رغم أنه لم يعد لائقاً انعقاده لا في الشكل ولا في المضمون بعدما استقرّت المشاركة فيه على مستوى هزيل لا يليق بموقع رئاسة الجمهورية، لا يبدو أمام الرئيس ميشال عون مفراً من عقد الاجتماع النيابي المرتقب اليوم في قصر بعبدا “بمن حضر”، وأبرزهم رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي آثر إنقاذ وجه الرئاسة الأولى بحضوره شخصياً الاجتماع، بينما ستكون مشاركته مقتصرة على “الصورة” مكتفياً بالاستماع إلى الشرح الذي سيقدم حول الخطة المالية من دون أن يدلي برأيه ولا بملاحظاته عليها، حسبما أكدت مصادر نيابية لـ”نداء الوطن”، على اعتبار أنّ المكان الطبيعي لإبداء مثل هذه الملاحظات هو تحت قبة البرلمان. وإذا كان رئيس المجلس يمشي بين أفخاخ العلاقة مع الرئاستين الأولى والثالثة بحذر شديد تقتضيه المصلحة العامة لمحور 8 آذار، فإنّ الحكومة بأكملها بدت أمس واقفة “ع إجر ونص” لتنفيذ جدول الأعمال الذي وضعه لها الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في إطلالته المتلفزة أمس الأول، فاستنفرت كل محركاتها وطاقاتها امتثالاً لبنود جدول… “شبّيك لبّيك” يا سيّد!
فبعدما بلغ مسلسل السجالات والتبيانات داخل الفريق الحكومي مبلغاً فضائحياً خلال المرحلة الأخيرة وصولاً إلى حد التلويح بمقاطعة جلسات مجلس الوزراء والاستقالة منه على خلفية ملف التعيينات، أتى الصدام المباشر بين رئيس المجلس النيابي ورئيس الحكومة حسان دياب خلال جلسة الأونيسكو التشريعية ليشكل منعطفاً قسرياً نحو ضرورة إعادة رص الصفوف بين مكونات قوى 8 آذار الراعية لحكومة دياب، فكانت لمسات “حزب الله” جلية في تنظيم الخلاف عبر سلسلة من اللقاءات التبريدية للأجواء، بدأت بين عين التينة والسراي إثر زيارة النائب علي حسن خليل لدياب وتمهيده لزيارة الأخير للوقوف على خاطر بري في جدول الأعمال الحكومي، وانتهت بالأمس مع زيارة رئيس “التيار الوطني الحر” إلى عين التينة لإعادة وصل ما انقطع في العلاقة مع بري، فكان اتفاق على “مزيد من التنسيق” بين الجانبين، وفق ما أوضحت مصادر معنية لـ”نداء الوطن”، كاشفةً أنّ اللقاء تناول “مسألة التعيينات المالية بحيث شدد رئيس المجلس على الخطأ في التوقيت الذي اعتمد في عملية الدفع نحو تغيير حاكم المصرف المركزي، بينما المطلوب في هذه المرحلة الدقيقة إقرار التعيينات المالية وملء مراكز نواب الحاكم وأعضاء لجنة الرقابة على المصارف، كي يساعد هؤلاء على معالجة الوضع المالي المتأزم”.
أما في ما يتعلق بالأداء العام للحكومة، فتوقفت مصادر المعارضة عند “ركاكة الإخراج” الذي اعتُمد حكومياً في تلبية مطالب الأمين العام لـ”حزب الله”، وقالت لـ”نداء الوطن”: “كان من المفترض أن تعتمد الحكومة صيغاً أكثر حنكة لا تظهر فيها أمام المجتمع الدولي في موقع التابع للحزب بهذا الشكل المفضوح عشية طلبها المساعدة من صندوق النقد، فأقله كان على وزير الخارجية ناصيف حتي أن يتريث قليلاً في مسألة استدعائه السفير الألماني، كي يبلغه رسالة الامتعاض الرسمي من حظر “حزب الله” في بلاده كما طلب نصرالله بشكل علني وواضح من الحكومة أمس الأول، ولا حتى المجلس الأعلى للدفاع كان مضطراً إلى البحث في مسألة غلاء الأسعار على طاولته، ولا مجلس الوزراء كان يجب عليه الانتظار لتلقي التعليمات من نصرالله بهذا الخصوص، كي يبادر إلى تحديد جلسة مخصصة لدرس الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية غداً الخميس، ولا استنفار وزارة الاقتصاد أمس بدا تحركاً ذاتياً بعدما نعى الأمين العام لـ”حزب الله” دورها وأعلن تقصيرها في لعب دورها الرقابي على المؤسسات المخالفة”. وختمت المصادر: “هي حكومة “حزب الله” على “راس السطح” والأجدى من الآن فصاعداً أن يدير دفتها الأصيل بعدما أثبت أنه بكلمة قادر على تفعيل العمل الحكومي، ولا طائل تالياً للتلطي خلف وكيل متردّد يستمر في لعبة اللف والدوران في مزيد من الحلقات المفرغة”.
وفي الغضون، برز أمس دخول موثّق بالأسماء والوقائع والمستندات من جانب “القوات اللبنانية” على خط كشف فضائح ملف وزارة الطاقة، بشكل أضاء بوضوح على مسؤولية وزراء “التيار الوطني الحر” في مسلسل الهدر الممنهج المعتمد في الوزارة. فبعد الإخبار الذي تقدم به النائب أنطوان حبشي في ملف فساد الكهرباء، وضع حبشي أمس الرأي العام أمام جملة من الحقائق المتوافرة لدى تكتل “الجمهورية القوية” في ما يتعلق بهذا الملف، واضعاً في الوقت عينه القضاء اللبناني أمام مسؤولياته للإقدام على معالجات تبدأ “من رأس الهرم”، كي لا يصار إلى لفلفة الموضوع وختمه بالاقتصاص من منتفعين عبر تحويلهم إلى “كبش محرقة”، في دوامة الفساد والهدر المستمرة منذ عقود في وزارة الطاقة وكلفت خزينة الدولة نحو 50 مليار دولار من الخسائر.
وإذ لفت إلى أنّ رئيس “التيار الوطني الحرّ” كان قد طرح خطة في العام 2010 لتأهيل معملي الزوق والجية، كشف حبشي أنّ “كل الصفقات في هذا الإطار حصلت بالتراضي”، مشيراً إلى أنّ “باسيل مهّد للتعامل مع شركة تقدم خبراتها لوزارة الطاقة، وكل المستشارين في هذه المؤسسة الرديفة هم مستشارون لباسيل ومعظم هؤلاء أصبحوا وزراء”. ولعل أبرز ما كشفه في فضيحة المازوت المغشوش هو أنّ العقد الموقع مع سوناطراك لم يكن عقداً “من دولة إلى دولة”، وتطرق إلى مسألة “تأجير منشآت طرابلس لشركة روسية من قبل وزير الطاقة الأسبق سيزار أبي خليل خلال فترة تصريف الأعمال”، ليخلص إلى القول: “لدي مستند يدل على الشبكة العنكبوتية، طُلب عبره شراء “فيول أويل” من مؤسسة كهرباء لبنان ويتضمن موافقة الوزير وينص على استلام المبلغ نقداً”، متسائلاً: “إن كان القاضي المستلم للملف مكشوف الانتماء السياسي وملفه في التفتيش، هل علينا افتراض حسن النية؟”.