رويداً رويداً “اختمرت” داخل الاوساط السياسية فكرة الاستعانة بصندوق النقد الدولي وبرنامجه الاصلاحي لمعالجة “ثقب” الاقتصاد اللبناني. فما كان “حراما” بالامس لاعتبارات ربطتها بعض القوى السياسية بأدوات إستكبارية تابعة للولايات المتحدة الاميركية، بات حلالاً اليوم بعدما لم يبقَ أمام الحكومة سوى خيار وحيد هو صندوق النقد الدولي.
لكن خيار الصندوق لن يكون “كالفانوس السحري” الذي يخرج منه “العفريت” محمّلاً بالدولارات التي يحتاجها الاقتصاد اللبناني لعودة عجلته الى العمل. فلا قرش قبل البدء بورشة الاصلاحات المطلوبة وهو ما يُجمع عليه من يطلّع على برامج مساعدات الدول المانحة للبنان وخطط صندوق النقد لمعالجة الازمة.
ووفق اوساط دبلوماسية تحدّثت لـ”المركزية” إن طلب الاستعانة ببرنامج صندوق النقد ليس سهلا ولا تتم الموافقة عليه تلقائياً بل هنالك مشاورات يجريها الصندوق الذي يرسل الى لبنان وفداً للاطلاع عن كثب على الوضع الذي يعرفه جيداً عبر التقارير التي تضعها البعثات التي كان يرسلها الى لبنان”.
وفي وقت يتوقّع ان يوفد البنك الدولي الى بيروت ممثلين عنه في الايام المقبلة بالتزامن مع إقرار الحكومة الخطة الاقتصادية-الانقاذية، إعتبرت الاوساط “ان الخطة غير كافية، إذ يجب ان تترافق مع خطوات إصلاحية اساسية ذكرها صندوق النقد لعل أبرزها إنشاء الهيئة الناظمة للكهرباء وتلزيم الملف لشركات عالمية لإنشاء معامل تعمل على الطاقة البديلة في فترة لا تتجاوز السنتين، وهي أبدت إستعدادها للإستثمار في هذا القطاع، إضافة الى تشكيل الهيئة الناظمة لقطاع الاتصالات”.
واشارت الاوساط الى “ان “الصندوق” سيشترط زيادة 5 الاف ليرة على صفيحة البنزين ورفع الضريبة على القيمة المضافة الى 15%، الا انه وخلافا لما يروّج البعض لا يشترط تحرير سعر صرف الليرة مقابل الدولار بل العكس، يعمل على المحافظة على الاستقرار النقدي في البلاد في مرحلة الانقاذ”.
والى جانب “وصفة” البنك الدولي التي تعتبر بمثابة “ستاندر” وتُعتمد في معاجلة الازمة الاقتصادية، شروط من قبل بعض الدول المانحة لاصلاح “عورة” الاقتصاد اللبناني.
ومن بين هذه الدول واشنطن التي تشكف الاوساط الدبلوماسية انها إشترطت لمساعدة لبنان “ضبط المرافق والمعابر الشرعية وغير الشرعية وتسليم مهمة المراقبة الدقيقة الى الجيش مع مسؤوليته بالسهر على تطبيق القانون وفرض سيطرته عليها ومنع التهريب عبرها”.
اما الجانب الفرنسي فقد اشترط على الحكومة بحسب الاوساط “ان تعتمد سياسة النأي بالنفس وعدم التدخّل في شؤون الدول المُحيطة، وإحترام إعلان بعبدا، إضافةً الى حثّ لبنان على تنفيذ الاصلاحات المطلوبة منه، لاسيما في قطاع الكهرباء والمرفأ والبيئة والاشغال وغيرها من البنود الاصلاحية الواردة في “سيدر”.
في الخلاصة، اوضحت الاوساط الدبلوماسية “ان من يحلم بان هنالك من سيضخ سيولة بالمليارات في السوق اللبنانية من دون إصلاحات جدّية هو واهم. فلا أموال قبل ان تبدأ الحكومة بتنفيذ الاصلاحات المطلوبة، علماً انها لم تقدم على خطوة اصلاحية واحدة حتى اليوم، وهي تتبع سياسة الهروب الى الامام من خلال تحميلها القطاع الخاص والقطاع المصرفي مسؤولية إفلاس الدولة ومحاسبة من أقرضها المال، لذلك كان موقف جمعية المصارف الرافض لخطة الاصلاح المالي”.