، لافتةً إلى أن المطلوب وضع إستراتيجية حول كيفية التصرف (تصرف كافة الاجهزة المعنية)، بالإضافة إلى فتح موازنة كما حصل مع وباء الكورونا، وهذا من المفترض إنجازه قبل حصول الكارثة وليس عند حصولها، لأن إنجاز الدراسات هو خطوة إستباقية.
ورداً على سؤال تجيب براكس: “لبنان يقع في منطقة مليئة بالفوالق الزلزالية التي أدت الى هزات عبر التاريخ، وليس هناك من منطقةٍ آمنة فيه، وهناك فوالق في كل مكان في لبنان إذ هناك فوالق في البحر مقابل الساحل اللبناني، وفالق اليمونة الذي يعبر منطقة وسط لبنان من أولها إلى آخرها، وهناك فوالق على الحدود مع سوريا، وبالتالي أينما كان المواطن سيكون قريباً من هذه الفوالق”، مؤكدةً أن لا أحد يمكنه التكهن بموعد دقيق لحصول زلزال قوي حتى المراكز المتخصصة برصد الزلازل في الخارج، وحتى الخبراء الذين يتوقعون حالياً باقتراب حصول زلزال كبير في لبنان تعتبر توقعاتهم غير دقيقة، فالخطأ في التوقعات يكون بمئات السنوات.
العمل جارٍ لكن الإجراءات ضعيفة
بدوره، يشرح رئيس اللجنة العلمية في نقابة المهندسين المهندس توفيق سنان تفاصيل الخطوات الإحترازية المطلوبة، مشيراً إلى أن جزءاً من الاستراتيجية المعتمدة من قبل النقابة تم تنفيذه، حيث أن كل المباني الحديثة في لبنان تخضع لـ” code” و “design” الزلازل، إضافة إلى المواصفات التي تضاف على المباني القديمة في حال إضافة بناء جديد عليها تخضع لدراسة زلازل أيضاً. ويوضح بأن المشكلة في المباني القديمة التي لم تشهد تعديلات في البناء، معطياً مثالاً “هناك تجربة في إسطنبول بإعادة تدعيم كل المباني كي تصبح مقاومة للزلازل، وخصوصاً أن المباني في مدننا شبيهة بالمباني في إسطنبول، حيث أن مدننا هي مدن زلزالية”.
ولا ينفي سنان بأن المشكلة عندنا هي الإحتمال القائم دائماً بحصول تسونامي على المدن الواقعة على الخط الساحلي، وهنا من المفترض بالمباني الساحلية الاستراتيجية أن تتمتع بإجراءات حمايةٍ أكثر من المتخذة حالياً، مثل المطار والمرافئ والقواعد العسكرية، حيث لا تزال الإجراءات ضعيفة. ويرى أنه وبالإضافة إلى أن مرسوم السلامة العامة نصّ على إجراء دراسة على كل المباني الاستراتيجية، والقيام بإعادة تقييم للمباني كمباني وزارة الداخلية ووزارة الدفاع، وكل المباني التي نحتاجها أثناء الكوارث، وهذا حتى اللحظة لم يحصل، وذلك بناء للمرسوم رقم 7964 الصادر العام 2012 وهو تعديل لمرسوم رقم 14293 الصادر العام 2005. ووفق سنان، فإنّه وفضلاً عن هذه الإجراءات تبرز ضرورة تدريب الكادر البشري، وإقامة نظام لامركزي، حيث مثلاً في حال تعرضت بيروت لزلزال أو هزة أرضية قوية، تكون بقية المناطق على جهوزية تامة لتقديم العون والمساعدة لها، وهذا ينسحب على بقية المدن، بمعنى أن تتمتع كل المدن بمستشفيات، ومراكز إطفاء ودفاع مدني، لتقديم الخدمات الطارئة. وعلى الرغم من أن الاستراتيجية موجودة والقوانين والتشريعات موجودة، يعرب سنان عن أسفه لعدم النظر إليها بالجدية الكاملة لإستكمالها كما ذكرنا بما يتعلق بتصنيف المباني، فضلاً عن تقصير في تدريب العنصر البشري بالشكل المطلوب، وتجهيز المراكز الساحلية كالمطارات والمرافئ في حال تعرضها لأي تسونامي ناتج عن زلزال.
التسونامي مرة جديدة
وفي نظرة علمية سريعة على علم الزلازل يشدد الخبير الهيدروجيولوجي الدكتور سمير زعاطيطي في حديثٍ لـ”نداء الوطن”، على أنه من العلوم الجيولوجية الهامة والتي تطورت بدءاً من ستينات القرن الماضي وتعتبر من الثورات العلمية المتأخرة، شارحاً بأنه من المعروف أن فالق اليمونة هو فالق يفصل الصفيحة العربية الى الشرق عن الصفيحة المشرقية الى الغرب، وينتج عنه زلازل ضعيفة من 3 الى 3,5 على مقياس ريختر، ويعتبر الخط الخفيف الداخلي. ووفق زعاطيطي، فإن هذا الفالق يتحرك بشكل سطحي أفقي، ولبنان يتأثر بخط الفوالق الممتد من العقبة جنوباً الى جبال طوروس شمالاً، مشيراً إلى أن هذا الفالق هو جزء من هذا الخط، مضيفاً: “بعد أن أثبت العلماء أن البراكين والزلازل تحدث بين الصفائح التكتونية، فإن الحركة الحاصلة بين الصفيحة التكتونية لسهل البقاع والصفيحة التكتونية لجبل لبنان هي حركة إنزلاق افقي”.
وللتوضيح: “إذا اعتبرنا أن جبل لبنان وسهل البقاع عبارة عن قطعتين من البلاط، فإن معدل التحرك النسبي هو 9 ملم سنوياً وتسمى movement relatif لكن من غير الثابت ما إذا جبل لبنان يرتفع صعوداً أو سهل البقاع ينخفض نزولاً، لكن المؤكد أن أحدهما يتحرك بهذه النسبة. المرجع ( IPGP Institut de Physique du Globe de Paris معهد فيزياء الارض الباريسي ) وهو أهم معهد في علم التكتونيك (علم تشوهات القشرة الارضية) إلتواءات وتكسرات.
ويعطي زعاطيطي مثالاً بأن الزلزال القوي الذي ضرب بيروت العام 551 م. وتسبب بدمار كبير ناتج عن الفوالق البحرية، لم يكن ناتجاً عن فالق اليمونة، بل كان زلزالاً من الزلازل ذات المركز البحري التي ينتج عنها موجات عالية (تسونامي) تجتاح المدن الساحلية وتسبب دماراً كبيراً. كاشفاً أنّه في العام 2003 إكتشفت بعثة جيولوجية فرنسية أن صفيحة البحر المتوسط مقابل الشاطئ اللبناني تنزلق تحت الصفيحة المشرقية الذي يعد لبنان جزءاً منها، والمعروف عن حركة هذه الصفائح أنها عنيفة جداً، وتسبب هزات أرضية وزلازل من 5 درجات وما فوق على مقياس ريختر.
أطلق المركز الوطني للجيوفيزياء التابع للمجلس الوطني للبحوث العلمية تطبيقاً هاتفياً ذكياً LebQuake لمعرفة المعلومات الدقيقة حول الهزات الأرضية في لبنان. ويعتبرهذا التطبيق الأول من نوعه في لبنان والمنطقة، يهدف اطلاقه الى توفيرالمعلومات العلمية بشأن الهزات الأرضية بشكل أسرع وأدقّ الى جميع المواطنين، أهمها:
– قوة الهزّة على مقياس ريختر (Magnitude)
– توقيت حدوث الهزّة حسب التوقيت المحلي والعالمي.
– موقعها (إحداثيات).
– بعدها عن مدينة بيروت وعن أقرب بلدة رئيسية وعن الشخص الذي يستخدم التطبيق.
الخطر الزلزالي في لبنان
يسجل لبنان نحو 600 هزة أرضية سنوياً، يشعر المواطنون بعشرات منها فحسب. أما في العام 2008، فشهد لبنان، بشكل إستثنائي، أزمة زلزالية قوية شرق مدينة صور، اذ تم تسجيل نحو 2000 هزة أرضية في خلال أربعة اشهر، شعر المواطنون حينذاك بأكثر من 200 هزة منها. وتعتبر الهزة الأرضية من أخطر الكوارث الطبيعية في لبنان، وتدوم لفترة زمنية قصيرة، غير أن آثارها تطبع المجتمعات لسنوات طويلة.
شهد لبنان هزات تاريخية مدمرة ومنها: زلزال تموز 551 الذي دمر مدينة بيروت وأودى بحياة 30000 شخص، وامتدت الاضرار من طرابلس شمال لبنان وحتى وادي الأردن والبتراء جنوب الأردن. إضافة إلى تشكُّل أمواج المدّ البحري تسونامي على مناطق واسعة من الساحل اللُبناني، من طرابلس وحتى مدينة صور حاصدةً المزيد من الضحايا (وفق المركز السوري للطقس والمناخ). وزلزال أيار 1202 على فالق اليمونة الذي تسبب بدمار كبير وأدى الى انهيار 31 عموداً من أصل 40 في معبد جوبيتر في قلعة بعلبك.