IMLebanon

أزمة النفايات تتمدّد: عودة إلى الناعمة؟

على وقع السجالات العنيفة، أقرّت الحكومة التدابير التي اقترحتها وزارة العدل لمكافحة الفساد، من دون المرور بهيئة التشريع والقضايا. التباين في الحكومة توسّع إلى الموقف من ألمانيا وانتقاد الوزراء للحكومة في العلن. أمّا أزمة النفايات فباقية وتتمدّد من المتن وكسروان إلى عاليه والشوف

جولات عاصفة من النقاشات الحادّة شهدتها جلسة الحكومة، أمس، بدأت بسجالٍ قاسٍ بين رئيس الحكومة حسان دياب ووزير الأشغال ميشال نجار، على خلفية التصريحات التي أدلى بها الأخير من مطرانية بيروت للروم الأرثوذكس، التي «استنفرت» قبل يومين لـ«الدفاع عن مواقع الطائفة». ومن دون أن يسمّيه، بدأ دياب حديثه عن «تصريحات طائفية نسمعها في البلد»، قائلاً إن «ظلم ذوي القربى أشد مرارة على المرء من وقع الحسام…»، معبّراً عن استيائه الكبير من الهجوم على الحكومة عبر وزراء من داخلها. لكن نجّار لم يلتزم الصمت، بل أكد على موقفه وكرره قائلاً إن «الحكومة تريد أن تمرر تعيينات تفتقر إلى الشفافية، ونحن كلنا نعرف أي أسماء تريدون تعيينها». وخلال النقاش، احتدم الجوّ وعلت الأصوات، قبل أن يتدخل الرئيس ميشال عون طالباً استكمال النقاش بهدوء. وبحسب مصادر وزارية، فإن وزيرة الدفاع زينة عكر حاولت الدخول على الخط ودعم نجار، ثم خرجت مع وزير الصناعة عماد حب الله إلى خارج القاعة لبعض الوقت، ثم عادا ليحاول حب الله التخفيف من الاحتقان، بالقول إن «نجار من حقه أن يُعبّر عن موقفه». وكان لوزيرة العمل لميا يمين الموقف ذاته، لكن دياب اعتبر أن «أهم شيء في هذه الفترة هو التضامن الحكومي، ولا يجب إظهار العكس».

الجولة الثانية من التوتر، فتحتها تدابير مكافحة الفساد المقدمة من وزيرة العدل ماري كلود نجم، محدثةً سجالاً حول قانونيتها. إذ كرّر وزراء حركة أمل وحزب الله وتيار المردة الموقف ذاته الذي طرحوه في الجلسة الماضية، حين اقترح الوزراء أن يتم إرسال التدابير إلى هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل لبتّ هذا الأمر، وتحديداً بشأن التدبيرين الرقم 5 و6 المتعلقين بقانون الإثراء غير المشروع. وطالب حب الله بسحب التدبير من التداول، متسائلاً «كيف تعطي الحكومة لنفسها الحق بأن تحل مكان القضاء، ومن أين لها الصلاحيات بأن تذهب وتتحرى وتجمع المعلومات عن الناس؟». وتوجه إلى وزيرة العدل بالقول: «لماذا لا تطبقين رأي الهيئة في هذا الصدد؟ الهيئة أدخلت بعض التعديلات بما يتوافق مع القانون». لكن نجم لم توافق، وأصرت مع رئيس الحكومة على السير بهما، وهذا ما حصل. بدوره، قدّم المدير العام للقصر الجمهوري أنطوان شقير مداخلة تساءل فيها أيضاً «عن الصفة التي تمنحها الحكومة لنفسها، للتحري عن رؤساء سابقين، وخاصة أن الأمر لا يدخل ضمن صلاحياتها».
أمّا الجولة الثالثة، فاندلعت على خلفية قرار حظر أنشطة حزب الله الذي أعلنته ألمانيا، والعمليات الأمنية والمضايقات التي تعرّض لها لبنانيون هناك. واعتبر حب الله أن «على الحكومة أن تأخذ موقفاً من هذا الأمر». في البداية، لم يُجب أي من رئيس الجمهورية أو الحكومة، لكن وزير الخارجية ناصيف حتي أشار إلى استدعائه السفير الألماني في بيروت جورج بيرغلن وأبلغه أن «حزب الله هو حزب لبناني ممثل في الحكومة ومجلس النواب ويمثل شريحة واسعة من اللبنانيين». وكرّر حب الله ضرورة أن تعلن الحكومة موقفاً، فيما اعتبر دياب أن تصرف وزير الخارجية «كافٍ»، وقال عون «إننا سبق أن تحدثنا مع الألمان في هذا الأمر، وكلنا يعرف أنهم يتعرضون لضغوط أميركية».

دياب: تحرّك وزارة الخارجية بموضوع ألمانيا كافٍ

أما في ما يتعلق بجدول الأعمال، فقرر مجلس الوزراء تمديد فترة التعبئة العامة لأسبوعين، وطلب من القوى الأمنية «التشدد في تنفيذ الإجراءات والقرارات المتخذة». وكلف وزارة الاتصالات «نقل إدارة شركتَي الخلوي من إدارة شركتَي (زين) و(أوراسكوم) الى إدارة وزارة الاتصالات، مع الاحتفاظ بالكيانات القانونية لشركتَي (MIC1) و(MIC2) من أجل الحفاظ على قيمة الشركتين الاقتصادية والسوقية والحفاظ على ديمومة العمل والموظفين وعلى تقديم الخدمات للمواطنين وللاقتصاد». كما كلف الوزارة إعداد دفتر شروط جديد وعقد الإدارة وشروط الاشتراك والتأهيل للمناقصة العالمية واقتراحه على مجلس الوزراء للموافقة عليه خلال مهلة ثلاثة أشهر، ثم إطلاق المناقصة العالمية الجديدة من أجل التعاقد على إدارة وتشغيل شبكتَي الخلوي بالتنسيق مع إدارة المناقصات.
وقرر مجلس الوزراء التمديد لشركة «ليبان بوست» لمدة أقصاها 31 كانون الأول 2020، وإعداد دفتر شروط لإجراء مزايدة عالمية، على أن يتم تقصير المهلة الزمنية إذا جرت المزايدة في وقت يسبق المهلة المحددة.
كذلك وافق المجلس على «عرض وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية لمشروع الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد». وقرر «تأليف لجنة متخصصة تتولى إجراء مسح شامل لثروات الأشخاص الذين شغلوا أو يشغلون مناصب دستورية أو قضائية أو إدارية أو عسكرية مع أزواجهم وأولادهم القاصرين، وفقا لآلية ومعايير وأسس تحددها اللجنة».

«طابق جديد» فوق جبل النفايات في الجديدة
وناقش الوزراء جزءاً من خطة النفايات، مع عودة مشاهد تلال الأكياس والأوساخ تملأ شوارع المتن الشمالي وكسروان وجزءاً من بيروت. وبدأ العمل لإيجاد حلول ولا سيما بعدما أصبحت الأزمة أزمتين، بوصول مطمر الجديدة إلى قدرته الاستيعابية، وتوقف شركة رامكو عن الجمع والكنس جزئياً لعدم تقاضيها أموالها. واستنفار الجميع لمعالجة المشكلة عند حدوثها، جعل الحل بتكديس النفايات الجديدة فوق جبل النفايات القديم في الجديدة عبر رفعه متراً أو متراً ونصف متر إضافي. وقد كُلف مجلس الإنماء والإعمار مناقشة هذا الحل مع البلديات المعنية، على أن يتم اعتماده لمدة 3 أشهر حتى تكون وزارة البيئة قد أنجزت خطتها الشاملة. ويقول وزير البيئة دميانوس قطار إن الخطة تركز على أمرين أساسيين: «اللامركزية، والتعاون ما بين البلديات والمجتمع المدني لبدء عملية الفرز والتسبيخ»، مشيراً الى «ضرورة اعتماد التوازن في المطامر». وطلب وزير البيئة من وزارة المالية تحرير أموال البلديات، بعدما نفذت وزارة الداخلية دورها في الموضوع ووقّع الوزير محمد فهمي على القرار منذ 10 أيام، ولم تقم المالية بعد بتحويل أموال البلديات إلى مصرف لبنان، الأمر الذي سيتسبب بمشكلة إضافية مماثلة لأزمة المتن الشمالي.
تلوح أزمة أخرى في الأفق مع طلب مجلس الوزراء من اتحادات الشوف وعاليه تحديد موقع مطمر يخدم المنطقتين وجزءاً من قضاء بعبدا الى جانب مطمرَي الجديدة وكوستا برافا ضمن مهلة شهرين. وبحسب المتوقع، ستعلو «الصرخات» في الأيام القليلة المقبلة، وخصوصاً أن هذه المناطق تعتبر أنها أدت قسطها تجاه نفايات بيروت. فعندما طٌرحت إقامة مطمر لنفايات الشوف وعاليه منذ سنة، وفق خطة وزير البيئة السابق فادي جريصاتي بإنشاء 24 مطمراً في كل لبنان، اعترض الحزب الاشتراكي يومها على الأمر بشراسة. ثم اتخذ النقاش سريعاً منحىً طائفياً. إذ لحظت الخطة التي وافق عليها مجلس الوزراء، آنذاك، أن يكون مكان هذا المطمر في الناعمة أو ضهر المغارة، علماً بأن نفايات الشوف وعاليه اليوم تنقل الى مطمر الكوستا برافا، بالإضافة الى نفايات الضاحية والشويفات وجزء من بيروت، واليوم شارف المطمر على بلوغ كامل قدرته الاستيعابية. وكان قد سبق لرئيس اتحاد بلديات الضاحية محمد ضرغام، أن حذّر من الأمر قبل عام وأعلن توقّف المطمر عن استقبال النفايات، ليعود عن قراره مانحاً الحكومة الماضية فرصة ثلاثة أشهر للحل. وطالما أن الخطة غائبة، فالحل المستقبلي الوحيد سيكون بتوسيع المطمر. وتتوقع أكثر من دراسة أن يصبح شاطئ لبنان بأكمله مطمراً للنفايات، في حال عدم اعتماد الفرز والتسبيخ كوسيلة رئيسية لمعالجة النفايات. وما يحصل في مطمر الجديدة حالياً أبرز مثالٍ على ذلك، إذ سيتم رفعه مرة جديدة، وصولاً إلى اعتماد الخطة الأساسية المعلنة مسبقاً له، وهي ردم مساحات إضافية من البحر لتوسيعه ونقل مرفأ الصيادين إلى الجهة المقابلة.