كتب ألان سركيس في صحيفة “نداء الوطن”:
يجمع قصر بعبدا اليوم طاولة التشاور التي دعا إليها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من أجل مناقشة الخطة الإقتصادية للحكومة، وسط انخفاض الآمال بإمكانية وصولها إلى نتيجة ترضي الشعب وتحلّ مشاكله.
يبدو أن الساحة اللبنانية تتجه نحو التبريد السياسي بعد العواصف التي هبّت الأسبوع الماضي واحتدام السجال بين تيار “المستقبل” والحزب “التقدّمي الإشتراكي” من جهة والعهد من جهة ثانية.
وإذا كان تيار “المستقبل” ماضياً في تصعيده، إلا أن رئيس الحزب “التقدّمي الإشتراكي” وليد جنبلاط إختار المهادنة مع العهد وقد شكّلت زيارته الأخيرة إلى قصر بعبدا تغيراً كبيراً في السياسة، تاركاً الرئيس سعد الحريري ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع وحدهما في معركة المواجهة مع العهد.
لكن بعبدا تنظر بإيجابية إلى ما حصل وتعتبره نقطة الإنطلاق في مسار تبريد الساحة السياسيّة وعدم العودة إلى الإصطفافات القديمة، وإعطاء فرصة للإنقاذ لأن الهيكل إن سقط فإنه سيسقط على رؤوس الجميع ولن يرحم أحداً في الوطن.
وفي حسابات القصر الجمهوري أن كل الأفرقاء مسؤولون في هذه المرحلة، إذ إن الوقت الحالي ليس وقت مزايدات أو تسجيل أهداف ولا يجب رمي كرة النار بين يدي الحكومة وحدها، بل إن الوطن هو للجميع ويجب على الجميع أن يتشاركوا لإنقاذه.
وتسجّل بعبدا ارتياحاً كبيراً بعد لقاء جنبلاط، إذ إن هدف اللقاء ليس إبرام اتفاقات سياسية أو الدخول في جبهات ومحاور، بل إنّ الأساس هو النظرة المشتركة إلى الواقع اللبناني الخطير وعدم التلهي في صراعات جانبية تؤذي الوطن والمواطن، وتفتح ملف الحرب الأهلية في الجبل والتي يعمل الجميع على ختم هذا الجرح التاريخي بين الموارنة والدروز.
وبعد نجاح خطوة جنبلاط، ينقل مقربون من رئيس الجمهورية أنه ينوي استكمال خطواته التصالحية لأنه الرئيس المؤتمن على البلاد، وبالتالي فإن الوجهة الثانية ستكون الرئيس الحريري.
ويشير هؤلاء إلى أنّ الرئيس عون يؤكّد في مجالسه الخاصة ويقول أمام زواره أن الحريري هو مثل إبنه ولا يريد وقوع صدام معه، بل يرغب أن تكون العلاقة سوية بينهما، وبالتالي فإن أبواب القصر الجمهوري مفتوحة أمامه في أي وقت كان.
ويرفض المطلعون على أجواء بعبدا كل الكلام الذي يُقال عن أنه من سابع المستحيلات إعادة وصل ما انقطع في العلاقة بين الحريري ورئيس الجمهورية، ويذكّرون أنّ العلاقة عاشت عصرها الذهبي بعد التسوية الرئاسية منذ انتخاب عون في 31 تشرين الأول 2016 واستمرت حتى تقديم الحريري استقالته أخيراً، وبالتالي لا شيء مستحيلاً إذا صفت النيات.
وإذا كان القصر الجمهوري يتكتم عن نوعية المبادرة باتجاه الحريري، إلا أن التأكيدات هي أن عون يطبّق شعار “بيّ الكل” قولاً وفعلاً ويريد أن يكون الجميع على وفاق ووئام، وإذا كان من المبكر الحديث عن نجاح المبادرة تجاه الحريري وحدوث اللقاء قريباً، إلا أن لا شيء يمنع أن يزور الحريري بعبدا ويلتقي عون ويتمّ الحديث بصراحة في كل الشؤون والشجون.
لا شكّ ان رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل يشكّل العائق الأساسي بين الحريري وعون وذلك باعتراف الحريري نفسه، لذا فإن المشكلة لا تزال معقّدة إلا إذا تحسّنت العلاقة بين الحريري وباسيل أو قرر عون كفّ تأثير باسيل.
من جهته، يرفض “المستقبل” التعليق على مبادرة من هذا النوع، وسط تأكيد “التيار الأزرق” على أن الرئيس الحريري فعل كل ما بوسعه من أجل حماية البلد وقدّم الكثير من التنازلات، ودفع من رصيده الشعبي والسياسي من أجل عدم الإنزلاق إلى الهاوية وجرّ البلاد إلى فتن متنقّلة لكن ماذا كانت النتيجة؟
ومن جهة ثانية، فإن “المستقبل” يريد ان يلمس أفعالاً لا أقوالاً لأن الإستمرار بالسياسة نفسها سيجلب الويلات على البلاد، وبالتالي فإن المطلوب هو إجراء مراجعة شاملة لكل السياسات الماضية وإلا فإن الاوضاع ستستمرّ هكذا وتنحدر نحو الأسوأ.